بقلم: عادل عطية
جاء الربيع في جمال بهي لا تشوبه شائبة من الظلام الذي عبره، وأخذ يدنو برفق من أعالي الأشجار؛ ليصبغ أوراقها بالاخضرار، ويطوف في الأودية، فينثر فيها الأعشاب والأزهار، ويطلق نسماته الرقيقة المعطرة بعبير البهجة الفياضة!
ولما رأى الجموع، التي جاءت لتشاهد ولادة الحياة المتجددة، صعد إلى جبل آذار المقدس، وفتح فاه، وعلمهم، قائلا:
جئت إليكم من القدرة العليا؛ لأفرش لكم الطريق إلى النور، والنمو، والتألق، والأمل، والإثارة، والتأثر. فمن يتبعني، ويصغي الكلامي، يعاين مواطيء أقدام الله!
يا أبناء الربيع الآتي!
أطلقوا لعيونكم حرّيتها المطلقة، لتتجوّل في البساتين، والمروج، والخمائل الملوّنة والمثمرة، وتعلموا كيف يُصرّ الجمال، رغم تطاولات القبح العنيد!
أهوى رائحة الشجر، وزقزقة العصافير، ونغمات خرير المياه المتدفقة إلى اللانهائية، وتسلقوا بخيالكم النبيل خط الأفق البعيد الذي يصل السماء بالأرض؛ فالكون زاخر بالمباهج، غني بالامكانات المدهشة. وأعلموا أن حب الجمال أثمن من قيمته!
يا أبناء الربيع الآتي!
انكم لن تستطيعوا معرفة الربيع؛ إلا إذا جعلتم من أنفسكم باقة من ألف زهرة وزهرة إنسانية، تولد من دموع الفرح الجميل النابع من الحب!
ولن تعاينوا جمال الحياة الأبدية؛ إن لم تزرعوا في نفوسكم الجمال، الذي هو: طهارة القلب، ونقاء الضمير، وعفة النظر!
يا أبناء الربيع الآتي!
طوبى لكم ان وضعتم أحلامكم على الشمس المجنحة، فستقوم أحلامكم من الموت إلى شيء أعظم وأكمل!
طوبى لكم إن جعلتكم حياتكم: وسائد خضراء، نضراء، وارفة؛ ليرتاح إليها جميع المتعبين!
طوبى لكم ان تركتم من رحيق غناكم ما يكفي؛ ليُصنع منه طعاماً للجياع الضالين!
طوبي لكم إذا عيّروا أشواك إرادتكم الصالحة؛ فهذه الأشواك المقدسة المسنونة، تدافع عن ايمانكم، وكيانكم، ونقاء حياتكم!
طوبى لكم إذا نُزعتم من رُباكم ، وداستكم الأقدام الهمجية؛ فعطر سيرتكم، سينطلق ويفيض، وينسكب في الهواء، إلى أن يصل إلى السماء!
طوبى لكم إذا جاءكم الربيع، فوجدكم ساهرين في حقول الخدمة، والمحبة، والجمال النابض المتنامي!
،…،…،…
فلما أكمل مثل هذه الأقوال، شعروا بأنهم أمتلئوا بأنفاس الزهر، وتفتحت قلوبهم لابتسامات وقبلات ما أعطاهم الربيع من حكمته المولودة من فوق!…