قصة بقلم: امل بشرى
قيل لي عنها كلام كثير؛ قيل إن بها شيء من الله؛ وجهها به نور من السماء؛ كأنها ملك؛ تقضي ليلها بالقيام ونهارها بالصيام؛ وكلامها حمد وشكر للرحمان؛ وعلاقتها بإخوتها من ذرية أدم عطف وحنان؛ قلبها ملئ بالرحمة والسلام؛ وعينيها تملؤهما دموع الحب لخالق الأكوان.
تكلم عنها رجل بصوت دافئ؛ وكلما تكلم عنها أشرق محياه وتوردت خدوده؛ ورقصت إبتسامة على شفتيه؛ قال عنها أن بها بركة من الإله؛ كلما نامت اتتها رؤيا من السماء؛ ترى بمنامها مصائر الناس؛ هي لا تنام كثيرا؛ فأغلب ليلها قيام؛ لكن على الجسد الامتثال لحكم الراحة؛ وللنوم على البشر سلطان وإن قال عنها الرجل أنها ملك أكثر منها بشر إلا أن قانونا يحكم البشر من المهد الى اللحد يطبق عليها أيضا لا نها فقط إنسان؛ فإن قضت معظم الليل بالقيام؛ تسلل إليها النوم منفذا قانون الخالق على الخلق وأسدل جفونها بمشوار الموت المؤقت …. النوم.
وهي نائمة؛ يأتيها ملك من السماء برؤيا الحق؛ وتستيقظ وتخبر الرجل بما سيحدث بمستقبل حياته ومستقبل من لهم علاقة به؛ والرجل يصدقها؛ ويأخذ قراراته بحياته وحياة من لهم علاقة به بناء على ما رأت سدف بالمنام.
كلمني عنها الرجل بحب وحنان؛ وللحظة تخيلت أنها حبيبته؛ ثم تذكرت أنني أنا حبيبته لكنها هي أيضا حبيبته فهي أخته.
قتل أبوهما وهما طفلين؛ فلم تعرف من جنس الذكور أبا وأخا وحبيبا إلا ذكر هو لها أخ بحكم الطبيعة؛ فتعلقت به تعلقا غريبا؛ لم تفترق عنه ولا لحظة بحياتها؛ كانا طفلين؛ كبرا؛ وظلت معه بتفاصيل كل يوم من أيامه. لكن حان وقت يجب أن تكون معه امرأة غيرها بتفاصيل أيامه.
و إن كانت سدف تطبخ لأخيها؛ تغسل له ملابسه؛ تبتسم بوجه؛ تمسح دموعه لأنه يبكي كثيرا و هو وحده يعلم لماذا يبكي؛ تواسيه و تحبه؛ لكن الله حرم عليها أن تلبي له شهوة الرجل بالمرأة؛ و إن كان لها حبيبا فهو أخوها و الله قال بكتابه العزيز { حرمت عليكم أخواتكم} و هو يعلم ذلك و هي أيضا تعلم ذلك فهي تقضي الليل بالقيام و النهار بالصيام؛ و امتثلت لقول الله السلام ووضعت الحجاب و عمرها ستة و ثلاثون عاما؛ و حين وضعت الحجاب علمت أن المحجبة تصلي فصلت؛ و أخبروها أن صلاة الليل تكشف عن القائم حجاب الغيب فقامت الليل و فعلا حين تنام يكشف عنها حجاب الغيب و ترى مصائر الخلق ترى ماضيهم و حاضرهم و مستقبلهم. هذا ما قالته هي للرجل وصدقه الرجل.
يحبها الرجل كثيرا؛ يعيشان معا بييت واحد؛ هو وهي؛ ما إشتهاه الرجل تلبيه سدف؛ أكل؛ شرب؛ تنظيف ملابس؛ تسأله أين يذهب؛ تتصل به لتطمئن عليه حين يتأخر بالعمل؛ تدعو له بالخير؛ تمسح دموعه؛ كل ما يحتاجه الرجل كان بإمكانها أن تلبيه إلا شهوة الجسد؛ عجزت عن تلبيتها؛ فأتاني الرجل؛ طلبني للزواج؛ ووافقت.
قبلي أتى الرجل ثلاث نساء؛ طلبهن للزواج؛ وواقفن؛ والنساء الثلاث؛ كان بهن شيء من الشيطان رأت سدف ذلك بالمنام فقالت إنهن من نسل إبليس؛ فكانت منهن عاهرة؛ وغادرة وساحرة؛ ثريا تحس بخطوات الشيطان حين يقترب من أخيها؛ قالت له أن النساء الثلاث بعيونهن بريق من الجحيم؛ وعليهن لعنة الله؛ فغادرهن الرجل؛ غادر الأولى وأتى الثانية وغادر الثانية وأتى الثالثة وغادر الثالثة وأتاني.
وهو يأتي كل امرأة من النساء؛ كان يدعو الله أن تكون لأخته شبيهة؛ خفق قلبه حين راني؛ تحرك به حنين الرجل للمرأة؛ طغى شوق الذكر للأنثى على كل أحاسيسه؛ ونسي للحظة أنه لا يحتاج امرأة الا هنيهات من أيامه؛ فوقت الشهوة قصير؛ وله امرأة رافقته منذ الطفولة ليس بأيامه مكان لامرأة أخرى بوجودها.
كان حين يراني يفرح؛ وحين يغادرني يحزن؛ قال لي أنني كل ما حلم به وأراده من النساء؛ أحسست أنه صادق؛ أخبرني أن النساء الثلاث اللواتي أتاهن قبلي كان بهن شيء من الشيطان؛ وأن بي أنا شيء من الله.
