بقلم: أسماء أبو بكر
قد يتساءل البعض عن سبب اختيار القيادة السياسية جامعة القاهرة؛ لتحتضن فعاليات المؤتمر الوطني السادس للشباب عام 2018 بتشريف السيد رئيس الجمهورية “عبد الفتاح السيسي”،فجاء الاختيار بأعظم محراب علمٍ في مصرنا العظيمة “جامعة القاهرة”، محتضنة في محرابها كوكبة فاخرة من شباب مصر العظيم، هنا في هذا المنبر العريق “جامعة القاهرة” والامتداد لجامعة “هليوبوليس” التي كانت قبلة العلم في العالم القديم، هنا جامعة الملك فؤاد الأول، والتى كانت تُعرف قديمًا “ثمرة كفاح الحركة الوطنية المصرية” أوائل القرن العشرين، والتى أدركت أنّ الاستقلال ليس بتحرير الأرض، وإنّما بتحرير الشخصية المصرية العربية.
هنا جامعة العالمة المصرية “فاطمة إسماعيل”، والتي وهبت لها الأرض إيمانًا بأنْ يكون لمصر جامعة، ومن هذا المنبر العريق تواصل الزعيم الراحل “جمال عبد الناصر” مع مصر وشعبها بعد ثورة 23يوليو 1952، ومن جامعة القاهره تخرج الرئيس الفلسطينى ياسر عرفات، والرئيس العراقي صدام حسين، وأدبينا المصري الكبير نجيب محفوظ، والعالم الكبير الدكتور مجدى يعقوب، والعالم الجليل مصطفي مشرفه، والفيلسوف والمؤلف المصري زكى نجيب محمود، وعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، والصحفي والمفكر المصرى البارز محمد حسنين هيكل، والدكتور محمد عثمان الخشت والعديد من الأدباء والمفكرين والزعماء، والرؤساء العرب؛ مما جعل جامعة القاهرة تمثل أهم مراكز العلم والتنوير في عالمنا العربي الحديث، وتعتبر كذلك منبر العلم والحكمة للأمه المصرية، وصوتها الوطني الشادى بالمعرفة والثقافة على مدار تاريخها، رمزًا للعلم والوطنية، وإحدى القلاع العلمية الشامخة التي نفتخر جميعًا ونعتز بوجودنا بها؛ فقد أنجبت جامعة القاهرة الرائدة نخبة من الشخصيات العالمية المؤثرة الذين حملوا مشاعل التنوير، ليس في مصر فقط!! بل في كل الأقطار العربية الشقيقة.
وأمام هذا التاريخ العريق لجامعة القاهرة، لم يكن هناك أي تردد في اختيارها؛ لتحتضن المؤتمر الوطني السادس للشباب، والذي تضمنت أهم فعالياته مشاركة كبار الخبراء، والعلماء والمفكرين، ونخبة من الشباب المصري الصاعد المتميز؛ لوضع استراتيجية لمنظومة التعليم والصحة، والتحول لدولة رقمية بما يتوافق مع أحدث الأساليب العلمية الحديثة، والتكنولوجيا المعاصرة، ويعد هذا المؤتمر هو السادس الذي شرفه بالحضور السيد رئيس الجمهورية؛ لمناقشته قضايا الدولة والشباب، والرد على تساؤلاتهم،، وهذا ما يعد تقليدًا إيجابيًا -غير مسبوق- للتواصل بين القيادة السياسية والشباب المصري.
وقد جاءت فاعليات المؤتمر تأكيدًا على أهمية العلم وتطوره في مصر، والعمل الوطني، ووضع الإنسان المصري في مقدمة أولويات الدولة، وأنّ صياغة وبناء الإنسان المصري هي أحد أهم محاور العمل في الدولة؛ لأن ذلك يُعتبر أكبر مشروع وطني، ومن أهم وأنجح الاستثمارات وأكثرها إفادة بالدولة، هي بناء الإنسان المنتج الواعي، والمبدع المفكر، وإنّ الارتكاز على هذا النوع من الاستثمار؛ قادر على بناء دولة قوية، ومجتمع متماسك وممتلك لمقومات البقاء، والمساهم في ارتقاء الوطن، بل والحضارة الإنسانية أيضًا.
