اجري الحوار/ مجدي بكري
الدكتورة ليلي الهمامي سيدة تونسية من طراز خاص.. فهي لم تكتف بأنها أستاذة اقتصاد وعلوم سياسية ناجحة في جامعة لندن.. ولم تغتر بجمالها وتتفرغ للاهتمام به.. بل وضعت نصب عينيها هموم المرأة التونسية واصبح لديها اصرار شديد علي استعادة حقوقها التي سابها الإخوان واصرت علي ان تكون قوة محركة النضال من أجل كسب معركة الحرية.
وحين قررت الترشح لرئاسة الجمهورية تعرضت للتهديد والوعيد وقتل والدها في حادث غامض واحرق ا منزلها.. لذلك كان لنا معها هذا الحوار :
في البداية سألنا ماذا حدث حينما قررتي الترشح لرئاسة الجمهورية؟
قالت لقد قاموا باحراق منزلي ضمن سلسلة من الضغوطات والمضايقات التي خضعتُ لها والتي كانت تهدف الى ابعادي من سباق الرئاسة وكان واضحا ان خصائصي كامراة مستقلة عن الاحزاب ومقتدرة اكاديميا ومهنيا كان مزعجا جدا بالنسبة لحركة الاخوان التي كانت ترى في ترشحي ضربا مباشرا وخطيرا لترشح قيس سعيد خاصة أن سيرته الذاتية تعتبر فقيرة نسبيا ومقارنة بالسيرة الذاتية التي تعرفها حركة النهضة جيدا. علما وأن ماتعرض له نبيل القروي وغيره يتنزل في ذات السياق رغم اختلاف ملامح ومضامين كل مرشح وقع اقصاؤه بالترهيب واستخدام القانون وجميع أساليب الإقصاء القاهرة .
واللافت للانتباه ان فقداني لوالدي في حادث غامض قبيل فتح باب الترشحات واحراق منزلي بالكامل في نفس الفترة ومطاردتي بسيارات مشبوهة وتغاضي الامن عن تتبع شكاياتي المتكررة والموثقة عنده، كان ترجمة لحالة الهلع التي انتابت حركة الاخوان من امرأة تتفوق على مرشح الاخوان الخفيّ لغاية ضمان ظروف نجاجه الذي لم يكن لينتصر في مواجهة شخصية مختصة في علوم المال والاعمال والاقتصاد والسياسة. تم هذا في اطار صمت غريب من وزارة الداخلية التي لم تعلن الى حد اليوم عن نتيجة لأي تحقيق في كلتا القضيتين.
وعندما سألنا من هو الرئيس التونسي الجديد قيس سعيد قالت قيس سعيد شخصية مغمورة لايعرف له اي نشاط سياسي فعلي او علني تماما كما انه شديد الغموض والتكتم فعلى الرغم من ظهوره علي القناه الوطنية في اكتر من مناسبة منذ سقوط النظام السابق الا انه بقي فيه حدود خطاب نمطي متمحور حول اشكاليات القانون الدستوري وشعارات عامه من صنف الانصياع لارادة الشعب وان الدستور الحقيقي هو ارادة شباب الربيع العربي. ويعلم القاصي والداني في تونس ان قيس سعيد وجد دعما واسعا وعلنيا من التيارات الاسلامية ركيزتها الاولي التيارات التكفيرية وواجهتها حركة النهضة التي يراسها راشد الغنوشي ولم يكن دعم شريحة من الراي العام لقيس سعيد الا في سياق عقاب غير واعي للمنظومة السياسية دون التفطن الي ان قيس سعيد هو حصان طرواده الاخوان لافتكاك قصر قرطاج لذلك نتوقع ان يكون قيس سعيد مجرد واجهة لدعم الاخوان ومجرد اداة لتنفيذ سياستهم الخارجيه فالرجل بعيد كل البعد عن امتلاك القدرة والمؤهلات لفرض شخصيته في معادلة حكم تشكل حركة النهضة نقطة ثقلتها(center of gravity) وعليه فان قيس سعيد لن يكون الا اعادة انتاج لرئاسة المنصف المرزوقي خلال حكم الترويكا لتونس (2011-2013) وبناء علي ما تقدم فان تصريحات انصار قيس سعيد حول مصر او الحرب ضد اسرائيل لن تكون بعيدة عن الفكر السياسي الذي يتخفى وراء قيس سعيد والذي اشتغل من اجل تمكينه من اجل كسب رهان الرئاسه بعدما اخضع منافسه نبيل القروي لابشع اشكال الميز والتنكيل، هذا دون احتساب الشخصيات السياسية التي تم استبعادها من طرف هيئة الانتخابات التي تتهم اليوم بخضوعها لاجندة حركة النهضة خاصة وان النهضة كانت محدده في تعيين اعضاء هذه الهيئة ورئاستها فتحامل انصار قيس سعيد علي مصر كان متوقعا لديّ فهم أساسا قواعد الاخوان المناصرين للجماعة المصرية.
