بقلم/ أسماء أبو بكر
إن شرف الخصومة لا تعرف له الحركات الدموية طريقًا ؛ فكل من انتسب إلى هذه الدائرة يستبيح كل الوسائل للوصول إلى أغراضه الدنيئة، وحروبهم إن كانت غير مباشرة في السنوات الغابرة من تاريخهم الأسود، إلا أنها كانت سببًا لدمار الكثيرين حول العالم، لكن لابد أن تمس النار حاملها، وإن طال الزمان به، فالماهر لابد له من سقطة، وكما يقولون لكل جوادٍ كبوة.
انتهى بنا المطاف في المقال السابق عند اكتمال فكرة وطنٍ قومىٍ في أذهان اليهود، إلى أن استقر بهم الحال لاختيار فلسطين؛ لتكون أرض الميعاد، وذلك بالإضافة إلى الحيل التي لجأوا إليها حتى وضعوا أقدامهم على أرض المسجد الأقصى، وحينها تمكنت مخالب اليهودية من انتزاع أرض فلسطين العزيزة ليس من أهلها فقط بل ومن العرب والمسلمين جميعًا؛ حتى بات التخاذل واضحًا للجميع فكأنها رواية كل فصولها استسلامٌ وخضوع؛ وها نحن نسير خطوة بخطوة لننظر في حاضرنا بعين الباحث عن حقيقة الحال، ونسأل أنفسنا هل تسير الأمور على الطريق الذي سيعيدها إلى نصابها؟؟! وإلى أي مدى ستستمر الحركة اليهودية في جولاتها الرابحة في بلدان العالم بداية من الشرق إلى أوربا والولايات المتحدة الأمريكية؟!
فإجابة الأسئلة السابقة تتوقف على تقييم الوضع الحالي بموضوعيةٍ كاملة؛ فليس معنى أنهم أعداء أن نقلل من قيمتهم ؛فلا يخفى على أحد منا أن اليهود على الرغم من قلة عددهم ألا أن لهم عقلٌ مدبرٌ يقود الأعداد الغفيرة في العالم نحو الهاوية برضا تام، فما يحدث في عالمنا العربي اليوم وما حدث من دمار في العراق، وسوريا، ومجاعات اليمن، وتهديد أمن المملكة، وضياع المجد الليبي، وظهور إثيوبيا كقوة مؤثرة في القارة السمراء، والصراعات حول مياه النيل،وسيطرتها على الاقتصاد العالمي والأمريكي والأوروبي،وأيضا الأذرع الخفية التي تتحكم في آبار النفط وبورصتها؛ حقا إنها داء خبيث تفشى في جسد العالم وما زالت سمموه تنفث قي بلادنا مثل الغزو الفكري، ونشر الرذائل وتبقى دولتهم المزعومة في جنتها الزائفة..
ما نراه حاليًا أن كل خراب واقتتال وانهيار أخلاقي واقتصادي لهذه الدول وراءه هذا الأخطبوط اللعين كما ذكرنا سابقا ،وما أكثر ما يقال عنهم وعن دسائسهم في العالم ؛ولأن من يزرع يحصد فهم يجنون ثمار تاريخٍ من التخطيط والعمل المستمر؛ فقد أشرقت لهم شموس الأمل ودخلوا في العمل السياسي بعد تصريح بلفور وانتداب بريطانيا العظمى لإدارة فلسطين؛ وفي تلك الأثناء كان العالم كله يعيش مرحلة التعددية القطبية، وكانت بريطانيا آنذاك الإمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس، توجه هرتزل إليها، ونسج علاقات وثيقة مع البرلمانيين والساسة الإنجليز، وعلى رأسهم وزير المستعمرات “جوزيف تشامبرلين”وتعاطف مع قضيته بينهم وفي نفس الوقت كان حاييم وايزمان، رئيس المنظمة اليهودية العالمية، يتقرب من الحاشية الملكية، حتى استطاع انتزاع “تصريح بلفور”فى نوفمبر عام 1917، مستغلًا احتياج بريطانيا لدعم أثرياء اليهود، في خضم الحرب العالمية الأولى، ومؤسسًا بذلك مظلة حماية قوية للمشروع الصهيوني في فلسطين، وعلى إثر ذلك تدفقت أفواج المهاجرين اليهود إلى أرض الميعاد المزعومة، وشارك الآلاف منهم في الحرب العالمية في صفوف الجيش البريطاني، وحصلوا منه على التدريب والتسليح، فيما عُرف بالفيلق اليهودي أو (الكتيبة العبرية) التي تم حلها فيما بعد الحرب، وانضم مقاتلوها للعصابات اليهودية المدنسة في فلسطين..
