بقلم: د. حسين عبد البصير
وبحلول سبعينات القرن العشرين المنصرم، أطلق المتحف برنامجا منظما لتجديد قاعات العرض، وأسس خدمة تعليمية جديدة ودارا للنشر، ونفذ عدة مشروعات إنشائية لتوفير المرافق العامة الإضافية للجمهور.
وفى عام 1973 ميلادية، أصبحت المكتبة جزءا من مؤسسة جديدة أطلق عليها اسم المكتبة البريطانية. وظلت هذه المؤسسة قائمة فى حرم المتحف إلى أن افتتح مبناها الجديد عام 1997 ميلادية فى حى سانت بانكراس، وتم نقل كتب المكتبة إليه.
أما أحدث عملية توسيع للمتحف فكانت تشييد فناء الملكة إليزابيث الثانية الكبير الذي شيد فى موقع المكتبة السابق. ويعد أكبر مساحة عامة مغطاة فى أوروبا؛ إذ تصل مساحته إلى حوالي الفدانين. وفى وسطه قاعة القراءة التى تم ترميمها. بينما شيد حول القاعة وتحتها عدد من المرافق الجديدة، منها قاعات عرض ومركز تعليمى.
وفى عام 2003 ميلادية، احتفل المتحف بعيده السنوى رقم 250 بتنفيذ مشروع تحديث وتجديد مكتبة الملك. وهي أقدم قاعة فى المتحف. وتم تدشين معرض دائم جديد تحت عنوان «عصر التنوير: اكتشاف العالم فى القرن الثامن عشر الميلادى.»
ويواصل المتحف فى أوائل القرن الحادى والعشرين الميلادى توسيع مرافقه العامة، مع افتتاح معارض دائمة جديدة. واليوم، يتطلع المتحف إلى تنفيذ مشروع جديد ضمن سلسلة مشروعاته الإنشائية الضخمة، وهو مشروع المركز العالمى للمعارض وحفظ الآثار، والذي سيشتمل على مساحة جديدة للمعارض المؤقتة.
ويعتبر قسم المصريات فى هذا المتحف العظيم من أهم القلاع الثقافية التى تشد إليها الرحال من كل بقاع المعمورة؛ نظرا لما يحويه من آثار تشهد بفرادة وعظمة الآثار المصرية الموجودة به والتى تمثل قمة إبداع الحضارة المصرية التى نشأت على ضفاف نهر النيل العظيم منذ أقدم العصور، معبرة فى تناغم ليس له مثيل عن عطاء الإنسان المصرى، ذلك البناء العظيم المحب للتحضر والتشييد والبناء أبد الدهر.
وتعد حضارة مصر القديمة أكبر هاد للبشرية عبر تاريخا المجيد التليد، وشاهدة على عظمة حضارة مصر التى قامت على قيم وأسس أخلاقية عديدة منها حب الحق والخير والتمتع بالجمال وإقامة العدل.
وتضرب دوما مصر القديمة المثال الواضح على حضارة قامت على احترام العلم وتقديس الدين وتطبيق العدالة بدقة وتبجيل الحق والإعلاء من شأن الإبداع والجمال. وتعد حضارتنا المصرية القديمة مثالا صالحا فى كل زمان ومكان لكل الحضارات قديما وحديثا للاقتداء بمصر وحضارتها واعتبارها نموذجا يقتدى به ونبراسا يهتدى به فى لجة الظلمات التى قد تحدق بحضارة ما فى وقت معين من تاريخ عالمنا قديمه وحديثه.
وشكلت القطع الأثرية المصرية القديمة نواة مجموعة المتحف البريطانى منذ بداية تأسيسه؛ إذ ضمت المقتنيات التي أهداها السير هانز سلون إلى الأمّة عند وفاته فى عام 1753 حوالي مئة وخمسين قطعة من مصر القديمة.
ويحتوي قسم الآثار المصرية فى المتحف البريطانى حاليا على أكثر من مئة ألف قطعة. وهي مجموعة كبيرة من التماثيل وأعمال النحت التى تعود إلى عشرة آلاف سنة قبل ميلاد السيد المسيح عليه السلام.
وبدأ الولع الأوروبى بمصر ينمو بعد أن غزا نابليون بونابرت مصر فى عام 1798 ميلادية خصوصا وأن حملته المصرية اصطحبت معها مجموعة من العلماء المتخصصين لتسجيل مختلف المعلومات عن مصر. وعندما هزم البريطانيون فرنسا فى مصر عام 1801 ميلادية، اشترطت معاهدة الاستسلام أن يتنازل الفرنسيون عن عدد من القطع الأثرية، وكان من بينها حجر رشيد، الأشهر بين كنوز المتحف البريطانى؛ إذ أعطيت هذه الآثار فى عام 1802 إلى المتحف باسم الملك البريطانى، الملك جورج الثالث.
وبعد ذلك خضعت مصر لحكم محمد على وخلفائه الذين كانوا حريصين على الترحيب بالأجانب فى بلادهم واهدائهم بعض من الآثار المصرية. وسرعان ما بدأ القناصل الأجانب المقيمون فى مصر ينهبون آثار مصر ويشحنون مجموعات كبيرة من الآثار المصرية الفريدة والمهمة إلى بلادهم ومتاحف عواصمهم الأوروبية.
