بقلم: ابراهيم شير
بصورة مفاجئة ودون سابق إنذار، وعلى عكس سير التّيار، قامت قناة MBC بإنتاج حلقات لبرنامج “السّطر الأوسط” للحديث عن “سجن تدمر” في سوريا، مستضيفة أحد المعتقلين السّابقين داخله، الذي خرج للحديث عن الفظائع والأهوال فيه، وهو بجسد معافى ليس عليه أي علامة من علامات الإعاقة نتيجة ما أسماه “التّعذيب الوحشي” في السّجن، فهو تحدّث عن رمي الأشخاص من ارتفاعات تتجاوز الخمسة أمتار، وضربهم على ظهورهم، وغيرها من صنوف التّعذيب التي أقلّ ماتحدثه إعاقة جسديّة ترافق الشّخص إلى الأبد، على الأقل في يديه أو ظهره أو رجليه.
المعتقل السّابق في “سجن تدمر” تحدّث عن صنوف تعذيب من المستحيل أن توجد، أو أن يتحمّلها أحد، أو أن تكون حقيقيّة حتّى، مثل قوله: “إنّ السّجين يتعرّضُ ل500 جلدة بصفة دوريّة بوساطة حزام محرّك الدّبابة”. وهنا أتساءل هل هناك جِسم في العالم يتحمّل هذا العدد بوساطة هكذا حزام؟ ثم يتحدّث عن الإعدامات وحوادث القتل التي قال إنّها يوميّاً تحدثُ هناك، أي بين 13و 20 حالة وفاة، وأنا هنا سوف آخذُ رقماً وسطيّاً بينهما وأفترض جدلاً أنّه يوميّاً يموت عشرة فقط، جرّاء هذه الأفعال وسوف أضرب رقم عشرة بثلاثين يومًا وهو عدد أيام الشّهر، ليخرج معنا رقم 300 قتيل وهذا الرّقم سوف أضربه بعدد أيام السّنة وهو 365 يومًا، ليكون الرقم 106800 أي مئة وستة آلاف وثمانمئة قتيل في السّنة الواحدة، رغم أنّ هذا المعتقَل نفسه قال إن عدد القتلى في سجن تدمر هو 40 ألفًا فقط! وهنا يناقض نفسه بصورة مباشرة.
وعند نقطة الضّحايا والموتى في السّجون السوريّة يجب أن أكون دقيقاً، وعلى الجميع أن يعرف بأنّ الدّولة السّورية حريصةٌ كلّ الحرص على حياة السّجناء لاسيّما “السّياسيين” لديها، والدّليل على ذلك أنّ هذا المعتقل وغيره قد خرجوا من سجن تدمر سالمين حتّى بعد عقد أو عقدين، ولو كانت ثقافة القتل موجودة في عقل العساكر والضّباط في فروع الأمن والسّجون لكان المتطرفين أول القتلى في السّجون، لكنّها ليست مع هذه الأعمال بل مع سياسة تغييبهم عن الصّورة والمشهد العام، بغية حفظ الاستقرار والسّلم الأهلي في المجتمع السوري.
المعتقل السّابق خرج بمقابلته هذه من “فرنسا” التي أوجدت سجن تدمر، وارتكبت المجازر سواء بحق أبناء الشّعب السّوري أو الجزائريّ، الذي استخدمت معه سياسة الأرض المحروقة، واغتصبت وقتلت وشرّدت الملايين منهم، فعدد ضحايا الاستعمار الفرنسي هو خمسة ملايين قتيل، وهو رقم أعلنه الرّئيس “عبد المجيد تبون”، وفرنسا هي من استخدمت الشّعب الجزائري مثل: “فئران التّجارب” بخصوص اختباراتها النّووية، حيث أجرت 17 تجربة نووية تحت وفوق الصّحراء الجزائرية بين عامي 1960 و1966، التي تسبّبت بمقتل عشرات الآلاف وإحداث عاهات مستدامة للملايين، بسبب الإشعاعات النّووية التي لا تزال تلوّث المكان حتى اليوم، ولاتزال “باريس” ترفض تسليم خرائط دفن النّفايات النّووية إلى الجزائر. وذلك إلى جانب أنها لا تزال تحتفظ برؤوس المقاومين الفرنسيين في متحفها متفاخرةً بذلك.
