بقلم : ﭽاكلين جرجس
حياة المصرى على مر الأزمان ارتبطت ارتباطا و ثيقا بالفن لذلك فليس مستغرب أن تكون بداية فكرة المسرح فى العالم مرتبطة بالعصر الفرعونى، فقد أكد على ذلك النقوش التى ظهرت بمحيط المقابر الفرعونية خاصة فى الاحتفالات المتصلة بالطقوس الدينية .
و لنستعيد أمجاد المسرح المصرى الذى فقد رونقه و تم هجره إلى أجل غير مسمى علينا أن نستلهم روح عباقرته اللذين قدموا الكثير لنهضة تلك الصناعة الفنية المجيدة ؛ فقد كانت البداية عام 1870 عندما أنشاء “يعقوب صنوع” والملقب “ بابو نضارة “ أول مسرح عربى فى مصر ، لكنه عانى كثيرًا فى بداية مشواره مع المسرح، وذلك نظرًا إلى جهل الجمهور بالفن المسرحى، وأخذ قبل بداية كل عرض يطل على الجمهور ويشرح ما يتناوله العرض ومغزاها الاجتماعى والأخلاقى حتى يفى قدر استيعاب الجمهور لما يقدمه من عروض مسرحيةو بكل عزيمة و إصرار قدم على خشبته ما يقرب حوالى ٣٠ عرضًا مسرحيًا متنوعا بين التراجيديا المأخوذة عن الروايات المترجمة عن الفرنسية وكتب فيها عن حالة الفقر فى مصر وهاجم فيها الخديو إسماعيل، وبدأ النشاط المسرحى فى تلك الفترة ثم لحقتها مرحلة الاقتباس من التاريخ العربى، وكان أوبريت «راستو وشيخ البلد والقواص» التى راعى مؤلفها فى كتابتها باللغة الشعبية الممزوجة ببعض الأغانى الشعبية المنتشرة فى تلك الحقبة الزمنية وأصبحت متداولة على ألسنة الناس، وكانت فرقته تتكون من ١٠ فتيان فقط، وفى بعض الأعمال كان أحد أبطال فرقته يرتدى الملابس النسائية ويقدم أحد أدوارها، ثم انضم إلى فرقته فتاتين، وأصبح مسرحه مزدهرًا.
و قدم أيضًا ثلاثة عروض مسرحية كوميدية وهى “ البنت العصرية” و” الضرتين” و”غندورة مصر” أمام الخديو إسماعيل وحاشيته فى قصر النيل، والتى نالت اعجابه، لذلك أطلق عليه الخديو لقب “ موليير” مصر، لتشابه اهمية أعماله بما يقدمه موليير الكاتب المسرحى الفرنسى المعروف ؛ وسمح له بإنشاء مسرح قومى وقدم عليه عروضه المسرحية الكثيرة للجمهور، وعندما قدم عرض “الوطن والحرية” الذى سخر فيها من فساد القصر غضب الخديو إسماعيل منه وأمر بإغلاق مسرحه ونفى صنوع فى فرنسا حتى لاحقه الموت.
ثم تأسست فرقة الشيخ “سلامه حجازي”في عام 1905، وبدأت في افتتاح عروضها على مسرح “سانتي” بحديقة الأزبكية، حيث قدم حجازي العديد من الروايات المسرحية، التي شارك فيها بألحانه وصوته أيضًا، ومن أشهر تلك المسرحيات: “هارون الرشيد، ليلى، المظلوم”.
و لأجل كل هذا الزخم التاريخى للمسرح المصرى و عباقرته من الفنانين العظام اللذين احتلوا مكانة رفيعة فى قلوب المشاهدين حتى هذه اللحظة يعتبر المسرح المصرى هو الأهم والأبرز على الإطلاق في نطاق الوطن العربي .