وبالفعل نهب القنصل البريطاني الشهير هنري سولت مجموعة كبيرة من الآثار المصرية بمعاونة وكيله الشهير بلزونى الذي كان مسئولاً عن إزالة التمثال النصفى للفرعون الأشهر الملك رمسيس الثاني، والمعروف باسم «ممنون الأصغر»، وأهداه إلى المتحف البريطانى في عام 1817 ميلادية.
وجمع القنصل هنرى سولت مجموعتين مهمتين شكلتا محور مجموعة قسم الآثار المصرية القديمة فى المتحف البريطانى. وفى ثلاثينات القرن التاسع عشر الميلادى حصل المتحف على عدد كبير من مجموعات البرديات والآثار المهمة. وبحلول عام 1866 ميلادية، كانت المجموعة تتألف من حوالي عشرة آلاف قطعة من كنوز مصر القديمة التي لا تقدر بثمن.
وبدأت الآثار المستخرجة المصرية من الحفائر ترسل تباعا إلى المتحف البريطانى فى أواخر القرن التاسع عشر الميلادى، بمساعدة من صندوق استكشاف مصر (والذي صار جمعية فى الوقت الراهن). ودون شك ساهمت جهود عالم المصريات البريطانى المعروف إي. إيه. واليس بادج، أمين قسم المصريات فى الفترة من 1894-1924 ميلادية، فى إثراء مجموعة المتحف البريطانى من الآثار المصرية العريقة وكانت مصدرا رئيسا آخر للآثار المهربة لقسم المصريات به.
وزار بدج مصر بانتظام وشحن مجموعة واسعة من البرديات والآثار الجنائزية حتى وصل تعداد المجموعة إلى حوالى سبعة وخمسين ألف قطعة عندما تقاعد عام 1924 ميلادية.
وتقلصت برامج الحفائر فى السنوات التالية. ولم يعد تهريب الآثار المصرية من مصر إلى المتحف البريطاني ممكنًا فى الفترة الحالية؛ نظرًا لقوانين حماية الآثار المصرية التي حرمت ذلك ومنعت بذلك طوفان الآثار المصرية المسروقة والمرسلة إلى خزائن المتحف البريطانى فى لندن.
وتتواصل فى الوقت الحالى دراسة مجموعة الآثار المصرية الموجودة فى المتحف البريطانى ويتم إجراء البحوث العلمية عليها. ولم تتوقف أعمال البعثات الأثرية التابعة للمتحف والتى تعمل فى عدد من المواقع الأثرية فى الأرض المصرية وذلك ضمن تنفيذ برنامج المتحف البريطانى للأعمال الأثرية الميدانية في أرض مصر الثرية بالآثار.
ويحفل قسم المصريات بالمتحف البريطانى بلندن بعدد كبير من الكنوز التى لا يقاوم سحرها إنسان. من آثار عصور ماقبل التاريخ إلى نهاية العصور اليونانية-الرومانية. ولا يمكن لأحد أن ينسى حجر رشيد، والتماثيل الملكية المعروفة مثل تمثال الملك رمسيس الثانى الشهير، ورأس الملك أمنحتب الثالث المعروف، وتمثال الملك أمنحتب الثالث الشهير على شكل أسد، ومقبرة ومقصورة النبيل نب آمون التى تجسد قيم ومفاهيم الحياة والموت فى مصر القديمة وتصور المدعو نب آمون فى مشاهد عدة مثل المنظر الرائع الذى يصوره يصطاد فى أحراش الدلتا المصرية، وكذلك برديات كتاب الموتى الفرعوني، وتماثيل المعبودات الفرعونية كالربة باستت، والأبواب الوهمية، ومناظر المتوفى جالساً إلى مائدة القرابين، وتماثيل الأفراد الجماعية، غيرها الكثير من الآثار المصرية الساحرة.
وسوف يظل قسم الآثار المصرية القديمة فى المتحف البريطانى واجهة المتحف الثقافية الكبرى التى يأتى إليها كل زائر للمتحف من كل حدب وصوب، قاصدا التعرف على حضارة سادت العالم القديم كله، وأثرت فيه بقوة، وما تزال تؤثر بامتياز فى كل كائن كان عبر فضاء المعمورة الفسيح. إنه سحر مصر القديمة الذي لا يقاوم أينما كان، والذي سوف يظل جاذبا لكل العقول والأفئدة مهما اختلفت العصور وتغير الإنسان وتعددت الأزمان.
الفراعنة في اليابان
يعشق اليابانيون مصر بجنون ليس له مثيل. ويوجد ولع كبير بمصر الفرعونية وآثارها بين معظم اليابانيين. وتعتبر مصر الفرعونية من أهم ما يجذب اليابانيين لزيارة مصر وآثارها. ومن المعروف أن اليابانيين يزورون مصر باستمرار أكثر من مرة للتمتع بآثارها الفرعونية الساحرة.
