بقلم: نعمة الله رياض
صحا عم برعي علي صوت آذان الفجر ، توضأ وأدي الصلاة ثم إرتدي ثيابة …
غادر شقته المكونة من حجرتين للنوم وصالة في عقار قديم في حي شبرا الخيمة الشعبي ، وصل إلي محطة قطار أنفاق شبرا الخيمة في طريقة للمصنع بمنطقة حلوان الصناعية والذي يعمل به منذ 23 عاما في وظيفة بسيطة … معه إشتراك في المترو سدده المصنع يوفر عنه مصاريف الإنتقال . جلس في المترو وهو يفكر كيف يلبي الطلب الملح لزوجتة وابنته لشراء أنتريه بدلا من الأريكة المتهالكة والكرسيين الخشب الموجودين بالصالة ، فالعريس الذى سيخطب ابنته سيزورهم خلال أسبوع ومعه أهله ولابد من أنتريه يحفظ للعائلة مظهرا معقولا حتي لو كان مستعملا …
من أين يدبر ثمن هذا الأنتريه وعائلته تعيش علي الكفاف هو وزوجته وابنته الكبري وابنة الذي يليها في العمر وآخرهم طفلين توأمين لا يتعدي عمرهما الأربع سنوات … إنهم يعتمدون في معيشتهم على أجره الشهري الهزيل ، أطباق الفول والطعمية والعدس ضيوف دائمة على مائدتهم ، أو بالأحرى الطبلية التي يأكلون عليها ثم ترفع إلى ركن المطبخ توفيرا للمكان… بواسطة بطاقة التموين يحصلون على أرغفة الخبز المدعم مع مواد التموين الأخري التي تسد رمقهم ، قد تطهو زوجته دجاجة أو نصف كيلو من اللحم المستورد كل شهر إذا تم توفير بعض المصروفات … من أسواق الملابس المستعملة يدبرون ملبسهم ، إمتنع منذ سنين عديدة عن شرب السجائر والشيشة في القهوة الكائنة في الحارة توفيرا للنفقات ، وأصبحت تسليته الوحيدة مشاهدة التلفزيون مع أسرته …
وصل إلى المصنع وصعد على التروللي الكهربائي لينقل الأجزاء المصنعه في عنبر الخراطة إلى عنبر التجميع … عمل إستمر يزاوله اكثر من عقد من الزمن حتى اعتقد أنه يمكنه أن يقود التروللي وهو معصوب العينين !!
في فترة الراحة إستلم وجبة الغذاء التي يوزعها المصنع على عمال الخدمة الشاقة ، في ركن قصي من العنبر جلس متكوما يتناول شرائح الخبز وقرص الجبنة النستو ويشرب عبوة اللبن المبستر… مر عليه مشرف الوردية وقال له : مالك يا عم برعي شايل هم الدنيا على دماغك ؟ شرح للمشرف مشكلته ، إبتسم المشرف وقال : ولا تحمل هم يا حاج ، محلولة بإذن الله، يوم القبض بعد بكره وعندي 17 من زمايلك حنعمل مع بعض جمعية من 20 نفر وحاستأذن منهم تقبض إنت الأول وانا زي بعضه حاقبض الآخر ، حاتدفع 50 جنية كل شهر وحاتقبض الف جنية أول واحد ، الناس لبعضها يا عم برعي …
يوم العطلة ذهب مع زوجته وإبنته إلى سوق الأثاث المستعمل يتجولون بين المحلات المختلفة إلى أن اعجبهم أنتريه صغير ولكنه يفي بالغرض..
– بكام يا معلم الأنتريه ده ؟
– علشان خاطر العروسة الحلوة دي بـ 900 جنيه بس …
– يا معلم دول 3 حتت بس، ولازم رجل الكنبة يتصلح والكسوة تتغير دي تلفانه ولونها جربان..
– ديتها 200 جنية تغير الكسوة ويبقي انتريه معتبر ، دا صاحبه كان راجل مقتدر على المعاش ، توفي واخوه جه من أمريكا حضر الجنازة وباع الشقة وعربية الروبابيكيا جابت العفش للمحل والآنتريه ده أخر حاجة ، على الله يكون من نصيبك ..
– يا معلم.. إكرمنا.. الله يكرمك ، كل اللي أقدر أدفعة 600 جنية، ربنا يعلم دبرت الفلوس دي إزاي.. وعلشان خاطري تجيبلنا عربية الروبابيكيا تنقله لشبرا ..
– ماشي علشان خاطركم بس تدفع 700 جنية بالنقل ، ياللا عالبركة !! .
في صالة الشقة بدأ عم برعي إصلاح رجل الأريكة ونزع الكسوة القديمة… فليس عنده رفاهية استدعاء منجد ليقوم بالعمل ، فيما هو ينزع كسوة الأريكة لاحظ وجود لفافة قماشية مثبتة بعناية في هيكل الأريكة الداخلي ، حل أربطتها وفتحها … يا الله !! إنه كنز حقيقي ، خمسة جنيهات ذهبية وتسعون الف جنية مصري بالإضافة إلى خمسمائة دولار أمريكي بالتمام والكمال … يا ما إنت كريم يا رب !! باع الذهب والدولارات وتوجه مع زوجته وأولاده إلي مكتب البريد في الشارع الرئيسي في الحي وفتح لهم دفاتر توفير كل منها بعشرة آلاف جنية ، أما هو ففتح حسابا في البنك باسمه وضع فيه باقي المبلغ .
دهن جدران الشقة وأبوابها وجدد الأثاث وأشترى ملابس جديدة له ولأسرته ، لكن الملفت والمثير للعجب ، انه بعد أسبوع واحد فقط سحب نقودا من البنك ليدفع مقدم تقسيط لسيارة نصف نقل، تسلمها وأخذ يجوب بها أحياء القاهرة بعد إنتهاء عمله اليومي بالمصنع وفي إجازاته لابسا الجلباب البلدي واللاسه يرافقه ابنه الأكبر… مناديا بمكبر الصوت: نشتري أي حاجة قديمة…
روبابيكيااااا … بيكياااااا… بيكيااااا… !!!