قصة بقلم: امل بشرى
بحضرة الشيطان يصبح الحب غريبا والموت حبيبا؛ يلبس الجمال ثياب القبح؛ وتلبس الحياة ثياب الموت؛ أحسست وأنا أنظر إليها بالموت يخيم فوق رأسي؛ رأيت قبرا يفتح أبوابه ويستقبلني؛ رأيت الدنيا مجرد مقبرة.
دق الباب؛ قامت لتفتح؛ سمعت أصوات نساء خارج الصالون؛ أثار انتباهي صوت امرأة ناداها باسم سدف؛ صوت مخالف للصوت الأول لامرأة أيضا ناداها باسم سدف؛ هذا الاسم يناسبها جدا فهو مرادف الظلام وهي عن النور أبعد وللعتمة أقرب.
عادت سدف للصالون تتبعها النساء واحدة تلو الأخرى؛ امرأة طويلة القامة بها بدانة؛ ببداية الخمسينات محجبة قدمت نفسها باسم ليل؛ وقدمت لي باسم ميرا شابة بأواسط العشرينات غير محجبة؛ بدينة؛ كلها كتلة واحدة؛ ترتدي لباسا ضيقا يظهرها ككرة كبيرة الحجم؛ كل شيء بها مستدير.
وامرأة بأواخر الأربعينات كأنها رجل بثياب امرأة؛ قسمات وجهها خشنة وملامحها أقرب للرجال منها للنساء؛ إذا نظرت إليها من الخلف ظننتها رجل وإذا نظرت إليها من الأمام ظننتها رجل أيضا وإذا حدقت بها جيدا عرفت أنها يوما ما ربما كانت امرأة؛ قدمت نفسها باسم عائنة؛ ترتدي لباسا قصيرا؛ وبوجهها ألوان كثيرة؛ منظرها لا يتلاءم مع منظر أختيها المحجبتين؛ وقدمت لي ابنتها بأوائل العشرينات باسم نائلة؛ قصيرة القامة؛ ترتدي لباسا قصيرا وتضع ألوانا كثيرة بوجهها أيضا.
جلست النساء كلهن واحدة بجانب الأخرى أمامي؛ سألت نفسي من هن؟ نظرت إليهن جيدا؛ بهن شبه؛ المرأتين الكبيرتين أخوات سدف والشابتين بنتاهما.
الرجل كان يتكلم كثيرا عن سدف لدرجة أنني لم أعر اهتماما أن غير سدف توجد ست نساء؛ أربعة يجلسن أمامي بجانب سدف واثنتين لم أرهما بعد.
نظراتهن قاسية؛ ينظرن إلى بشكل أربكني؛ مرت لحظة ثقيلة من صمت وأخيرا تكلمت أكبرهن سنا أو صرخت؛ تكلمت بصوت مرتفع جدا لدرجة أنني خلت أنها تنهرني؛ بعد برهة علمت أن هاته نبرة صوتها العادية؛ قالت:
أنت إذا من خطفت قلبه؟ يتكلم عنك كأنه يحبك
تكلمت إبنتها ميرا: ربما سحرته؟
أجابتها
عيب يا بنت
لماذا عيب؛ أول مرة أراه معجب بامرأة بهذا الشكل؛ أليس هذا سحر؛ ثم نظرت إلي وقالت
لو لم يكن خالي لتزوجته
لم تقل لها أمها عيب هاته المرة بل إرتسمت إبتسامة على شفتيها.
تكلمت عائنة أو صرخت أيضا؛ وهي تنظر إلي:
أنذهب إلى مقهى ميمون يوما ما أنا وأنت سمعت أن بها نوعا جيدا من الخمرة
لم أفهم لماذا تلفظت بهذه الكلمات؟ نظرت إليها واحمر وجهي؛ وجهت لي نظرة استغراب وقالت:
لا تقولي انك لا تشربين؟
أنا فعلا لا أشرب
وستقولين إنك تصلين وتصومين ومن المسلمين
نعم أنا من المسلمين؛ أصلي وأصوم
وأنا صدقتك
تكلمت ابنتها عائنة وسألتني:
لماذا لست بدينة وأنت بهذا العمر؟
لا أعرف ماذا أقول لك
قولي إنك {مسمومة}
قالت لها أمها:
عيب يا بنت
طريقة كلامهن؛ نظراتهن؛ غمزاتهن؛ لمزاتهن؛ كل هذا غريب عني؛ عالمهن غريب عن عالمي؛ لأول مرة بحياتي أعجز عن الرد؛ لم أفهم لماذا تكلمنني بهذا الأسلوب.
