بقلم: هيثم السباعي
تمهيد
ترددت كثيراً قبل أن أتطرق للكتابة عن هذا الموضوع الهام والمعقد. مادفعني للخوض فيه هو ألمي الشديد وحزني العميق إلى ماآل إليه وضع العالمين العربي والإسلامي اليوم. لم أتوسع بهذه الدراسة لتشمل العالمين معاً، بل إقتصرت على الغوص في بعض أمهات الكتب التي تحدثت عن العالم العربي، على لسان بعض العلماء، والفلاسفة، والمستشرقين، والمؤرخين، والدارسين ،وأصحاب الرأي، لعلني أجد إجابة على السؤال الذي يؤرقني منذ عدة عقود الآن.
يحمل عنوان هذه الدراسة السؤال الذي يجول في خاطري دائما، وهو ماهي أسباب تخلف العالم العربي الذي يتمتع بثروات طبيعية هائلة، إضافة إلى كفاءات بشرية أهم، إلا أنها، مع الأسف الشديد، منتشرة في أصقاع العالم. إن مقارنة بسيطه بيننا وبين جارتنا التي لايزيد عمرها عن سبعين عاماً، وأقصد إسرائيل، تدل على أننا اليوم، متخلفون عن الأمم المتقدمة بقرون. إسرائيل قدمت للعالم، حتى اليوم، على الأقل ١٠٠ حائز على جائزة نوبل في العلوم والآداب، مقابل جائزتين عربيتين يتيمتين، نال إحداها الأديب المصري الراحل نجيب محفوظ والثانية عالم الكيمياء المصري، الدكتور أحمد زويل.
سأتعرض بالمستقبل، ضمن هذه الزاوية، لذكر بعض الإنجازات الإسرائيلية الهامة في مجالات الطب والعلوم بكافة مجالاتها، للإطلاع فقط. من اللافت أن جامعة ومعهد تقني إسرائيلي من ضمن الجامعات العشر الأوائل في العالم. في الوقت ذاته، لاتوجد ولاجامعة عربية واحدة ضمن أول ٥٠٠ جامعه في العالم. هنا تكمن خطورة الموضوع.
لايختلف إثنان بأن الدول الصناعية تتعمد إبقاء المجتمعات العربية، على ماهي عليه، أي مجتمعات إستهلاكيه، تعرقل أي جهد تبذله للتطوير بإتجاه التصنيع. سؤال جديد يطرح نفسه هنا، هل نساهم أو نساعد تلك الدول على إبقائنا في القفص الذي نحن فيه؟؟؟
الإجابة بالتأكيد نعم. نحن نساهم أونساعد على ذلك سواء عن نوايا طيبة أو جهل مطبق، حيث يكمن الخطر، أو الأخطار الداهمة. ليس هناك من دليل على ذلك أقوى من الحروب التي أُجبر العالم العربي على خوضها إما بإرادته أو ضدها، والتي بدأت مباشرة بعد حصوله على الإستقلال الشكلي، أواخر النصف الأول من القرن الماضي، بدءاً من حرب ١٩٤٧-١٩٤٨ وإنتهاء بحرب اليمن الأهلية اليوم، مروراً بحروب ١٩٥٦، ١٩٦٧، ١٩٧٣، ١٩٨٠-١٩٨٨ (الحرب الإيرانية العراقية)، التي تلتها حربي الخليج الثانية والثالثة، ١٩٩١-٢٠٠٣ على التوالي، وإنتهاءً بالحرب الأهلية السورية. إستنفذت هذه الحروب الكثير من الطاقات العربية البشرية والمادية والمعنوية.
يقول المفكر الجزائري مالك بن نبي: “في الواقع عند الإستعمار معلومات عنا، أكثر بكثير مما عندنا عنه. إنه يكيف بكل بساطة موسيقاه وفقاً لإنفعالاتنا، ولعقدنا، ونفسيتنا. إنه يعرف مثلاً أننا تجاهه لانفعل، وإنما ننفعل. وهو عندما يكون دخل مرحلة التفكير في مشاكل الغد، في الحفر الموحلة، التي يريد أن يوقعنا فيها، نكون نحن لانزال نفكر في مشاكل الأمس، في التخلص من الحفر الموحلة التي أوقعنا فيها فعلاً.”
إذا أردنا التعرض لمساهمة قادتنا بهذا التخلف والخسائر المادية والمعنوية التي مني بها العالم العربي بعد حصوله على الإستقلال الشكلي، فإن هذا يحتاج إلى دراسة مستقلة، لأن الإجابة بالتأكيد نعم. تمت مثل هذه المساهمات لأسباب قومية حيناً وأسباب طائفية أحياناً أخرى. إن نظرة سريعة على مايسمى بالعالم العربي اليوم نرى أن التقسيم شمل حتى الآن السودان ،وفلسطين، والعراق، وسورية، واليمن، ولبنان. وإذا لم تستدرك دول المنطقة، عن طريق المصالحات الإقليمية، وإنهاء خلافاتها وأطماعها بجاراتها فإن التقسيم سينال السعودية وتركيا (دولة كردية في جنوبها) وإيران (دولة كردية في الشمال ودولة عربية في عربستان.) كل هذا جرى ويجري لأسباب طائفية وإثنية، نظراً لبعد أنظمة الحكم في دول المنطقة عن الديموقراطية والدولة المدنية التي تحفظ حقوق المواطن بصرف النظر عن إنتمائه الديني أوالطائفي أوالقومي، بحيث يبقى إنتماؤه للأرض والوطن، بدلاً من العائله القبيلة.
مقدمة البحث التي ستنشر في العدد القادم ستبين المواضيع التي يمكنها الإجابه على كل هذه التساؤلات.
حتى ذلك الوقت أتمنى للجميع فصحا مجيدا، وكل عام وأنتم جميعا بألف خير.