بقلم: عادل عطية
من الأقوال التي تُكرر ذاتها، على شفاهنا:
.. «لكم دينكم ولي دين»!
.. «أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله»!
وفي كل مرة، نؤكد عليهما – على طريقة: «آمین» ـ،ونقول:
.. «الدين لله، والوطن للجميع»!
ألسنا بذلك نعترف بـ «العَلْمانية» المُضطهدة؟!..
ما ان نطقت بهذه الكلمات، حتى شعرت بمن يضغط بشدة على فمي، وهو يقول بغضب جامح:
ـ أصمت أيها العَلْماني الكافر؛ ألست تعرف انني أنا الدولة، أدين بالإسلام ديناً؟!..
نظرت إلى الدولة، وقد أخذتني المفاجأة، ثم قلت لها:
ـ «دین الدولة الإسلام»، عبارة يجب أن تكون مضحكة؛ فأنتِ لا تذهبين إلى الجامع ولا تصلين، وأنت لا تذهبين إلى الحج، ولا تصومين، ولا تدفعين الزكاة!
أنتِ لستِ المجتمع – المتعدد الأديان بطبيعته -، بل أنتِ الجهاز الإداري والسياسي والقانوني، الذي ينظم الحياة داخله. ويجب أن تكوني محايدة بأن لا يكون لكِ دين تتبنيه، وتدافعين عنه؛ فدورك حماية الناس لا حماية العقائد. فالدين السماوي لا يحتاج إلى فرضه بقوة القانون، ولا إلى حماية السلطة، فنحن بذلك نشرك بالله، ونتهمه بأنه لا يستطيع حماية كلماته، وتعاليمه!
كما نتهمه بالسلطوية المجحفة، عندما يدعو إلى الإكراه في الدين، ويمنح اتباعه، تخييرنا: أما أن نؤمن بدین ما، أو نباد في طوفان معاصر من التعصب، والعنف، والموت باسمه، وباسم الجهاد في سبيله!
ان سيطرة الدين عليكِ، وعلى كل دولة – كما يقول فولتير ـ، «يضر بالدين ويحط من شأنه؛ لأن قوة الدولة القمعية، تحل محل القوة الروحية للدين، وهي القوة التي يجب أن يظل متمتعاً بها. الدين يجب أن يتجرد من كل سلطان مادي: حكومي، أو قمعي؛ لكي يصل إلى القلوب بقوته الإلهية فحسب».
ـ ولكن الدين حياة الشعوب، هكذا قالت الدولة.
- نعم، أجبت. ثم قلت: ولیس حياة دولة!
هل سمع إنسان، أن الله عاقب اليابان، التي معناها مصدر الشمس، وعلمها الوطني يحمل استدارة الشمس، وما تزال تعرف بأرض الشمس، بأن حجب الشمس عن أرضها؛ لأن شعبها يعتنق البوذية، والشنتوية؟!..
وهل سمع إنسان، بأن روسيا البيضاء، صارت سوداء كالحة؛ لأن مواطنيها عاشوا، في فترة من الفترات، سبعين عاماً في ظل الالحاد، والتنكر لله؟!..
ثم أن هناك فارقاً ـ هذا مقداره ـ بين المؤمن والمتدين: فالمتدین، على تزمته، هو مظهري.. يكتفي بممارسة شكلية في العبادة دون فاعلية الإيمان في قلبه. انه يسمع كلمة الله، ولكنه لا يحاول فهمها، أو تطبيقها في حياته!
أما المؤمن الحقيقي، فهو المدقق في حياته، والذي يقيم العدل والميزان، ولا يبخس الناس سواء كانوا مؤمنين، أو غير مؤمنین.
صمت قليلاً، ريثما استعيد انفاسي اللاهثة، ثم تابعت حديثي، قائلاً: أنا لست بكافر؛ لأنني أدعو إلى العَلْمانية، التي تفصل الدين عن الدولة. فالعَلْمانية، ليست ضد الدين، لكنها تقف على الحياد منه؛ فكفانا من يعتبر نفسه إلهاً أكثر من الله ذاته، الذي يشرق شمسه على الأشرار والأبرار معاً، وبلا محاصصة!
*** *** ***
صمتت الدولة، ولكنها بدت وكأنها تحاول البدء في التفكير فيما قلته!
ولكن ما يزال هناك، من يسألونني: «وهل الدولة تتحدث؟!»..
وأنا أسألهم، بدوري: وهل الأرض «بتتكلم عربي»، كما تقول الأغنية؟!…