وتعد العلاقات الأثرية بين مصر واليابان قديمة منذ الستينيات في القرن العشرين المنصرم. وهناك تعاون بين البلدين على أعلى المستويات في مجال الآثار. وتعتبر العلاقات الأثرية عميقة بين البلدين وهناك مشروعات عديدة بين مصر واليابان. نذكر منها، على سبيل المثال لا الحصر، مشروع إنشاء المتحف المصري الكبير بهضبة الجيزة، ومشروع مركب خوفو الثاني جنوب الهرم الأكبر هضبة أهرام الجيزة، وغيرهما الكثير. وهناك تواصل كبير ومستمر بين البلدين على كل المستويات الأثرية.
ومن هذا المنطلق وإيماناً بهذا، كان تنظيم واستضافة معرض «بناة الأهرام» أو معرض «الفراعنة الذهبيون والأهرامات» في ثماني مدن في اليابان لمدة تقرب من العامين.
وضم هذا المعرض مائة وعشرين قطعة أثرية من أروع الآثار المنتقاة من المتحف المصري بالقاهرة عن عصر بناة الأهرام في عصر الدولة القديمة والدولة الوسطى، مثل تماثيل تحمل اسم الملك خوفو، وتمثال للملك خفرع وآخر للملك منكاورع، ومجموعة جميلة من مجوهرات أميرات عصر الدولة الوسطى، فضلاً عن تابوت جميل من عصر الانتقال الثالث، ودرة المعرض قناع الفرعون الشهير الملك آمون إم أوبت من عصر الأسرة الحادية والعشرين، الذي يشبه قناع الفرعون الذهبي الأشهر الملك توت عنخ آمون. وكان قد اكتشف هذا القناع عالم الآثار الفرنسي بيير مونتيه ما بين عامي 1939 و1945 ضمن كنوز تانيس الذهبية المكتشفة في صان الحجر في شرق الدلتا المصرية.
واستمر هذا المعرض لمدة ثلاثة أشهر في عدد من المدن اليابانية الثماني لمدة عامين. وبدأ هذا المعرض جولته في اليابان يوم 16 أكتوبر 2015 وعاد إلى مصر بعد يوم 24 سبتمبر 2017.
وشهد افتتاح المعرض في كل محطة من محطاته وزير الآثار المصري أو من يمثله، ووفد رفيع المستوى من وزارة الآثار المصرية، فضلاً عن عدد كبير من الجمهور الياباني من كل الأعمار والمستويات، وعدد من الشخصيات اليابانية العامة. فعلى سبيل المثال، شهد الافتتاح في مدينة شيزوكا مديرة متحف شيزوكا الدكتورة ماري إيزومي، والسيدة نعومي كودو، المشرف العام على تنظيم المعرض من هيئة التليفزيون والإذاعة اليابانية (تي بي إس)، والسيد هيدهارو كاتسورا، رئيس هيئة الإعلام في شيزوكا، ورئيسة جمعية الثقافة في شيزوكا.
ومن الجدير بالذكر أن هذا المتحف قام بتنظيم معرضين عن آثار الفراعنة من قبل، أحدهما كان عبارة عن آثار مصرية قديمة قادمة من متحف مدينة تورينو الإيطالية الشهيرة.
وحط المعرض في محطته السابعة وقبل الأخيرة في مدينة شيزوكا بين المدن الثماني التي عرضت بها آثار هذا المعرض. وبدأ المعرض في مدينة شيزوكافي 9 إبريل 2017 وانتهى في يوم 25 يونيو 2017.
ومن المعروف أن هذا المعرض قد زاره في المدينة السابقة، مدينة توياما، حوالي 80549 زائراً في مدة 73 يوماً.
كما أشرف على تنظيم المعرض من الناحية الأثرية عالم الآثار الياباني الشهير الدكتور ساكو جي يوشيمورا، والذي استعرض، في كلمته، أهمية هذا المعرض وسعادته بوجوده في متحف مدينة شيزوكا الذي يعد متحفاً مهتماً بعرض الآثار والتاريخ والثقافة.
وأشار الدكتور يوشيمورا إلى أهمية مصر بالنسبة لليابان. وتحدث عن عظمة عصر بناة الأهرام المصرية. وأكد أن الهرم معجزة أثرية مصرية بناها المصريون القدماء، ودعا اليابانيين إلى ضرورة زيارة مصر قبل وفاتهم.
وقام بتنظيم المعرض هيئة التليفزيون والإذاعة اليابانية (تي بي إس). وانتقل معرض «بناة الأهرام» أو معرض «الفراعنة الذهبيون والأهرامات» وافتتح في مدينة فوكوكا، محطته الثامنة والأخيرة، قبل العودة إلى وطنه الأم مصر يوم 24 سبتمبر 2017. ولا تزال اليابان تخطط لاستضافة معارض أخرى من مصر عن آثار الفراعنة وتاريخهم الساحر.
اليابانيون يعشقون مصر بجنون ولابد أن نستفيد من هذا الهوس الياباني بمصر وآثارها الخالدة، لأن مصر أنشودة حب يابانية.