بقلم: تيماء الجيوش
في ١٩ حزيران من العام ٢٠٠٨ أصدر مجلس الامن الدولي قراراً برقم ١٨٢٠.
Security council resolution 1820.
يندد فيه بالجماعات الارهابية و المتطرفة و التي اتخذت من العنف الجنسي وسيلةً في الحرب لإذلال المدنيين الابرياء لا سيما و على وجه الخصوص النساء و الفتيات مما شَّكل عقبةً بالغة الصعوبة و التعقيد امام السلام و إحلاله في مناطق الحروب و الحروب الاهلية و النزاعات المسلحة عموماً. كما اعتمد مجلس الأمن القرار رقم (S/RES/2331)،
و فيه أكد العلاقة الوثيقة بين الارهاب و الاتجار بالأشخاص و الجريمة المنظمة و العنف الجنسي و أن هذه الحزمة من الجرائم ما هي إلا تكتيك في الحروب و النزاعات تستخدمها و بكثافة الجماعات الارهابية و هذا ما يدعو بالتالي الى إنصاف الضحايا ممن وقعوا في براثن هذه النزاعات على أنهم ضحايا للإرهاب. فيما بعد ذلك بسنين و في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (A/RES/69/293)
و الصادر في ١٩ حزيران للعام ٢٠١٥ تم اعتماد هذا اليوم يوماً دولياً للقضاء على العنف الجنسي في حالات النزاع . وأوضح مشرعو القرار أن الهدف منه هو زيادة الوعي العام بجرائم العنف الجنسي الواقعة في ظل النزاعات المسلحة و تكريم ضحاياها على نطاقٍ محلي و دولي و أيضاً تكريم من قام بتكريس وقته وجهوده في العمل للقضاء على هذه الجرائم .
و هكذا كان و بات الاحتفال سنوياً بهذا اليوم، هو يوم لزيادة الوعي العام بحقوق الانسان و حقوق المرأة بآنٍ معاً و دعوةً لمحاسبة مرتكبي هذه الجرائم و تكريم ضحاياها الأبرياء.
غير أن حماية المرأة بحسب ما أكده القرار الأممي لا تعني و لا تقتصر على أزمنة النزاع او على أسسٍ مؤقتة تنتهي بانتهاء خطها الزمني. حماية المرأة تعني ما قبل و اثناء و ما بعد النزاع ، تعني ثقافةً آمنة تبدأ من تفاصيل حياتنا اليومية البسيطة لتنتهي ببناء شرائط مجتمعية اقتصادية سياسية قانونية ترتقي الى معايير حقوق الانسان و الكرامة الانسانية. من هذه الحلقة الأعم نصل الى الصور المتعددة لامتهان كرامة المرأة و التي بات تكرارها مدعاةً للأسف. على سبيل المثال من يصمت عن جريمة التحرش و يعدُّ ذلك من محظورات الحديث اجتماعياً و ثقافياً سيجد لاحقاً أنه أحد العوامل البعيدة التي ساهمت في إرتكاب الجرائم الجنسية الأعنف بحق النساء و الفتيات. التحرش من الممكن جداً ان يتحرك من دائرته الى دائرة أشد ألا و هي العنف الجنسي ، الطرف الضحية في كلتا الحالتين هي على الغالب من النساء و الفتيات و بكمٍ هائل من السيطرة و الاستغلال و الايذاء الموجّه و المباشر. الثقافة هنا لا تمنع استباحة النساء في السلم كما في الحرب او النزاع.
الثقافة الآمنة للمرأة تعني أن حمايتها و سلامتها هو أمرٌ مجتمعي، يقوم به المجتمع متحملاً عبئه متكاتفاً و بالتالي لا يتم وضع هذا العبء على عاتق المرأة وحدها.