قيس سعيد صنيعة المنصات الرقمية والمجموعات المغلقة لشبكات التواصل الاجتماعي التي تديرها غرف مظلمة من خارج تونس إضافة الي كونه صورة باهتة سوّقت لها القناة الوطنية الخاضعة لحركة الاخوان وقناة الجزيرة وقناة الميادين. والواقع ان الرجل بعيد كل البعد عن الشعب قريب أيّما قرب من الاحزاب المتطرفة كحزب التحرير السلفي الذي ينادي بإقامة الخلافة واستبدال الدولة المدنية بالدولة الدينية. لكن الحقيقة ان الرجل كان نتاجا وافرازا لعمل سري انجزته دوائر متطرفة وانفقت في ذلك اموالا طائلة وليست قصة القهوة وعلبة السيجارة وقارورة الماء ومجالسة الشباب في المقاهي الشعبية الا مجرد واجهة استخدمتها الاطراف الداعمة له لحمايته من كل شكوك واستهداف: سلوك اقل مايقال فيه انه مشبوه ومريب.
اما عن القضية الفلسطينية فلم يكن تصريح قيس سعيد خلال المناظرة مع نبيل القروي الا مجرد مزايدة ومبالغة لا تترجم حالة وعي حقيقي او التزام فعلي بمناصرة الشعب الفلسطيني. وليس قوله بان تونس في حرب ضد اسرائيل الا نوبة عصبية لمراهق لا يفقه شيئا في السياسة الدولية، فالشعب التونسي مناصر وداعم فعلي للقضية الفلسطينية وقدّم الشهداء في صفوف فصائل المقاومة كما قدّم شهداء خلال العدوان الاسرائيلي على مدينه حمام الشاطيء مقر قيادة الراحل ياسر عرفات مطلع الثمانينات والشعب التونسي يدرك جيدا ان نهج المقاومة يحتاج اولا دعم السلطة الوطنية الفلسطنية ماديا ودبلومسيا، ثانيا توحيد صفوف مكونات الساحة الفلسطينية من اجل اقامة دولة فلسطينية قائمة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية وفق مقررات الشرعية الدولية . ويحتاج هذا التمشّي الي اتفاق عربي واسع لضمان نجاعة الفعل الدبلوماسي ولرصّ صفوف الجبهة الفلسطنية حول وحدة الهدف والمصير.
ولقد واجه الشعب التونسي تصريح الرئيس قيس سعيد بالكثير من النقد والسخرية من صنف “هل سيهددهم باستعمال السلاح النووي مثلا” او “متى سيعلن الرئيس رسميا الدخول في حرب مع اسرائيل” . على كل، بَوْنٌ شاسعٌ يفصل رجل الدولة عن عرّاب الأوهام والوعود الزائفة.
