بقلم: كلودين كرمة
الطفل هو الشخصية السوية الذى يتمتع بسلوك مميز و تفكير لا يصيبه تشويش وكلمات موجزة ومشاعر صادقة ونظرات ثاقبة معبرة عما يجول في خاطره دون الالتجاء الى اساليب ملتوية أو مجاملات واهية أو ضحكات تخفى خلفها الكثير والكثير من القبح . أما الإنسان الراشد فهو شخصية معقدة ، غامضة تبدو احيانا لطيفة وأخرى قاسية ؛ مرات مُحبة و مرات غاضبة؛ ليس لها معايير محددة او سلوك واضح مفهوم؛ فهو ذو مزاج متقلب ؛ عنيد فى أمور و متساهل فى اخرى ؛ يعطى قيمة لأمور تافهة ويستخف بأمور مهمة ؛ يضحك فى وجه من يكرهه ويبدى استياؤه نحو المحبين له ؛ يبدل مشاعره و أفكاره بسرعة غريبة حسب المواقف والظروف ؛ تحكمه المصلحه الشخصية والمكسب المادى. اما بين المرحلتين اعنى الطفولة والرشد هناك مرحلة فى غاية الأهمية وكذلك الخطورة وهى مرحلة تشكيل الشخصية والتى تسمى بمرحلة المراهقة.. ففيها يتم اللقاء بين كل ماهو صادق وجميل و بين كل ماهو مموج وقبيح ؛ بعين يرى المراهق كل القيم والمبادئ التى تلقها فى سنينه الأولى وبالعين الأخرى يرى النفاق والتسيب... بعين يرى الالتزام ويفتش بتدقيق عن المثل الأعلى حتى يهتدى بخطواته فيحيا الحياة الفضلى ، أما بالعين الأخرى يرى الحقيقة المرة والتى يرفض عقله أن يستوعبها وتأبى روحه الطاهرة أن تعترف بوجودها ؛ فيرى بهذه العين المستقبل المنشود ونفسه مفعمة بالحيوية وفى قلبه الكثير من الإيمان والعزم بأنه يستطيع ان يثبت القواعد ويرسخ القيم واما بالعين الأخرى فيرى الدمار والحروب والغش والخيانة والخداع والكثير مما تستنكره نفسه النقية وعينه البريئة الإعتراف بوجودها..وهنا تكمن الخطورة فهل ياترى اى طريق يختار والى أى صورة تميل نفسه ؟؟ فيقع فى حيرة من أمره فيبدأ فى داخله صراع عنيف كزلزال فيقسمه الى نصفين ويبدأ الحوار بينهما فالأول يجد البراهين و الأدلة على ان الصلاح والسعى الى الكمال هو الطريق الوحيد الى الحياة الفضلى ، والآخر يحلو له اختيار الطريق الذى يخلو من كل القيم ، حتى لا تتعب نفسه من الاستمرار فى مقاومة كل ما هو فاسد ، فيفقد سعادته لقساوة ما سيلاقيه من متاعب ويواجهه من صعوبات. وذلك من اسباب التقلبات النفسية وامتزاج الفرح بالحزن ، فأحيانا نجده مفعم بالحيوية والنشاط واثق الخطوة وأحيانا أخرى نجده منزوى يميل الى الوحدة يخشى اتخاذ اى قرار . ومن المؤسف انهم يتعرضون فى هذه المرحلة الى الكثير من التهكمات والانتقادات نظام كوامن نفوسهم فتزيد من تأرجحهم وتشتت اذهانهم فيصعب معها التمييز بين الأمور والاختيار الموفق؛ وما لم تجد هذه الشخصية من يكون اهلا لان ينتشلها من هذا الصراع فهى ستعانى طوال حياتها من عدم الثبات على نهج مضى يثبت اقدامها على ارض صلبة تفحص بنظرة صائبة أعماق الأمور حتى تقوم هى بدورها فى مد يد العون لمن بحاجة اليه. ولذلك نرى عدداً لا بأس به من المسئولين والمديرين والموظفين مصابون بضعف الشخصية يتقلقون، لا يتخذون الإجراءات الصحيحة فى اوانها الصحيح مما يبطئ عجلة الإنتاج ويعيق مسيرة التقدم ويعرقل من لديه القدرة على تحقيق الإنجازات بسبب عجزهم عن تحمل المسئولية.
ولذلك ننوه عن ضرورة اهتمام الدولة – عن طريق الجهات المعنية – بهذه المرحلة الفاصلة فى حياة الإنسان من جهات كثيرة اهمها المناهج التعليمية تجنب كل ما هو سلبى وغير مفيد وتدعم كل ماهو صالح للبنيان وتقدم لهم النماذج الناجحة حتى يخطوا على اثرها- وان توفر لهم الجو الملائم وأنشطة مع ورشة عمل حتى يروا بأم أعينهم ان ما يحلمون به يستطيعون تحقيقه وأن تدعم مواهبهم وتوفر لهم الدعم والجو المناسب وتذلل لهم العوائق حتى ترسخ فى نفوسهم الإصرار وتنزع من جوانبهم الشعور بالإحباط والعجز وايضا من الواجب ان تحرص على تلقينهم ما يجعل منهم صناع مستقبل يهتدوا بنوره فيضئ ظلمات الجهل اذا كانت تبغى ان تبنى جيش مسلح – ليس بالأسلحة المدمرة التى هى عنوان للدمار ومنهج للتخلف- انما بأسلحة العلم والتقدم والتكنولوجية المطوعة للتنمية ومستخدمة فقط لغرض تحقيق المزيد من الرفاهية وتستهدف القضاء على كل اشكال العجز من مرض وإعاقة وتطرف حتى يتكون لدينا مجتمع نافع عامل يشجب كل ماهو ليس للبنيان و لا يمد يديه إلا للبناء والازدهار على المستوى المحلى او العالمى ؛ فالمجتمع المحلى ماهو إلا نواة للمجتمع الدولى فإن اصابته علة فستنتقل العدوى وينتشر الوباء انتشار النار فى الهشيم وان صح جسده فانه يكون بمثابة اساس متين وحجر زاوية لبناء شامخ عظيم يصعب القضاء عليه وتدميره.