بقلم: د. حسين عبد البصير
مصر القديمة هي هبة الآلهة!
وكان الفراعنة يحكم على الأرض نيابة عن آبائهم الآلهة!
وكان القانون هو الأساس الذي قامت عليه الحضارة الفرعونية!
وكانت العدالة هي الهدف الذي يصبو إليه الجميع!
وقصة القانون مثيرة جدًا في مصر الفرعونية!
خلق الآلهة مصر. ووضعوا العدالة بين الناس على الأرض. وحكم الملوك وفقًا وتطبيقًا للعدالة؛ لذا كانت العدالة مهمة جدًا في مصر الفرعونية. وكانت جزءًا لا يتجزأ من كل جوانب المجتمع وثقافته. وكان القانون جزءًا أساسًا في حياة المصري القديم؛ إذ إن مصر الفرعونية هي التي أبدعت القانون. واعتبر المصري القديم أن لقرارات المحكمة أكبر الأثر على حياة المجتمع. وكان يتم معاقبة الخارجين على القانون، وتقديم المساعدات للأطراف المتضررة. وكان يتم تعيين أفضل الرجال من مختلف أنحاء مصر كقضاة يسهرون على تحقيق العدالة وتطبيق القانون.
وكان الملوك الفراعنة مسؤولين عن جميع الأمور القانونية في مصر. وكانوا يصدرون المراسيم ذات الطابع القضائي. وكان الوزير يعمل تحت إمرة الفرعون مباشرة كيده اليمنى. ووضع الفرعون الوزير على رأس الإدارة القوية في مصر الفرعونية. وكان مسؤولاً عن النظام القضائي للدولة. وفوض الفرعون والوزير مسؤولياتهم القضائية والإدارية إلى المسؤولين المحليين.
ومنذ عصر الدولة القديمة، كانت مصر تدار من قبل مجموعة من الموظفين المتعلمين وهم الكتبة الذين اجتازوا المهمة الشاقة المتمثلة في تعلم القراءة والكتابة. وكان لطبقة الكتابة دور أساسي في ازدهار مصر وتطورها. وتطور القانون المصري ببطء شديد. وكانت القوانين تظل سارية المفعول لفترات طويلة للغاية.
ومن هذا الوصف الواسع للهيكل الإداري لمصر الفرعونية، لا يمكننا بعد أن نستنتج الطريقة التي كان يمارس بها القانون في الواقع. وعلى الرغم من أن الحجم الهائل لمواد المصدر المتاحة لنا، فإنه لم يتم إلى الآن العثور على أي مثال للقانون المصري القديم المقنن قبل 700 قبل الميلاد.
وفي ظل غياب قانون مقنن، يجب أن تستند معرفتنا بالقانون المصري إلى وثائق أخرى متاحة مثل العقود والوصايا وسجلات المحاكمة والمراسيم الملكية. وهذه للأسف لم تصل إلينا بأعداد كبيرة. ولحسن الحظ، يوجد استثناء واحد لهذا الأمر جاء إلينا من منطقة دير المدينة الخاصة بمجتمع العمال في عصر الدولة الحديثة. وعلى مدار قرون عدة، أنتج سكان مجتمع العمال بدير المدينة عشرات الوثائق التي تم أرشفتها. وتمتد السجلات التي خلفها هؤلاء الناس على مدار عصر الدولة الحديثة في مصر الفرعونية. وتقدم تلك النصوص معلومات مهمة عن الحياة اليومية عن أولئك العمال. وساهمت بشكل كبير في معرفتنا بالنظام القضائي المصري القديم.
ومن الصعب – استناداً إلى نصوص مثل سجلات المحاكمة – أن نميز القانون الجنائي عن فروع القانون الأخرى. ولم يكن القانون الجنائي معرَّفًا بوضوح داخل النظام القضائي المصري القديم. وكانت هناك طريقة أخرى لتحديد القضايا الجنائية بوضوح في النصوص القانونية من مجتمع العمال بدير المدينة من خلال تقييم العقوبات التي تم تنفيذها في الحالات المختلفة. وكان من الواضح أن كل التجاوزات كانت متساوية في العقوبة.
