بقلم: تيماء الجيوش
تم دولياً تعريف جريمة الاتجار بالأشخاص و وضع بروتوكول دولي على وجه الخصوص لحماية حقوق النساء و الاطفال من هذه الجريمة منذ عقدين تقريباً. و جريمة الاتجار بالأشخاص هو انتهاك خطير لحقوق الانسان و يقف عائقاً امام ممارسة حقوق أساسية و أصيلة مثل حق الحماية من العبودية و التعذيب و العنف الجسدي و حرية التنقل و العيش الكريم و حق الطفل في حماية خاصة.
هذا الأسبوع ضجت وسائل الاعلام الكندية لا سيما CBC بالخبر المتعلق بالاتجار بالأشخاص و قصة فيكتوريا موريسون التي تم إجبارها من قبل رجل على المغادرة من ويندسور في أونتاريو الى وينيباغ و كيف قام بحبسها في منزل و تعذيبها بالحرق و الكهرباء و الحبس في ثلاجة واستغلالها جنسياً عبر المتاجرة بجسدها والتهديد بإيذائها و ايذاء أهلها إن لم تفعل. استطاعت فيكتوريا الهرب واللجوء الى الشرطة . أقر الجاني (بافو) بجرمه الا هو الاتجار بالأشخاص وحُكِمَ عليه بالسجن لمدة ثمانية أعوام. يحدث هذا الجرم في المجتمعات كافة و في الازمنة المختلفة ان كانت زمناً للسلم او للحرب..
ولعلنا هنا عندما نورد في سياق نقاشٍ ما او أبحاث أو مقالاتٍ تحليلاً او اشارةً عن أزمنة الثورات والحروب والكوارث فإننا لا نجافي الحقيقة بالقول أن الكثير من التغييرات ذات النتائج المباشرة و غير المباشرة تطرأ على المجتمعات في هذه الازمنة. و هذه الاخيرة أي النتائج غير المباشرة يصعُب احياناً حصرها لكنها تتضح بمعالمها المتكاملة و بقوة بمرور الزمن. و من المنطقي والإنساني ان يتجه الحديث عن الضحايا وأعدادهم و هو بطبيعة الحال له النصيب الأكبر من الاهتمام الشعبي و الإعلامي. . والمرأة هنا لها النصيب المضاعف من هذه النتائج و مما يقع منها و يفيض لأنها الطرف الأضعف غير المحمي .
على صعيد القانون الدولي و حقوق الانسان فإن الاتجار بالأشخاص تم ذكره بوضوح و بشكلٍ شديد الصلة في كلٍ من معاهدتي مناهضة العنف ضد المرأة في المادة ٦ (CEDAW, article 06) و اتفاقية حماية حقوق الطفل في المادة ٣٥ (CRC, article 35)
على الصعيد المحلي السوري، كان الاتجار بالأشخاص محلاً للبحث القانوني و التشريع في سوريا مثلها مثل العديد من البلدان العربية منذ بداية الألفية الثانية. تنبهت المجتمعات الى خطورة هذا الجرم و اتساع نطاقه و نيله من الفئات الأضعف اجتماعياً على وجه الخصوص المرأة و الاطفال و تأثيره العميق و نتائجه على المدى البعيد .
وضمن إطار المبادرة العربية لبناء القدرات الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر في العالم العربي قامت معظم البلدان العربية بسن قوانين لمعاقبة هذه الجريمة و منها سوريا التي من حيث النتيجة صدر فيها المرسوم التشريعي رقم ٣ للعام ٢٠١٠ و الذي كان هدفه الرئيسي هو مكافحة جريمة الاتجار بالأشخاص و تعزيز التعاون الدولي في هذا الإطار لانه يقع غالباً في اكثر من دولة و توجيه عناية خاصة مباشرة لحماية ضحاياها من نساءٍ و أطفال مع التأكيد على عدم تجريمهم او عقابهم قانوناً أي النساء والأطفال ولا يتم اعتبار موافقتهم مطلقاً او الاعتداد بها بل عوضاً عن ذلك تُقدَم الوسائل الممكنة لإعادة اندماجهم الاجتماعي. وتناول الوصف الجرمي في المرسوم الاستغلال و الجهل و الإقناع و استخدام القوة في ممارسة الاتجار بالأشخاص و خلُصَ الى ان عقوبتها هو الحبس لمدة سبع سنوات على ان تُشدد في حال وقوعها على النساء و الاطفال و استخدام السلاح او السلطة الوظيفية او صلة الدم …….الخ. على أية حال لم يذكر الدستور السوري للعام ٢٠١٢ هذه الجريمة بل اكتفى بما نص عليه المرسوم رقم ٣ المذكور آنفاً و هو بهذا يشابه أيضاً كل الدساتير العربية باستثناء الدستور المصري للعام ٢٠١٤ و الدستور العراقي للعام ٢٠٠٥ الذين نصّا و بوضوح على حظرٍ دستوري فيما يتعلق بالاتجار بالبشر وليس الاتجار بالأشخاص . هنا لا بد من التمييز بين الاتجار بالأشخاص و الاتجار بالبشر. من حيث المبدأ فكلاهما ينصب على الاستغلال لكن الاتجار بالبشر هو أعم وأشمل لأنه يتناول العمل و تجارة الرقيق و التجنيد ولمن يريد التوسع فهناك القانون العربي النموذجي لمكافحة الاتجار بالبشر بنصه الكامل و الذي يُشّكل أساساً قانونياً مفيداً لمعالجة هذا الجرم.