وعليه ، أن العمل الثقافي في مصر يواجه تحديات هائلة بينماعلى صعيد أخر تتصاعد الأماني والأحلام فى أن تكون المرحلة القادمة مستجيبة لمتطلبات التعامل مع تبعات حالة من حالات الغزو الوهابى للثقافة و المستهدف لبنيان التركيبة القيمية والنفسية والاجتماعية للشخصية المصرية بكل غلظة وغباوة حيث واتتهم أحلام السيطرة على الشخصية المصرية وتغيير أصول تركيبتها الطيبة المعتزة بحضارة الأجداد ، والسبب في خطورة هذا الغزو دخول ذلك المعتدي عبر التسلل إلى خلايا الجسد المصري من بوابات الدين وتعاليمه المقدسة التي كان من السهل فتحها حيث القلوب تهفو لنداء الأديان ورسالاتها بشكل عام ، وبشكل خاص طبيعة الشخصية الإنبساطية المصرية و استثمارًا لحالة تراجع معرفي بصحيح العقائد من مصادرها الأصيلة ، فإذا أضفنا ضغط الإحتياجات المادية و حدة التفاوت الطبقي بعد إختفاء الطبقة الوسطى وحالة العناء من غياب العدالة الإجتماعية ، ندرك فداحة ما حدث وما يخططون إليه ..
ولذلك علينا ألا نغفل الدور الهام الذى تلعبه القوى الناعمة و دور الثقافة و خاصة الفنون بمختلف اشكالها و ألوانها و على رأسهم المسرح بأعتباره “ أبو الفنون “ فهو مرآة تعكس هموم وقضايا الوطن ، حيث يجسد المسرح بفنانيه حال المجتمع بشكل عام و يكشف الغطاء عن بعض المشاكل الإجتماعية و السياسية و الإقتصادية التى تنخر فى عظام الوطن و تؤرق المواطنين فى قالب كوميدى محبب للمتلقى بل و يقدم أيضًا حلولًا لأغلب مشاكله مما يزيد من نسبة وعى المواطن و طريقة تعامله مع مجريات الأمور .
و لأن الطفل هو بذرة نجاح أى مجتمع و تقدمه فعلينا أن ننميه و نغرس حب الفنون و الثقافة فيه منذ الصغر وليكن المسرح إحدى أهم الوسائل التي تعتمدها التربية الحديثة في تطوير وتنمية العديد من المهارات والقدرات اللغوية و غرس روح المبادرة وتعزيز الثقة بالنفس وتطوير المهارات الحسية والحركية لدى الأطفال والتي يصعب تحقيقها من خلال وسائل أخرى ، علينا أيضًا أن نبدأ من جديد و نتخطى فترات الإخفاق ، نواجه تحدياتنا و نتخطى العقبات لإعادة المجد للمسرح من جديد ، المسرح الحقيقى الذى يُنمى و يُثقف و ينشىء جيلًا واعيًا مثمرًا مبدعًا الذى لا يخلوا أيضًا من الفكاهة و الضحك الراقى الغير مبتذل فليكن “ المسرح المصري لكل المصريين “ لا يخجل فيه أب من اصطحاب أولاده معه لصدور كلمة خارجة من ممثل مغمور تخدش مسامع أبنه أو أبنته .
وعليه أثمن مبادرة د . أيناس عبد الدايم بعودة المسارح المتنقلة و يأتى ذلك بالتعاون مع وزارة الإنتاج الحربى سواء برفع كفاءة الموجود منها حالياً أو التصنيع الجديد، و تنفيذ عدد ستة مسارح متنقله وتجهيزها بكافة ملحقاتها و أدواتها من إضاءة وكاميرات ليصبح لدينا قوافل مسرحية و مكتبات ثقافية للأسرة تجوب القرى والنجوع في كل أرجاء المحروسة … ليعود للمسرح مجده من جديد و يعود لنا الجمهور المحترم المثقف الواعى الذى كدنا ننساه .