بات العالم في يومنا هذا يعيش في حالة من التأزم النفسي والفكري المستمر حتى اثناء ساعات النوم أحيانا. هذه الحالة هي نوع من الحرب الصامتة التي تُشن في داخلنا نتيجة عوامل خارجية متعددة، منها الحروب في بلدنا او في بلدان العالم أجمع، ومنها العامل النفسي المدمّر ساعة نشعر أكثر الأحيان بالخوف وفقدان الامل من جراء الاحباط المتكرر في ايجاد حلول تنقذنا، كبشر، من الدمار الشامل في عالم باتت القيم الانسانية فيه شحيحة إن لم نقل نادرة وبات الجاهل المجرم هو الحاكم بالمصير!
هذه الحالة من التأزم ليست الاولى ولا الاخير. تاريخ الانسانية قائم على حالة الحرب والسلم المتكررة عبر العصور وما تحمله من ظلمات عاشتها الشعوب والحضارات المختلفة التي عرفت الانحدار وحتى الزوال أحيانا، لينبثق منها حضارة جديدة وفلسفة جديدة تولد من صلب الدمار، تتمتّع بفترات من السلم والنعيم لمدة سنين او حتى قرون، ولكن دولاب الزمن يدور دائما ومعه تدور عجلة التوازن ويُكتب التاريخ على وقع هذا التواصل المستمر بين الخير والشر، بين الظلام والنور. هذا العامل الكوني الازلي والذي هو من أُسس النظام الكوني الحي والشامل الكلي.
فكرة هذا الصراع تواجدت في جميع الحضارات دون أستثناء، في الميثولوجيا وآلهتها، في الادب والقصص الشعبية، المنظمات السرية والديانات، المناهج الفكرية والثقافية. عاملان مختلفان مكملان. الواحد لا يتواجد دون الاخر. انه النظام الذي يسيّر هذا الكون وما يحويه. هكذا هي طبيعة الانسان ايضا التي تتفاعل مع هذا الكون مدى الحياة ومن الممكن انها تتواصل بعد الحياة في مدار أبعد من ادراكنا الارضي. انه مبدأ السلبي والايجابي للطاقة والانسان هو هذه الطاقة الدائمة التواصل كليا بالطاقة المحيطة بها وبالكون الشاسع. هذا المبدأ هو الذي يخلق حب الحياة والتفاني فيها. هو الذي يخلق الامل بالحياة وسط الموت. يتواجد الخير والشر سواء في طبيعة هذا الانسان، يتعايشان ويتحركان وفق ميوله وقراراته. هذا الانسان ذاته، هو وحده من يتخذ قراره في أية دفّة يرجّح، هل سيتبع الخير ام الشر وسط تحدياته اليومية… قرار هو الاهم لا بل هو الهدف من خلال تواجده بالذات. خيارٌ يقرر مصيره ونتائجه.
توسعت في هذه المقدمة لكي أصل الى بيت القصيد الا وهو روعة الحياة ساعة نتمكن من رؤية بصيص النور وقد أحاك بنا الظلام الدامس وأطبق على روحنا. ساعة نصل الى حافة الموت، وتُمد لنا يد الشفاء. ساعة العطش المميت تُقدم لنا نقطة الماء الراوية. ساعة الظلم الكلي، يأتينا نور المحبة من حيث لا ندري. ساعة تُمد. اليد المعمّرة وسط الدمار الشامل. ساعة انهيار الاجنحة المتكسرة، تاتي النسور لترفعنا على أجنحتها عاليا نحو نور يداوي جراحنا. هناك في وسط الظلام الحالك، نسمع صوت طفل تغلب على الحياة يصرخ لنا، يذكرنا بطفلنا الداخلي الذي خنق صوته الشر يوما. هذا الشر بحد ذاته هو وراء ولادة النور. أنه يتحدى الانسان وجها لوجه، في أن يتبناه او يحاربه، ولا أقصد هنا بالمحاربة المادية بل الروحية والفكرية. كم من قصص رائعة وخالدة نسمعها عن اناس زرعوا الخير وباتوا ابطال الحياة؟ أنها حقيقة تجعلنا لا نفقد الأمل في الإنسان في هذه الدنيا، وتثبت لنا دائما أن الخير يتواجد دائما مع كل شر نواجهه لا بل يتضاعف في سعيه الشافي. ننظر حولنا بتمعن وسنرى انه في كل لحظة يولد فيها الشر، يولد معه الخير مندفعا في نشر نوره حولنا وأنقاذنا من غياهب الظلام. أهل الخير هؤلاء، ينثرون الفرح والامل في هوائنا. يعطون للحياة اسمى معانيها. شعلتهم لا يبخلون بها بل يشاركونها مع كل من يتواجد في سبيلهم . نورهم لا لون له، لا طائفة ولا انتماء. أنه النور الكوني الذي يولد في أعماق الروح التي تحررت من قيود الشهوات والمادة والقوانين المزيفة.
إنها طبيعة الروح المعلقة بين الشر والخير والتي تملك الحرية الكاملة في الاختيار. إنه التحدي الاكبر لنا يوم نولد وعلى أساسه نرسم الطريق، والطريق لا نهاية لها بل تتلون وفق اختياراتنا. هذا الكون البديع يتملك حكمته التي لا يعلوها حكمة. رسل الخير يتواجدون أكثر حيث الشر يستعر أكثر. أنهم بصيص النور حيث الظلام الدامس. أنها رقصة الحياة المستمرة والمتناسقة كليا بين الخير والشر، والا كيف سيتم التعادل الكوني وتستمر الحياة؟
طوبى لأهل النور فلهم الحياة الابدية!