بقلم : سناء سراج
أحبته كثيراً ، جدا جدا، كان لها الروح والحياة بكل ما فيها ، كان يمتلك قلبها ودقاته، حتى أنفاسها ونبضات ذاتها .
أحبته وكأنها لم تحب غيره في الدنيا .
كان ملء العين والقلب وعشق الروح، كانت لا ترى غيره في الحياة كانت تحول كل عيوبه إلي مميزات وتخلق له كل المبررات والأعذار وتقنع بها نفسها وكل من حولها.
كانت تذوب عشقا وحبا بين احضانك ، تلك كانت أحاسيس فريدة نحو زوجها وحبيبها عبد الرحمن ، حيث تزوجت بعد قصة حب فيها الكثير والكثير من المفارق والمعاناة ، وخاضوا معارك كثيرة حتى توجت قصة حبهم بالزواج وانتصر الحب .
عاشت فريدة حياة متقلبة ومتنوع مثل أغلب البشر ، حياة بها الكثير من الحب والسعادة والحزن بها الرخاء والأيام الصعاب بها الدموع والضحكات ، القرب والبعد الحب والهجر ، وفي كل الأحوال لن تتخيل فريدة أن تعيش دون وجود عبد الرحمن في حياتها ، كانت لا تتخيل أنها تستطيع أن تعيش بدون أنفاسه أو أن يمر يوم بدون ان تراه ، حتى في عز الخصام كان من المستحيل أن يبيت خارج البيت ولو يوما ، نعم يتخاصمون ولا يتحدثون ولكن يظل في البيت لا يغيب عن عينيها ولو يوما واحدا ، يتخاصمون بدون هجران .
تمضي الحياة هكذا وتضحي وتتنازل فريدة عن حقوق كثيرة لها من أجل عينيه( عبد الرحمن ) ، من أجل رفيق العمر والقلب ، وعشق الروح .
حتى جاء منتصف العمر وشرد الحبيب وحدثت السقطة المميتة والتي كانت بمثابة طعنة غادرة بسكين بارد شق قلب فريدة ومزقه، وبعثر سنوات العمر والحب الجارف في مهب الريح ، وأشعل النيران في حب عاش سنوات، وسحق عبد الرحمن ذكريات عاشت فريدة تشيدها سنوات وسنوات، خان وغدر وباع حب اغلي من الحياة .
بكت فريدة وكأنها لم تبكى من قبل ورغم هذه السقطة الصغيرة بالنسبة لسقطات أغلب الرجال في هذه المرحلة من العمر سن الأربعين، ورغم أن فعلته كانت مجرد إعجاب بفتاة تصغره بعشرين عاما ويزيد عمرها عن سن ابنه الكبير بعدة سنوات ، سقط عبد الرحمن في هذا المستنقع الذي يقع فيه أغلب الرجال ، وسرعان ما انكشف أمره في أول الحكاية .
ووصلت فريدة الي كل خيوط الموضوع وفجرته، وكانت النهاية الحتمية بينهما ، والتي أصرت فريدة وقتها علي الانفصال وتوعدت له بارد أنواع الانتقام التي سيرتها علي يديها وانها ستسحقه وتضحي ببيتها وأولادها ولا تتركه يذهب لواحدة غيرها ، وتوسل إليها أن تسامحه ولا تتركه وانه نادم وانه لا يستطيع أن يعيش بدونها ، وبكي تحت قدميها ، وساق عليها بعض أصدقائه لكي تغفر له وتسامحه ، وأن لا تهدم بيتها وتصعب الأمر علي أطفالها، وظل عبد الرحمن يستجد فريدة ان تسامحه وتغفر له هذه الزلة الأولى والأخيرة في حياتهما .
ومرت الأيام والسنوات ورغم تخليه عن هذا الإعجاب و عودته إليها سريعا نادما راكعا يقبل قدميها ويديها ندما وخجلا ويستجدي أن تسامحه، ولكنها لم تنس ولم تغفر أو تسامح بل تحول هذا الحب تدريجيا إلى جرح عميق مازال ينزف ومع مرور الأيام تحول إلي كره وترصد وانتقام كلما سنحت الفرصة لها.
ذات ليلة وهي مسترخية غارقة في ذكرياتها أتى إلى مسامعها صوت رائعة أم كلثوم .. أنت عمري
رجعوني عنيك لأيامي اللي راحوا علموني اندم علي الماضي وجراحه.
عاشت مع الكلمات وذابت مع النغمات حتى انسابت الدموع على وجنتيها وتذكرت رغم مرور السنين ، تذكرت هذا الموقف الذي تسبب في جرح عميق لا يندمل أبدا.
و بعثت له برسالة مع أغنية أنت عمري ، وهذا نص رسالة فريدة، لعبد الرحمن.
آه لو تعرف أد إيه كنت بحبك ، كنت تبوس التراب اللي بمشي عليه ، مكنتش عمرك غدرت أو خنت ، آه لو تعرف أد إيه كنت روحي واكتر شوية ، واكتر حد في الدنيا حبيته وعمرى ما حسيت ان احنا اتنين ديما كنت بحس ان احنا روح واحده في جسدين ، وأن ليا حقوق كتير تغاضيت عنها علشان خاطر عيونك ، بكل رضا وحب .
ياخسارة ، خسارة الرحلة ، رحلة عمرى وسنيني الكتير اللي ضاعوا ياخسارة فعلا لان اللى بينكسر عمره ما يرجع زي الاول ، لازم هيفضل شرخ كبير اووي جوانا يألمنا كلما تذكرنا ، خسارة انك تعيش بقية عمرك على الذكريات اللي فاتت وتعيش تتمني انك تنسى الذكريات دي لأنها اد ايه مؤلمة وموجعة .
متستغربش الأغنية دي فكرتني بحاجات كتير حلوة اوووي لدرجة متتعوضش ، ومتتوصفش .
كلمات بسيطة أرسلتها فريدة لزوجها عبدالرحمن ، وبللت دموعها الأوراق واختلط الدمع بالأحبار ، والغناء بالآهات ، ودقات قلبها المجروح بالنغمات ، وتشابهت كلمات الرثاء والعتاب بكلمات الحب والشوق والاشتياق وانت عمرى ..
وكانت هذه حكاية غنوة . انت عمري قيثارة النغم أم كلثوم.