وعما تطلبه من الرئيس الجديد قالت اطلب ان يكون رئيسا فعليا للجمهورية التونسية وان يرعي مصالحها في الداخل والخارج وأن يلتزم بتنفيذ إرادة الشعب وأن يصدّ كل مشاريع الهيمنة التي تسعي حركة النهضة وشركاؤها في الداخل والخارج الى بسطها على كامل مؤسسات الدولة لغاية الحاقها بقوى إقليمية ودولية معادية للأمن القومي العربي والتونسي
و سألناها عن توقعها لشكل العلاقة المستقبلية بين تونس ومصر؟
قالت اذا ما اعتبرنا ان إخوان تونس يُناصبون العداء للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي فإن موقف قيس سعيد يكون -بناء على ذلك- مفهوم وواضح. لكنني أعتبر أن العلاقة بين الشعبيين أقوى وأمتن من ان تنقطع او تتأزّم جراء هذه الموقف الطفولية. لكن من الضروري أن احذّر من امكانية برود دبلوماسي قد يعتري هذه العلاقة بين الشقيقتين وهو ما نعارضه وسنعارضه بكل قوة. فلن نسمح بالتلاعب بعلاقاتنا العربية التي تحظى لدينا بأولوية مطلقة وسنكون من أشد معارضي قيس سعيد بصدد هذه المسألة ولن نسمح للاخوان بفرض إرادتهم علي الشعب التونسي حتى وإن قنّصونا وأحرقوا جميع بيوتنا.
وعن الإساءة لمصر من خلال أنصار “سعيد” البعض قال إنها هتافات لأنصار “النهضة” الإخوانية الداعمين الحقيقيين له، ما تعقيبك؟
هتافات أنصار النهضة ليست بعيدة عن أفكار قيس سعيد وكان في إمكانه تصحيح الموقف او الرد عليه لكنه فضّل الصمت وفي ذلك قبول وتصديق مابَعديٌّ على ما قيل وما صُرِّح به من انصاره.
، لماذا برأيك أعيد إنتاج النظام الأسبق الذي حكم من قبل مرة أخرى ونحن هنا نتحدث عن أناس قدموا بصناديق الانتخابات في الوقت ذاته؟
- السبب الاول الواضح والمباشر هو ضعف الحركة الديموقراطية وتشتتها في مواجهة طرف دُغمائي مغلق أي حركة النهضة. اما عن العملية الانتخابية فقيل الكثير والغريب عن التجاوزات والإخلالات وأقلها غياب تام للملاحظين عن اكثر من ثلثي مكاتب الاقتراع، إضافة الي تسرّب المال المشبوه بكميات هائلة الى العملية السياسية. أيضا منافس قيس سعيد نبيل القروي المعروف بالمرشح المافيوزي كان مرشحا شرعيا وسجينا ولم يمنح الا 48 ساعة للقيام بحملته الانتخابيه بعد اطلاق سراحه من السجن علما وان ايقافه اعتبرته محكمة التعقيب خطأ اجرائيا فادحا يمكنه التسبب في إلغاء الانتخابات، غلطة ارتكبتها تحت ضغط حركة النهضة وشريكها يوسف الشاهد رئيس حكومتها المنتنهية عهدتة.
اعتبر شخصيّا وأركّد جازمة ان هذه الانتخابات زَوّرت إراده الشعب التونسي وطمست رغبته في التغيير، رغم كل ما يروّج من حجم التأييد الشعبي لقيس سعيد الذي لا يعني شيئا في ظل انعدام تام لتكافيء الفرص وإقصاء أهم المنافسين من السباق الرئاسي بأساليب مختلفة . هذا، وإني علي يقين تام وإيمان راسخ بان الشعب التونسي المخدوع سيستعيد زمام المبادرة لتصحيح المسار واستعادة ما انتُزع عنه بالتمويه والترغيب والترهيب والتحيل والمغالطة.