ويبدو أن السرقة كانت موجودة إلى حد ما في دير المدينة؛ فلدينا في السجلات العديد من الاتهامات والتحقيقات والعقوبات المفروضة. ومع ذلك فإن العقوبات لم تتجاوز العقوبات الاقتصادية حيث كان يضطر اللص إلى إعادة البضائع المسروقة. وبالإضافة إلى ذلك، يتعين عليه دفع تعويض يمكن أن يصل إلى أربعة أضعاف القيمة الأصلية للبضائع المسروقة. إما إذا كانت البضاعة المسروقة ملكًا للدولة، فتكون العقوبة أثقل بكثير. أما إذا كان المسروق ملكًا للفرعون، فكان اللص مٌطالبًا بدفع ثمانين إلى مائة ضعف للأشياء المسروقة، بالإضافة إلى العقاب الجسدي مثل الضرب أو في حالات نادرة تصل إلى الإعدام.
وكانت النصوص القضائية الصادرة عن مجتمع العمال بدير المدينة غير حاسمة بخصوص ما يتعلق بالموقف القانون المصري القديم من الزنا والاغتصاب. لكن بالتأكيد، كان المصريون القدماء ينظرون إلى كل من الاغتصاب والزنا كسلوك غير مشروع. وكان يتم التعامل معهما، في كثير من الأحيان، في المحاكم. أما فيما يتعلق بالأفعال الأخرى التي يمكن أن نطلق عليها سوء سلوك جنسي مثل المثلية والبغاء، فلا يبدو أن هذه كانت من الجرائم الجنائية. وكان الاعتداء الجسدي بالتأكيد جريمة يُعاقب عليها القانون في المجتمع المصري القديم. وهناك بعض الحالات التي تم فيها إدانة شخص ما إذ لقى الجاني عقوبة جسدية من نوع ما.
وكانت الربة «ماعت» إلهة العدالة والنظام الكوني مبدأً إرشاديًا داخل المجتمع المصري القديم. وكانت «العدالة الترابطية» تقوم على العيش وفقًا لمبادئ «ماعت»، وكانت مسؤولية جماعية. ومن ثم ليس من الغريب أن تم اعتبار أهمية نزاهة القضاة المصريين القدماء استثنائية. وكان القضاة المصريون القدماء مسؤولين حكوميين يمثلون الفرعون في المسائل القانونية والإدارية؛ لذا فإن أي سوء تصرف قضائي ينعكس بشكل مباشر على الفرعون؛ لذا تم اتخاذ جميع الاحتياطات لضمان نزاهة المحكمة، وهذا يتضح في نصوص مجتمع العمال بدير المدينة.
وقرب نهاية عهد الملك رمسيس الثالث حدثت مؤامرة لاغتيال الملك على أيدي واحدة من الملكات وعدد من رجال بلاط القصر الملكي. وشارك المؤامرة العديد من النساء من الحريم المكي، فضلاً عن عشرة من مسؤولي الحريم وزوجاتهم. وقبل تنفيذ الخطة، تم اكتشاف خيانة أولئك والقبض على جميع المعنيين، وأمر الفرعون بملاحقتهم وتنفيذ العديد من الأحكام القضائية الرادعة ضدهم. ونظرًا لأنه لا يمكن معالجة قضية بهذا الحجم من قبل محكمة قانونية عادية، فقد تم تعيين لجنة خاصة تتألف من أربعة عشر من كبار المسؤولين للتحقيق في الجرائم ومعاقبة المذنبين.
وكانت المقابر – خاصة تلك التابعة للطبقة العليا – هدفًا للسرقة، وكان ذلك جريمة يُعاقب عليها القانون، ووصلت عقوبة السطو على المقابر الملكية إلى الإعدام. وكانت المحكمة الكبرى التي يرأسها الوزير هي التي تحكم بنفسها في حوادث السطو على المقابر الملكية.
هذا بعض من كل أسس وتشريعات النظام القانوني المصري القديم الذي يوضح أن مصر الفرعونية هي التي علمت العالم كله.