بقلم: كلودين كرمة
نفرح وفى القلب آنين يعلو صوته على نبضه و ضرباته ؛ نضحك وفى العيون تترقرق دموع نفشل فى حجبها حتى عن محبينا ؛ نريد أن نجرى ونبعد عن ما يزعجنا ولكن تثقلنا خطواتنا وتربطنا بشدة بأعماقنا المعذبة بين نعم و لا ؛ بين شد وجذب ؛ بين طموح ويأس ؛ حيرة بين الصواب والخطأ ؛ بين الحق والباطل ؛ بين ما يجب فعله و ما نريده حقا. نفوسنا ممزقة بين حب مضى و بهجة ولت ووعود تهاوت ونظرات قد تحولت عنا ، وانصرفت الى ما هو اكثر نفعا وبريقا ؛ نفوس مشتاقة للحظة صادقة ، وحب صادق ، وقلب ثابت لا تحوله الأقاويل أو الأهواء ، وفكر ثاقب تتغلغل أنامله إلى الأعماق ، فتفسر ما يصعب شرحه ويزيل الهم ويفرج الكرب. نشتاق لتلاقى العيون فتستقر البهجة فى القلوب ، تجلى عن الروح أثار الانهزام التى طالما ما احنت الظهور من ثقلها ، وتراكم الهموم. تشدنا أحرف من نور تجاه الأمل المنشود ، فى استعادة سنوات مضت ، ولكنها كانت لنا كل الحياة وعلى ذكرها نحيا ، ومن بهجتها نستقى ماء الحياة. نتذكر أشخاصا كانوا اقرب فى طبائعهم للملائكة ولا ينتمون الى سائر البشر فلديهم من الكنوز ما يثرى العقل ويغنى الألباب ، يزيد إشعاعه إشراقا وانتشارا ، فيصل إلى المدى البعيد ويجتذب الغريب رغم عنه ، و بجماله يأسره فيرغب فى اقتناؤه ، ويتخلى عن كل ما هو بغيض، ويترفع عن الأهواء حتى يتوخ بذات الأكاليل !. أشخاص كانوا للجمال آيات وللرقى عنوان وللحب نبع فياض ولنصرة الحق كالحجر الصوان لا يلينوا حتى يحققون المراد ، كادوا أن يلمسوا السماء وينسجون من نجومها أحلام تتلألأ فى الأفاق، تشير إلى أهداف جديدة بالنسبة لهم هى معنى الحياة و متعة تحقيق الذات وإثبات وجودهم وترك بصمة اناملهم فى إحياء وبناء حضارة البلاد.
إنما ويل لنا فى هذه الأيام ، فلم نعد نحن من يصنعها بل أصبحت هى القائدة ونحن الخدام ، نلهث فى إثرها لعلنا ندرك الفتات. أبواب تغلق وأخرى تتوارب وجديد يفسح لنا المجال ولا ندرى أى الأبواب نختار أو على من نطرق على الأقارب أم الأغراب ؟ أسوار تعلو فتحجب الرؤية ويصعب مع علوها التمييز والإنتقاء ؛ كنا فى زمن مضى نمهد الطرق ونعتلى الصعاب أما الآن فلا نملك إلا ‘اللف والدوران ‘ لتجنب الأهوال ؛ و بمهارة المراوغة أصبح يتباهى الإنسان ، بعد أن كانت طرق محرمة أصبحت لها الصدارة والإكرام ؛ وكل الحوارات ممنهجة حسب الشرع والأحكام ، ترتدى ثوب البراءة و فى الحقيقة ما هى إلا شراك وقد نصبت بإحكام. تارة تصيب وتارة تخيب ظنونا ؛ وكثيرا نصدم من ردود أفعال أو تهكمات ولوم واستهزاء ، وأسوأ ما فى الأمر اننا كنا فى غفلة من الزمان نؤمن أن هؤلاء هم لنا النجاة والملاذ اذا هوت بنا الدنيا فى يوم من الأيام وألقت بنا فى هوة عميقة دامسة الظلام. ونتهم نحن بالشرود والهذيان..وتشاور علينا الجموع بدعوى تمسكنا بالمثاليات وقد أصبحت حروف منفصلة على اوراق ممزقة من الذكريات. ولكننا مع الأسف لهؤلاء نحن عباد نعيش على أنقاض نسعى ونفتش عن إثبات إننا كنا من أغلى الأحباب حتى لا نصاب حقا بالجنون أو الانفصام بين شعور من الحب كامن فى الأعماق و شعور بالامتعاض ورفض الهجران .. نحاول ان نجد خيطا رفيعا يمنعنا من الانفصال ، ربما فى يوم تعود المودة والاحترام وأن لم يكن على مستو ي الحب الأمل والاحترام ، فإن الحرص على التواصل إنما هو أرفع من الحرص على امتلاك الأشياء ..انما للتعاطف زمن لا يخضع لقوانين هذا الزمان ، انه لا ينتهى ولو انتهت بنا الأيام، فسيظل عبيره يفوح فى الأنحاء ، فيعمر القلوب بالمحبة، و بهذا فقط يمكن أن تحيا الأنام.
وفى النهاية نتعجب لماذا نشعر بالغربة وعدم الامتنان ؟ ويكمن بداخلنا الإحساس بالإضراب و بعدم الأمان ؟ ويسيطر علينا المزيد من الارتباك وترفض عقولنا الاستيعاب ؟!
و مهما أطاح بنا الزمان لن نقبل الخداع ، وسنقاوم الانسياق فى إثر الأهواء ، ولا ولن تغرقنا أمواج النفاق ، ولن نستسلم لسؤ الظن ولن نسعى للانتقام .. والحجة واضحة البيان .. هذا لأننا يجب أن نتشبث فى كوننا عقلاء ننتمى لجنس “الإنسان” لدينا القدرة على التمييز ونمتلك مهارة الاستبيان ، ولنا الحق فى العيش بكرامة وشرف مرفوعى الرأس ولا بد للحكمة أن تغزوا الأذهان ونترفع ونعتلى العرش ونتزين بالتيجان.