بقلم: شريف رفعت
الفصل الثاني:
ملخص ما سبق
قابلت السيد برنابي في المنتجع الإيطالي الصغير الذي اعتدت أن أمضي به عطلاتي الصيفية. علمت منه أنه أمريكي و أنه أمضى ثلاثة أشهر في نفس الفندق الذي أقيم به. جرنا الحديث إلى سيدة أمريكية تحمل نفس الاسم و أصبحت أخيرا نجمة المجتمع اللندني الراقي. السيدة برنابي _ و التي أنكر صديقي الجديد أنه يعرفها ـ تقيم حفلات عشاء للطبقة الراقية اللندنية و تحكي لهم فيها عن مغامراتها هي و زوجها في الغرب الأمريكي. حكاياتها تتسم بالإثارة و تحوز أقصى إعجاب مستمعيها.
اليوم التالي بعد الإفطار في شرفة الفندق ذَكـَـرت برنابي بوعده لي أن يريني كتبه.
قال:ـ تعالى معي الآن.
ذهبت معه لحجرته حيث كان جـوزيبو خادم الفندق هناك يرتب الفراش، أول شيء جذب انتباهي في الحجرة كان صورة في إطار فخم للسيدة برنابي الشهيرة، صديقي لاحظ الصورة أيضا، عندها شحب وجهه غضبا و صاح بجوزيبو:
ـ أيها الغبي، لماذا أخذت هذه الصورة من دولابي؟ لماذا بحق الشيطان لم تدرك إني وضعتها في الدولاب بنفسي؟
ـ لا أدري سنيور، لقد وضعتها على منضدتك، لقد ظننت أنك تحب أن ترى صورة سنيوريتك.
كانت دهشتي صادمة، صرخت فيه:
ـ هل السيدة برنابي التي حدثتك عنها هي زوجتك؟
ـ نعم هي زوجتي.
ـ يا إلاهي هل أنت مايك قاتل الاثنين بطلقة واحدة؟
ـ هل يبدو هذا من منظري؟
أخذت أضحك و رددت: مضطر أن أقول لا.
نظرت ليديه، ابتسم ابتسامة ساخرة و فرد يديه أمامي ثم استطرد:
ـ لا، لم يحدث أبدا أني صرعت ثورا بلكمة من هذين اليدين.
للحظة نظرنا لبعض في صمت، أضاف هو متألما:
ـ هي لن تغفر لي أبدا، لقد طلبت مني أن أتخذ اسم آخر، و عندما رفضت غضبت مني، قالت أنه ليس من الحيطة أن أحتفظ باسمي الحقيقي، أجبتها: يكفي أنني مختبيئ في هذه القرية المعزولة لمدة ثلاثة أشهر، لكن فلتصيبني اللعنة إذا غيرت إسمي أيضا.
تردد لحظة ثم أكمل: أضع نفسي تحت رحمتك، ليس بيدي عمل شيء غير الثقة في مروءتك ألا تعلن السر الي اكتشفته بالصدفة الغريبة.
ـ سأكون صامتا مثل القبر، لكن لا أفهم حقا ما معنى كل هذا.
ـ أنا مهنتي طبيب، و الثلاثين سنة الماضية عشت أنا و زوجتي في بنسيلفانيا، لا أدري إذا كنت أبدو لك كفتوة لكني أأكد لك أن زوجتي إمرأة غاية في الرقي لا خلاف حول ذلك، هي ثرية جدا لأنها ورثت من إبن عم لها، لقد قَرَأَت كثيرا أدب إنجليزي و كانت رغبتها الملحة أن تقوم باستضافة موسم اجتماعي في لندن تدعو فيه طبقة لندن الراقية و تؤدي لهم كل الأشياء الجميلة الكريمة الفخمة التي قـَـرَأَت عنها في الكتب. لأنها ستمول هذه الرغبة من نقودها فلم أعارض رغم أن الفكرة لم تروق لي، من ناحية أخرى كنت سعيد أنها ستحقق رغبة ملحة لها. لقد أبحرنا من أمريكا في إبريل الماضي، على نفس السفينة كان هناك دوق و دوقة “هرفورد”.
قلت: أعلم ذلك فقد كانا هما من دَشَنا السيدة بارنابي لأول مرة، لقد كانا مفتونان بها، لقد روجا لها بنجاح كما لو كانا جيشا من مندوبي الدعاية.
