بقلم: خالد بنيصغي
الماء تلك المادة الحيوية التي لا يمكن للإنسان والحيوان والنبات الاستغناء عنها، هذه المادة التي أصبحت اليوم تنذر بكوارث إنسانية وطبيعية في المستقبل القريب – لا قدر الله – خاصة في البلاد العربية التي تعنينا بالضرورة والواجب كوننا عرب نعيش تغيرات مناخية خطيرة جدا .
وتُبَيِّنُ الإحصاءات العالمية أن المنطقة العربية من أفقر دول العالم من حيث توفر المياه، وكذلك تراجع نصيب الفرد من المياه العذبة الصالحة للشرب على مدار العقود الماضية .
وفي حالة استمرار الوضع المائي والزراعي في المنطقة العربية على ما هو عليه، ودون الأخذ في الاعتبار التأثيرات المحتملة لظاهرة تغير المناخ العالمي، فيتوقع ألا تستطيع المنطقة العربية تأمين سوى 24% من احتياجاتها من الغذاء، ومن المعلوم أن المنطقة العربية تستورد نحو 65% من احتياجاتها من القمح سنويا.
هي الكميات المتاحة في المنطقة العربية، تقدرها الإحصاءات الخاصة إن حوالي 274 مليار متر مكعب من المياه السطحية، من الأنهار الداخلية، أو الأنهار المشتركة التي تأتي من خارج المنطقة، كما تقدر المياه المتاحة من المصادر الجوفية والتحلية بنحو 62 مليار متر مكعب، في حين تصل نسبة استغلال المياه المتجددة سنويا داخل المنطقة العربية لنحو %77.
وفي ضوء وضع الدول العربية من حيث التصنيف المائي، فهناك دولة واحدة فقط تتمتع بحالة اكتفاء ذاتي من بين الدول العربية، وهي موريتانيا، حيث تصل حصة الفرد السنوية من المياه لأكثر من 1700 متر مكعب، في حين هناك 4 دول تعيش حالة إجهاد مائي ، وهي : العراق، والصومال، وجزر القمر، وجيبوتي ؛ حيث تتراوح حصة الفرد السنوية من المياه بهذه الدول بين ألف متر مكعب و 1700 متر مكعب، و5 دول أخرى تعاني من ندرة المياه، وهي: لبنان، وسوريا، ومصر، والسودان ، والمغرب ، وتبلغ حصة الفرد السنوية من المياه لهذه الدول بين 500 متر مكعب إلى ألف متر مكعب، وثمة توقعات كبيرة بأن تتعرض مصر لأزمة حادة في المياه خلال الفترة القادمة بسبب تنفيذ إثيوبيا مشروع سد النهضة كاملا .
أما توصيف الفقر المائي الحاد في المنطقة العربية فتعيشه 12 دولة ، هي : اليمن ، والسعودية ، وسلطنة عمان ، والكويت ، والإمارات ، وقطر ، والأردن ، وفلسطين ، وليبيا ، وتونس ، والجزائر ، وتبلغ حصة الفرد السنوية للفرد بهذه الدول أقل من 500 متر مكعب .
وتُعَدُّ طرق الري التقليدية في المنطقة العربية أحد أهم أسباب هدر المياه ، وتشير الأرقام الخاصة باستخدام المياه في المنطقة العربية -بين الأنشطة المختلفة- إلى أن قطاع الزراعة يستحوذ على 84% من المياه المستهلكة، في حين يستحوذ الاستهلاك المنزلي على نسبة 9%، وتنصرف نسبة 7% للنشاطين الصناعي والتجاري
وتذهب التقديرات إلى أن نسبة الهدر في المياه المستخدمة في نشاط الزراعة تتراوح بين 25 و30%، بسبب نُظُم الري التقليدية، وكذلك ري المحاصيل أكثر من مرة، أو زيادة مقننات أكثر من اللازم في المرة الواحدة.
وعلى صعيد قضية شح المياه، هناك مقترحات ولكنها تبقى في الإطار النظري، مثل الانتقال إلى نظم الري الحديثة ، أو اللجوء إلى معالجات المياه المستخدمة ، أو تحلية مياه البحر.
كل هذه الأسباب والأوضاع المقلقة في دول العالم والدول العربية بشكل خاص ينذر بحروب طاحنة بيْن الشعوب إن لم تتخذ التدابير الناجعة والمستعجلة كالتدبير المعقول للمياه وعدم التهور في تضييعها ، إضافة إلى ترشيد الاستهلاك الوطني والقومي ، والتعاون العربي الضروري في تشييد السدود واحترام الحصص المائية لدول الجوار ، دون أن ننسى العودة إلى الطريق المستقيم حتى يَمُنَّ الله علينا بنعمة الماء بالغزارة النافعة مصداقاً لقوله عز وجل : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰٓ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَٰتٍۢ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ ) .