وكما توقع ذئاب اليهودية سارت الأمور وفق خططهم، وتولى البريطانيون مهمة دعم مخططاتهم، وتصدوا لثورة “فلسطين الكبرى”، التي استمرت من عام 1936 وحتى عام 1939،وعلى الرغم من أن مطالب الثورة في الأساس كانت تركز على الوجود اليهودي وليس البريطاني،لكن مع اقتراب الحرب العالمية الثانية خشيت بريطانيا أن تخوض الحرب ضد ألمانيا، وظهرها مكشوف أمام هجمات العرب الذين يشاركون الألمان في عداوة الصهاينة والإنجليز معًا، فأصدرت الحكومة البريطانية “الكتاب الأبيض” في عام 1939، الذي نص على إنشاء دولة فلسطينية في غضون عشر سنوات، وفرض قيود على الهجرة اليهودية لفلسطين، وبيع الأراضي للأجانب، وغيرها من الإجراءات التي اعتبرتها اليهودية تخليًا عمليًّا عن تصريح بلفور، ومن ثم عارضتها بشدة..
وفي أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين باتت الحركة اليهودية تسير وفق خطط وأيدولوجيات تنظر إلى المستقبل نظرةً ثاقبة، وأصبح رجالات أمثال :إسحاق رابين وشارون وجولدا مائير ومن على شاكلتهم من أصحاب الأمر والنهي في الدولة الوليدة؛فهم أصحاب تاريخٍ أسود في تنفيذ المجازر ضد العرب الفلسطينين وساندهم في ذلك قرار الأمم المتحده عام47 بتقسيم فلسطين إلى دولتين” فلسطينية ويهودية” ثم حرب48 وهزيمة العرب هزيمةً نكراء كانت نتيجتها قيام الدوله الإسرائيلية بالفعل أرض وشعب وحكومة وعلم، ونفذوا فيهم مذابحًا دمويةً مثل صبرا وشاتيلا -التى جعلت من اليهود قوةً منيعة يجوز الاعتماد عليها – راح ضحيتها الكثير من اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات عام 1982، وبدأت في السادس عشر من شهر سبتمبر واستمرت لثلاثة أيامٍ من الدماء والقتل والقمع ، بعد ذلك تحول اتجاه الصهاينة نحو القوة العظمى الجديدة حيث ذهبت انجلترا التى كانت لا تغيب عنها الشمس وظهرت أمريكا بعد حربين عالميتين الأولى عام 1919 والثانية عام1938 وبذلك كانت الصهيونيه هي السبب في إشعال وقود هذين الحربين..
الحقيقه أننا ما زلنا نعيش في هذا التدبير الذي لا يعلي قيمةً للإنسانية ويعلي فقط قيمة للمادة التي طغت على كل شيء؛ فالدماء تسيل في كل أرجاء المعمورة، والعالم لا يبكي إلا لما يريد، وكأنهم ممثلون بارعون يلعبون أدوارهم باحتراف، ومازلنا ندور في حلقات التاريخ نتقفى أثر هذه الحركة التي لم تنشأ مثلها في التاريخ الإنسانية؛ فقد جمعت بين الخداع والحيلة، وبين التخطيط والقتل، وهي لا ترى سوءًا في استغلال كل شيء للوصول إلى غاياتها؛ فالنساء أداةٌ للجاسوسية والعهر سلاحٌ لاستخراج الأسرار كما سنعرض ذلك في مقالاتٍ قادمة..
إنهم باتوا ينظرون نظرة العقاب إلى فريسته لكل من تسول له نفسه الحديث عنهم، أو يريض فضح زيفهم؛ فأصبحت قائمات الاغتيالات تعج بأصحاب الرأي، والمعارضين، وأصبحت الأقلام الحرة تنتظر مصيرها تحت المقصلة..
فالأمس كانت جماعات المرجفين تحاول أن تقيم لنفسها وزنًا واليوم يحملون سيوفًا في أيديهم، لكنها سيوفٌ في يد الجبناء، ولكن ماذا عن أدواتهم وأسلحتهم في توطيد سيطرتهم ؟!هذا ما سنتطرق إليه إذا قدر الله لنا البقاء في سطورٍ قادمة تزيل لثام هذا الفكر اليهودي العفن..