قال: كنت مريضا عندما أبحرنا، إضطريت للمكوث بحجرتي، زوجتي تركتني كي تعتني بنفسها،مقعدها للإسترخاء على سطح السفينة صادف أن كان بجوار مقعد الدوقة، تحدثا معا و اكتشفت زوجتي أن الانجليز ليس متساهلين بخصوص أصل أصدقاءهم مثل الأمريكان، فإذا كان أحدهم من أصل نبيل سيجعله ذلك غير متسامح مع من أصولهم من طبقة عاملة. زوجتي عندها رغبة ملحة في الفكاهة، حكت لهما عن أحد مغامرات الغرب الأمريكي، و لتجعل القصة أكثر إثارة حكتها كما لو كانت قد حدثت لها، كان نجاح القصة مبهر، الدوقة طلبت حكاية أخرى، و زوجتي لم تبخل و حكت حكاية أكثر إثارة، بعد أربعة و عشرين ساعة كان الدوق و الدوقة مثل خاتم في إصبعها. اعتادت زوجتي خلال ذلك أن تحضر لحجرتي و تخبرني بتطورات علاقتها معهما، بصراحة و بشيء من البراءة وجدت الموضوع مُسَلي حيث لم يكن عندي ما أشغل وقتي به، فاستعرت من مكتبة السفينة كتب تحكي عن مفارقات الغرب الأمريكي، أحداث مثيرة زودتها بها و شكلتها هي بحيث تبدو أحداث شخصية، كنت أتخيل بسرور صدمة أصدقاء زوجتي عندما أظهر أنا في نهاية الرحلة و نخبرهم بحقيقة قصصها. لكن كانت هذه فكرتي أنا أما زوجتي فقد قالت لي قبل وصولنا للشاطيء الإنجليزي بيوم أن الدوقة و الدوق سينظمان حفلات لها في لندن، فالدوقة كانت مجنونة بفكرة تقديمها للمجتمع اللندني الراقي. كانت هذه فرصة نادرة قلما تتاح لزوجتي، و كان ظهوري سيفسد كل ترتيباتها فقد اعترفت لي أنها حكت لهما عني في صورة مختلفة تماما عن الواقع، لم أكن أعلم وقتها أنها حولتني إلى مايك قاتل الاثنين برصاصة واحدة، و استنتجت أنها لم تذكر عن عمد لصديقيها أنني كنت أصلا على السفينة.
كي تنجح خطتها طلبت مني عدم مصاحبتها إلى لندن فذهبت إلى باريس لمدة إسبوعين، لكنها جاءتني هناك و أخبرتني عن نجاحاتها في لندن التي فاقت أفضل أحلامها. لقد كانت حكاياتها أفضل عشر مرات من قصص الغرب الأمريكي التي قرأناها، طلبت مني الاستمرار في عدم الظهور، لكنها خافت أن يراني شخص يعرفني في باريس فاستقرينا على أن أحضر لهذه القرية، و ها أنا ذا فيها منذ ثلاثة أشهر مختبئا مثل مجرم.
ـ معنى هذا أنك لم تقتل المقامرين بإطلاق الرصاص على أحدهما بيمناك و الآخر بيسراك في نفس الوقت.
ـ يا سيدي أنا لم أطلق رصاصة واحدة طول حياتي.
ـ ماذا عن حصار عصابة المكسيكيين لك في الكوخ عندما صمدت أمامهم بينما زوجتك تعمر لك البنادق التي استخدمتها لصدهم حتى وصلت القوات الفيدرالية بعد ثلاثة أيام؟
ابتسم قائلا “هذه جديدة علي لم أسمعها من قبل، إنها سخيفة بعض الشيء”.
رددت: سخيفة؟ إنها في جودة أي فيلم كاوبوي عن الغرب الأمريكي المتوحش.
ـ أرى أن زوجتي جاءتها هذه الفكرة من هذا النوع من الأفلام.
ـ لكن موضوع حوض الغسيل الذي استخدمته كما حكت لغسل ملابس عمال المنجم و اختبأت داخله لتتقي طلقات الرصاص في احد المواجهات مع اللصوص، قد لا تعرف كيف حازت زوجتك على إعجابنا بهذه القصة. لقد بلغت درجة عالية من الحرفية القصصية و حازت إعجاب رائع من خلال الإبحار في بحر المجتمع اللندني الراقي داخل حوض الغسيل هذا.
ثم بدأت في الضحك و أضفت:
ـ لقد جعلتنا كلنا نبدو في منتهى الحماقة بتصديقنا لحكاياتها.
ـ لقد جعلتني أنا أبدو كأحمق، ألا توافقني؟
أجبت: إنها إمرأة رائعة، عندك حق أن تفخر بها، لقد وصفتها انا من قبل بأنها لا تقدر بثمن، لقد أدْرَكَت الرغبة في الرومانسية التي تملأ قلوب الإنجليز و أعطتنا بالضبط ما نبحث عنه. أنا لن أخون سرها بأي ثمن.
ـ كل هذا جميل بالنسبة لك يا سيدي، لندن قد تكون كسبت سيدة مجتمع رائعة، لكني بدأت أشعر بأني قد خسرت زوجة صالحة.
رددت: المكان الوحيد لمايك قاتل الاثنين بطلقة واحدة هو الغرب الأمريكي الواسع يا عزيزي سيد بارنابي. هناك حل واحد متاح لك الآن هو أن تستمر في إختفاءك.
قال: أنا شاكر جدا على فضلك و نصيحتك.
أعتقد أنه قالها و في صوته الكثير من الألم.