أمّا “الولايات المتحدة” التي تفرض حصار قيصر على سوريا بذريعة الوضع الإنساني والحقوقي للمعتقلين، فهي أكبر من ينتهك الحريات ولمن يريد أن يعرف أكثر عن جرائم واشنطن بحقّهم فليذهب إلى “اليوتيوب”، ويتابع حلقات برنامج “الصّندوق الأسود” مع المعتقل السابق في “غونتانامو” الكويتي فايز الكندري، الذي يروي قصصًا مؤلمة جدّاً تشمل تعرية السّجناء لساعات في الشتاء، وضربهم ومنعهم من الطّعام والشراب، وإهانة معتقداتهم الدّينية، وحتّى رائحة المعطر ممنوعة عنهم، أمّا المحاكمات فهي ترفٌ ليست من حقوقهم، ولا يستطيعون السّؤال عنها. أمّا سجن أبو غريب في العراق فإنّ الانتهاكات الأميركية لاتزال شاهدة على أجساد المعتقلين الذين تمّت معاملتهم كالحيوانات واغتصاب جزء آخر منهم، فالمعتقلات الأميركية هي عبارة عن معسكر تجنيد إرهابي، والدّليل على ذلك قادة داعش وعلى رأسهم “أبو بكر البغدادي” الذي كان معتقلًا في سجن بوكا في الفلوجة عام 2004 عندما كان السجن خاضعًا لسيطرة قوّات الاحتلال الأميركية.
أمّا السّعودية فسجلّها في ملفّ حقوق الإنسان مشرّف للحقيقة، و”جمال خاشقجي” وجسده الذي أصبح في مجاري اسطنبول شاهد على ذلك، إضافة إلى آلاف المعتقلين والمعتقلات داخل السّجون السعوديّة، منهم من مات نتيجة التّعذيب وسوء الطّبابة مثل: عبد الله الحامد، وزهير علي شريدة، إلى جانب مئات الآلاف من المعتقلين العرب والأجانب، منهم الفلسطيني “محمد الخضري” الرّجل السّبعيني الذي يعاني من أمراض مستعصية.
في النّهاية السجون ليست أماكن للنّزهة أو حدائق خلّابة، بل هي مراكز وجدت للحفاظ على المجتمع، وسوريا مثل كل دول العالم لديها معتقلات وسجون وربما يتوفى الله أحد المعتقلين فيها، لكن الدّولة السّوريّة لا تخفي ذلك، وتسلّم أهله جثّته والأوراق اللازمة، حيث يستطيع الأهالي تشريح جثّة ابنهم ليعلموا إن مات نتيجة التّعذيب أو نتيجة القضاء والقدر. وسوريا عكس كل الدّول المحيطة بها سواء نظام “صدام حسين” في العراق سابقاً أو “أردوغان” في تركيا، فهي دولة المعتقل فيها لا يذهب للموت بل يخرج ولو بعد حين، أمّا تلك الدول فإنّه منذ اللحظة الأولى لدخوله يسلّم روحه للسّجّان ليموت بعدها بفترة وجيزة.
يبدو أنّ هناك تيارًا في السّعودية لا يزال يكابر ويعارض فكرة عودة الرياض للحوار مع دمشق والتي لن تكون بعيدة، لذلك حاول توتير الأجواء أكثر بهدف إبعاد هذه اللحظة، وربما يكون أحد أبرز قادة هذا التّيار هو “بندر بن سلطان”، الذي فشل في سوريا فكانت هي طريقه نحو تقاعده المبكّر.