أردت أن أخرج من ذلك المكان؛ الحرارة مرتفعة جدا؛ أحسست أنني أجلس بقبر مفتوح بصحبة الموت؛ ترقص على جثتي جنيات تشترك معي بحب رجل؛ أحسست بتلك اللحظة أنني لا أريده؛ أخواته وبنات أخواته مخيفات؛ مرعبات؛ لن أستطيع التعامل معهن.
فكرت أن أغادر المكان بدون عودة؛ ثم نبض قلبي ذلك النبض الذي يتوقف معه العقل ويصبح به القلب صاحب القرار؛ قررت أن أنتظر عودته من الصلاة التي طالت؛ نظرت إلى علبة الشكولاتة وقلت لهن:
تفضلن
أجبن بصوت واحد
لا نأكل الشكولاتة
قالت عائنة:
كليها أنت
أكلت منها
أنت صنعتها؟
لا نصنع الشكولاتة؛ نشتريها
أمتأكدة؟ شكلها من صنع يديك؛ أتعلمين حتى لو أكلنا منها لن يصيبنا مكروه؛ لأننا من أل البيت وجدنا محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام يحمينا
ولماذا يصيبكن مكروه من أكل الشكولاتة؟
تكلمت ليل
قلنا لك لا نحب الشكولاتة
تكلمت ميرا:
يظهر أن خالي أكل من هاته الشوكولاتة
قبل أن أجيب؛ سمعت صوت الرجل؛ التفتت؛ كان واقفا بباب الصالون؛ قال:
لا لم أكل منها
نظر إلي وقال
لنذهب
وقفن كلهن مرة واحدة؛ أخذتني ليل بالحضن وقالت
والله انفتح قلبي لك؛ أنت جميلة وطيبة؛ يظهر أنك ابنة عائلة محترمة وخفضت صوتها وقالت وخطيرة.
أخذتني عائنة بالحضن؛ وقالت
أحببتك كثيرا لا بد أن تأتي لتقضي ليلة معنا بالبيت
لم أفهم ما يجري؛ أخذني الذهول؛ لم أفهم شيئا؛ لم أتكلم؛ فقط خرجت.
لم أنطق بكلمة منذ غادرتهن؛ جلست بالسيارة وصمتت؛ تكلم الرجل
ما بك؟
لا شيء
لن تذهبي إلى بيتك قبل أن تقولي ما بك
قلت لك لا شيء
أنا سأقول لك ما بك
غير الرجل اتجاه السيارة؛ توقف أمام مقهى؛ جلسنا بالمقهى وتكلم:
أتحبينني؟
نعم
إذن إصبري؛ حاولي التعامل معهن حينما تقابليهن؛ سنعيش أنا وأنت ببيت وحدنا؛ وأعدك بان تكون حياتنا جميلة جدا؛ أنا أعشقك؛ أهواك؛ وسأفعل كل جهدي لإسعادك؛ ساعديني
بماذا؟
فقط إصبري حين تقابليهن؛ أعتقد أنني أستحق أن تصبري؛ إفعلي ذلك من أجلي
أنت الأن تعيش مع سدف؛ لن تتركك ترحل
اشتريت بيتا بمكان نائي حتى تعجز سدف عن العيش معي؛ ثقي بي؛ ستظل هي بالبيت القديم وسأعيش أنا وأنت بالبيت الجديد وحدنا
أخواتك وبنات أخواتك مخيفات
أخذ يدي بين يديه وقبلها؛ نظر إلي؛ بكى؛ دموعه كانت كخنجر يمزق قلبي؛ نعم أحبه؛ أريده؛ هذا الرجل يعجبني وأنا له عاشقة محبة.
عدت إلى بيتي؛ كلمت أمي؛ قالت لي عالمهم بعيد كل البعد عن عالمنا؛ القرار لك؛ ثم قالت؛ إن كنت من أهل الدنيا ستعيشين
يتبع…