أخذني لأقابل رفيقة أيامه؛ أخته؛ وأنا أدخل بيتها؛ شممت رائحة البخور؛ رائحة قوية جدا خنقتني؛ كانت بيدي علبة شكولاتة؛ فأنا أول مرة أراها وتعودت أن أخذ معي وردا أو شكولاتة بأول زيارة؛ رائحة البخور جعلتني أحس أن علبة الشكولاتة لا مكان لها بهذا البيت.
جلست بالصالون؛ لسبب ما كان قلبي يخفق بشدة؛ كانت بي لهفة لرؤية ذلك الملك؛ سمعت خطوات تقترب؛ نظرت بانتباه للباب؛ دخلت امرأة؛ جسمها مغطى بلباس؛ قصيرة القامة؛ على لباسها من جهة الصدر بقع دسم؛ كأنها كانت تعد الطعام وتناثرت قطرات من المرق على لباسها؛ نظرت لوجهها وأنا أتوقع نورا متلألئا؛ رأيت عيناي تحدقان بي؛ بهما بريق غريب؛ انتابتني الحيرة من ذلك البريق؛ قال عنها أخوها أن بها شيء من الله.
ازداد خفقان قلبي؛ وقفت؛ سلمت عليها؛ أخذتني بالحضن؛ أحسست بالحر؛ ازداد خفقان قلبي؛ رائحة البخور مختلطة برائحة الأكل تفوح من ملابسها؛ اختنقت بالرائحة؛ ابتعدت قليلا؛ وقفت أمامها مباشرة كانت بي رغبة أن أنظر لعينيها عن قرب.
حدقت بعينيها؛ لم أر نورا؛ ولم أر شيئا من الله؛ حدقت أكثر؛ إزداد خفقان قلبي؛ حدقت أكثر وأكثر؛ أحسست بالخوف والفزع؛ ذلك الخوف الذي ينتاب الإنسان من مجهول؛ حينما يكون جالسا وحده؛ ويحس بحركة؛ يسمع صوتا؛ يقلب عينيه بالمكان؛ لا يرى بالمكان إلا نفسه؛ لكن صوتا يزلزل أعماقه يخبره أن بالمكان مخلوقا غير مرئيا له.
تذكرت حكايات الجن الذي يجلس بالحمام؛ وحين يدخل أحد الحمام ينزعج الجن ويمكن أن يؤذيه؛ تذكرت حكايات الجن العاشق؛ حكايات كثيرة نسمعها عن الجن ولا نعرف هل هي حقيقة أم فقط نسج خيال قوم تركوا الله وعبدوا الشيطان؛ لا يمكننا أن نعرف هل الجن فعلا يجلس مثلا بالحمام؛ فنحن لا نرى الجن لكنني أراها؛ هي أمامي؛ وما هذا الإحساس بداخلي؟ حدقت أكثر وأكثر بعينيها؛ قال عنها أخوها أن بها شيء من الله.
االله يمنح إحساسا بالطمأنينة والسلام؛ لكنني أحس بالفزع والخوف؛ حدقت بعينيها أكثر وأكثر؛ وأنا أنظر إليها تذكرت مرة أخرى حكايات الجن؛ رأيت تلك الحكايات بوجهها؛ ركزت بعينيها؛ فأحسست إحساسا غريبا؛ أحسست أنني ……………………………. بحضرة الشيطان.
دعتني للجلوس؛ جلست.
نظرت إلي وقالت: مرحبا بك.
خفت منها؛ من نظراتها؛ من شكلها؛ الحرارة كانت مرتفعة جدا بالمكان؛ النوافذ مغلقة؛ رائحة البخور مختلطة برائحة الأكل؛ تسابيح معلقة على الحيطان؛ أوراق ملصقة بأركان الجدران؛ بوجهها إبتسامة غريبة؛ تنظر إلى محدقة.
دعوتها لأكل الشكولاتة؛ قالت إنها لا تحبها وطلبت مني أن أكلها أنا؛ أنا أحب الشكولاتة كثيرا؛ أكلت.
هي امرأة لا تتكلم كثيرا؛ تنظر وبعينيها دموع؛ أخوها يقول إنها حساسة كثيرا وهي تقول إنها امرأة متخشعه؛ كلما تذكرت الموت بكت؛ لا أعرف لماذا تتذكر الموت وعذاب القبر كثيرا وتخاف من جهنم؛ أليس بها شيء من الله؟ إذن ستذهب إلى الجنة.
دخل أخوها الصالون؛ كان بالخارج؛ قال إنه يريد أن يفسح لي مجالا أن أقضي معها برهة من الزمن وحدي لأتعرف بها؛ وجدنا صامتتين؛ نظر إليها وبعينيه دموع هو أيضا؛ سألها ما رأيك؟
بماذا؟
بها؟
أصليت العصر؟
ليس بعد
ويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون؛ اذهب للصلاة.
خرج الرجل من الصالون.
سألتني:
أتصلين؟
نعم
نظرت إلى ولم تتكلم؛ وجدت نفسي أحدق بعينيها مرة أخرى؛ هاته المرة رأيت الشيطان؛ نعم رأيته بعينيها؛ وكما ترى هي؛ رأيت أنا قصة تبتدأ؛ قصة رجل وسبع نساء وامرأة وشرذمة من الجن والعفاريت و………………………… قبر. رأيت بعينيها الخراب؛ الدمار؛ العنف؛ السحر؛ الشعوذة؛ رأيت الكذب على الله وباسم الله؛ رأيت الجن والعفاريت؛ رأيت قبسا من سعير الجحيم؛ فكيف لي أن أرى الجنة وأنا بحضرة الشيطان.
يتبع…