اليوم مع اكتشاف شبكات دعارة الاطفال و النساء العابرة للحدود، و مع كل ما وقع ويقع من عنفٍ غير مسبوق في اكثر من بلد ناهيك عن سوريا عبر سنواتٍ ثمانٍ عجاف نقول انه لا بد من ان يشمل الدستور و القانون الجزائي بشكلٍ موازٍ وصفاً اعم و ادق لهذا الجرم كأن يُذكر كتوصيفٍ جرمي العبودية جنسية، تجنيــد الاطفال ، أو الانتقال من بلدٍ الى بلد بتوجيه التهديـد باستخدام العنف او القوة أو بـأي شـكل مـن اشكال القـمع أو الاختطـاف، أو إساءة استعمال السـلطة، أو بإغراءات مادية من تقديم مبالـغ ماليـة أو مزايـا بهدف نيل موافقـة شـخص من قبل شـخص آخر بقصد الاسـتغلال. و مثاله العمـل بـدون أجـر مادي او راتب ، أو العمـل أو الخدمـات بلا مقابل ، و كل ما يشابه ذلك من ممارسات ، او الاتجار بالأعضـاء البشرية مقابل ربـح مـادي، أو اسـتغلال النساء و الاطفال في جرم دعـارة .
قد يثور سؤالاً مشروعاً هنا كيف لنا ان ننادي بالمساواة ثم نعود لنشدد عقوبة جرم يقع على المرأة ؟ أليس من الأجدى ان تكون العقوبة واحدة و لا نشددها لمجرد كوّن المرأة ضحية لهذا الجرم ؟ هذا التمييز هنا لصالح المرأة هو تمييز إيجابي و صحته تأتي من دونية المرأة ووقوعها فريسةً لضعف مكانتها الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية في العديد من المجتمعات العربية أو التي تعاني ظروفاً قاهرة استثنائية مثل سوريا، اليمن، ليبيا، العراق …الخ
وفقاً للعديد من التقارير الإعلامية باتت سوريا من بلدن منشأ الاتجار بالأشخاص و بلغت نسبة الضحايا من النساء و القاصرات في هذه الجريمة ٦٥٪ . الرقم محزن لكنه واقعي جداً بتصاعده في ظل الدمار و الخراب و التهجير و في ظل غياب دور القانون الذي تتمايز به المجتمعات الديمقراطية و في ظل سطوة المجموعات المسلحة و لعل في مقدمتها داعش و سباياها و ما قامت به من احياء لأسواق النخاسة و الرقيق و العبودية للمرأة . و ما يدمي القلب هو استخدام الجماعات المسلحة المتطرفة للنساء و الاطفال بالقوة في مواجهتهم العسكرية كخطٍ أول ، ناهيك عن الصور الاخرى من زواج القاصرات و السفر و الهجرة و عقود العمل الواهية .
في اجتماعٍ لمجلس الأمن قال الأمين العام للأمم المتحدة : (تفيد منظمة العمل الدولية بأن عدد ضحايا العمل القسري والاستغلال يبلغ 21 مليون ضحية في أنحاء العالم. وتُقدّر الأرباح السنوية لتلك الممارسات بـ 150 مليار دولار. وبعيدًا عن الأرقام، هناك تكلفة بشرية؛ إذ يلقى أشخاص حتفهم، وتمزَّق مجتمعات، وتُرتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي).
في ظل غياب او صعوبة تطبيق النص القانوني ليس هناك من حل سوى العودة الى معالجتها من منظور استراتيجي للاجئين و النازحين . لا بد من التعاون الدولي فهو ضرورة ملحة و أقترح التالي: .
١-لا بد من تضمين كلاً من الدساتير و القوانين الجزائية تعريف و عقوبات واضحة لجرائم الاتجار بالأشخاص و الاتجار بالبشر.
٢-لا بد من آلياتٍ دولية وتنسيق للحد من هذه الجرائم وتبنِّي معايير حقوق الانسان والقانون الدولي.
٣- لا بد من إبداء اهتمامٍ أعمق وأشمل أفقياً وشمولياً بمسألة اللاجئين والنازحين اللذين باتوا هدفاً مستباحاً لهذه الجرائم.
٤- لا بد من مبادرة عربية / دولية تحمل على عاتقها البنود الثلاثة السابقة. المبادرة العربية الاولى كانت ناجحة وأسفرت عن سن قوانين هامة في الوطن العربي. فلما لا تكون التالية شبيهتها و بمثل نجاحها و احتوائها لكل النتائج المباشرة و غير المباشرة التي تولدت في المنطقة العربية في العقد الماضي؟
لا يمكن لضميرٍ حي ان يقبل بإيذاء طرفٍ ضعيف او غير قادرٍ على حماية نفسه/ها كالأطفال و اللاجئين و المعاقين و اصحاب الاحتياجات الخاصة و النساء في زمن السلم ناهيك عن زمن الحرب، عملاً بقوله تعالى «ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب».
اسبوع سعيد لكم جميعاً .