بقلم: اسامة كامل أبو شقرا
(حكاية رمزية من الخيال)
في الأساطير أن القطاط والفئران كانت في الماضي تعيش سوية بوئام وسلام، لا القطة تصطاد فأرةً ولا الفأر يفرُّ هاربًا عندما يرى قطة. وقيل أيضًا إنهما كانتا كثيرًا ما تتقاسمان فيما بينهما بعضًا مما تجود عليهما الطبيعة من خيراتها من دون أي خوف أو تحسبٍ لما قد يخبِّئُه الغد. وفي أحد الأيام جاء ابن آدم واتخذ له مسكنًا بالقرب من أحد الأكمات التي كانت تقطنها مجموعة من القطاط والفئران. وكعادته أخذ هذا الإنسان يجمع المؤن صيفًا لغذائه شتاءً، وكان يضعها إلى جانب مسكنه الذي لم يكن يتسع لها معه ومع أسرته. رأت الفئران تلك المؤن فظنَّت أنها أيضًا من خيرات الطبيعة، وبالتالي لها نصيبٌ فيها، فبدأت تأخذ منها غذاءً لها ولصغارها. لاحظ ابن آدم أن أجزاءً من مُؤنِه تتعرض للقضم، فأخذ يبحث عن السبب إلى أن اكتشف أن ذلك من فعل الفئران. حاول عبثًا حماية تلك المُؤن بوسائل عدة، فقد كانت الفئران أذكى منه في تحصيل غذائها. أما القطاط فقليلًا ما كانت تقرب غذاء ابن آدم الذي لم يكن بعد فيه ما تغريها رائحته أو طعمه. ولما تبين له الفرق فيما بين غذاء القطة وغذاء الفأرة رأى أن القطاط أفضل وسيلة تريحه من اعتداآت الفئران. فبدأ باستمالتها والتقرب منها مطلقًا عليها الأسماء المتعددة، مثل الهرّ والسنور والبَسّ، مخصصًا صغارها بألطف المداعبات وأشهى ما تحبه من طعام يحضره لهن كلما أوى إلى مسكنه، فصارت القطاط أقربَ الحيوانات إلى ذلك الإنسان، حتى أسكنها معه. ثم راح يوغر صدورها كرهًا وعداوة للفئران إلى أن تمكن من بلوغ غايته بتحويل القطاط حراسًا لمؤونته، وخصوصًا بوجه الفئران. وفي أحد الأيام اقتربت فأرةٌ من بعض مؤن ابن آدم فماءت بوجهها هرّةٌ بمواء لم تعهده الفأرة من قبل، ولكنها لم تَخَفْ لما عهدته من صداقة بين القطاط والفئران، واستمرت بالاقتراب، فردعتها الهرّةُ ثانية فلم ترتدع، عندها ضربتها بيدها ضربة قاتلة. شعرت الهرّةُ، بعدها، بالندم على ما فعلته فحملت الفأرة بفمها لتعيدها إلى جماعتها، وبينما هي كذلك سالت نقطة دمٍ من جرح الفأرة وجرت على لسان القطّة، فاستحسنت هذه طعمَها، فوضعت الجثة أرضًا وراحت تلعق مما خرج من الدماء ولما نفد هذا، راحت تمزق الجثة بمخالبها وأسنانها حتى التهمتها بالكامل. جرى هذا المشهد أمام عيني فأرة أخرى، فولّت هاربة لتخبر بنات جلدتها بما حدث وتحذرهن من غدر الهررة. أما الهرةُ فعادت إلى جماعتها وأخبرتهن جميعًا عن ذلك الشعور بالتمتع بتلك الوجبة الدسمة، ودعتهنَّ جميعًا لمهاجمة جماعة الفئران. بحثت القطاط عن الفئران في كل مكانٍ كانت هذه تقصده، ولكن من دون أن تعثر لأي منها على أثر. لقد حفرت الفئران أوكارًا لها تحت أديم الأرض لتتقي شرَّ أصدقاء الأمس. وبينما كانت إحدى القطاط تتجول في ربوع الأكمة، سقطت فأرة عن أحد أغصان شجرة، فبادرتها القطة قائلةً: «الله الله»، فقالت لها الفأرة: «أبعدي يدك عنّي وأنا بألف خيرٍ من الله». فصار قول الفأرة هذا يجري على لسان كل من عرف نية عدوٍ يُظهِر له عكس ما يضمر.