ليس مفاجئاً لدى العديد من العاملات و الباحثات و المحاميات والصحافيات في الشأن النسوي ما تتعرض له النساء من تحرشٍ و امتهانٍ لكرامتهن والذي يأتي بصورٍ متعددة على مدار اليوم و خلال ممارستهن لشؤون حياتهن اليومية. فالتحرش يتدرج من اللفظي الى المادي و لا يُميز حقيقةً بين دينٍ او منبتٍ اجتماعي أو عرقٍ او بلدٍ او حالةٍ أقتصادية فالتحرش هو واحد من حيث المضمون وإن اختلف شكلاً . هل أصغيتم الى النساء و استمعتم لمعاناتهن في هذا الامر؟ إن فعلتم ستجدون الطالبة الجامعية التي يلاحقها احد الطلاب بفظاظة ألفاظه عن جسدها على مدرج الجامعة، ستجدون المرأة التي لامسها احدهم بطريقة تنافي الحشمة في وسائل النقل العام، أو المهندسة التي عليها ان تسمع تحرش رئيسها المباشر اللفظي و اليومي فقط لكونها مبتدئة ، أو الموظفة التي تُهدد بالنقل او التسريح إن لم تكن ذكية بشكلٍ كافٍ و الذكاء هنا معياره ان تصمت عن كل التحرش الذي تعاني منه. و لو تم جمع هذه القصص الشخصية لتكدس المئات منها إن لم نقل الالاف. يتجاوز التحرش الحدود عندما يصبح عنيفاً و ينتقل الى مرحلة الايذاء الجسدي كالضرب مثلاً. مع وسائل التواصل الاجتماعي و بلوغها الذروة باتت الصفحات تفيض بما تعانيه النساء من التحرش. يقابله صمتاً مطبقاً في التقدم و الادلاء بشكوى الى الجهات المعنية نظراً لخصوصية و حساسية الامر. هذا الصمت الغالب عند النساء لا يعني أن الامر لا يقع و هذا التردد في الابلاغ و تجاوز الامر كأن لم يكن أبرزته احصائيات الامم المتحدة و التي تُعد الزاوية في حماية حقوق الانسان حيث أكدت أن ثلث موظفي الامم المتحدة قد تعرضوا للتحرش الجنسي وأن اثنين من ثلاثة متحرشين هم من الرجال وواحد من كل اربعة من المشرفين و المدراء ما دفع بالامين العام انطونيو غوتيريش الى وصف ذلك في رسالته الى موظفيه بأنها «احصائيات مفاجئة و احتوت ادلة حول ما يجب تغييره .»
هذا غيضٌ من فيض و لعل الصمت عنها هو ما يُعيق معالجة هذه القضية و يُسدل غموضاً بطريقةٍ لا تناسب مصلحة المجتمع و لا تناسب مصلحة المرأة. بل إن المرأة حرفياً تُفضل أن تتوارى كي تتجنب التحرش ، فهي ستختار عدم إثارة الانتباه و البقاء بعيداً . لن نُفاجئ إن وجدنا المرأة او الفتاة و قد اختارت عدم الذهاب الى الاماكن العامة او عدم استخدام وسائل النقل العام او العودة المبكرة الى المنزل حتى لو يعني هذا الامر التأثير على حياتها و تفاعلها الاجتماعي عن طريق فرض سلوكٍ معين يُحقق لها أماناً و لا يعرضها للخوف او الايذاء. يصبح القلق هو عنوان لمساراتها و لا تنتهي هذه الحلقة المفرغة من المعاناة الصامتة و التي تكون نتيجتها المباشرة أن المرأة هي التي تقوم بحماية نفسها و ليس المجتمع الذي تنتمي اليه. الحل يكمن في المجتمع ذاته الذي لن يعدم الوسيلة في توفير الامن لافراده لا سيما نسائه من خلال المؤسسات و القوانين و المنظمات و المساعدات و الدعم الذي يمكن ان يبدأ من خطوط الشكوى او الخط الساخن الى دوائر تحقيق خاصة بجرائم التحرش. و ليس في هذا نوعاً من الترف او المطالبة الصعبة التي سترهق الميزانية في اي بلد. بل على العكس تماماً فهذا سيدفع بمشاركة المرأة الى الامام و حضورها الاجتماعي الاقتصادي الذي لا غنى عنه. و هذا الاخير لن يتم أيضاً دون تحقيق المساواة بين الرجل و المرأة . فالمساواة ليست أمراً أخلاقياً، ثقافياً، قانونياً و حسب بل هي ضرورة اقتصادية تتيح للمرأة ان تزيد من الناتج القومي الاجمالي و من فرص النمو المحلية و العالمية. لن تضطر المرأة أن تقلل من فرص تواجدها في سوق العمل و ساعات نهارها لن تختزلها ما دام التحرش لن يقع . في كندا عرف التشريع التحرش بأنه: «يعرّف القانون التحرش الجنسي على أنه أي سلوك أو تعليق أو إيماءة أو اتصال ذات طبيعة جنسية يحتمل أن تسبب إساءة أو إذلالًا لأي موظف ؛ أو قد يرى ذلك الموظف و بناءً أسس معقولة ، أن هناك شروطاً تحمل تحرشاً جنسياً قد أُرسيت للعمل او التدريب او نيل ترقية».
The Code defines sexual harassment as any conduct, comment, gesture, or contact of a sexual nature that is likely to cause offence or humiliation to any employee; or that might, on reasonable grounds, be perceived by that employee as placing a condition of a sexual nature on employment or on any opportunity for training or promotion.
الفعل الجرمي يمكن ان يبدأ بكلمة و كذلك العنف الجنسي من الممكن ان يبدأ بفعل التحرش.
من الصورة الابسط التحرش الجنسي الى الصورة الأعنف الجرائم الجنسية في النزاعات الى قرارت الامم المتحدة و مجلس الامن الجوهر واحد لا بد من المساواة و لا بد من احترام حقوق المرأة في زمن الحرب كما في زمن السلم .