ومن أهم ما تناوله المؤتمر، بحث سبل وأساليب استعادة الهوية المصرية إلى أصلها، بعد أنْ تعرضت لبعض المؤامرات والفتن؛ للنيل منها تنفيذًا لأجندات وأيدلوجيات مُعَادِيه للأضرار بها، لولا قوة إرادة المصريين، وتصديها لتلك المؤامرات، وعملية صياغة بناء الإنسان المصرى، وتعتبر عملية شاملة في الشكل والمضمون، وتعتمد على التناغم بين البناء الجسدي والمعنوي، والفكري والثقافي من خلال إطلاق استراتيجية شاملة؛ لإصلاح وتطوير منظومة التعليم تتوازى مع البدء في تطبيق منظومة التأمين الصحي المتكامل؛ لتحسين الحالة الصحية العامة لكافة المصريين، لأن الجدوى الإقتصادية متمثلة في رفع مستويات التعليم والصحة، ووعى وثقافة المواطنين المصريين، وذلك يفرق عائدها أي نوع من الاستثمارات؛ لأنّه لا يمكن أنْ ينجح أي نوع آخر من الاستثمارات الصناعية، أو الخدمية؛ إلا بكوادر بشرية مؤهلة لتعليم جيد، وتتمتع برعاية صحية تجعلها أكثر قدرة على العمل والتفوق الدائم؛ للإنتاج.
وكذلك انطلاق البرامج التدريبية بالأكاديمية الوطنية؛ لتدريب وتأهيل الشباب، والتطوير الشامل لمراكز الشباب وقصور الثقافة الجماهيرية، والربط بينهما بممارسة الرياضة، والأنشطة الثقافية والفنية؛ لتصبح المدارس والجامعات مراكز للتعليم ووعي، وشراكة مجتمعية، وأيضًا الاطلاع على مختلف التجارب والأفكار الجديدة، وهذا ما يحصنهم ضد الأفكار المتصلبة؛ فالثقافة والانفتاح الفكري وممارسة الأنشطة الفنية والثقافيه وغيرها، هي الأمصال الحقيقية التي تحمينا من الفكر المنحرف، وأنّ الجامعة لا يقتصر دورها فقط على تحصيل العلم والبحث العلمي، بل يمتد لتكوين الخلفية المعرفية بشكل عام؛ ولتنمية المواهب والابتكار والتميز.
وعلى الجامعات المصرية مهامًا أساسية في بناء الشباب المصري، بأدوات وأبنية، وتدريبات تسهل وتطور التعليم، إلى جانب الأنشطة التي ستصبح الحاضنة الآساسية لهم، وبذلك يتحقق الإبداع، ونشر الوعي والثقافة والتحضر بين الشباب المصري، بدلًا من التلقين والاعتماد على الحفظ دون التفكير؛ لتحقيق الانطلاقة التي نحلم بيها جميعًا، و على الشباب المصري مهامًا أساسية أيضًا في بناء أنفسهم، وذلك من خلال إجهاد نفسه، ومواجهة المتاعب وتجاوزها، وتحمل الصعاب، وأنْ يقبل بأي عمل شريف ومنتج، وأنّ النماذج الشبابية الناجحة المشرّفة التي كرمها الرئيس السيسي في المؤتمر الوطني السادس، فعليًا تؤكد أنّه لا مستحيل لمن يسعى إلى النجاح والتفوق.
فإذًا المبادرة مطلوبة وأنْ يسعى كل شاب مصري؛لإستغلال قدراته ومواهبه ومهاراته في توفير فرصة عمل قد لا تكون في المجال الذي درس فيه، بدليل نجاح مسؤلين كبار في المجال المصرفي، وتخرجوا من الكليات الأدبية ، وآخرين في كثير من المجالات بعيدة عن دراستهم، فالشباب الذين يلتحقون بأعمال ليست في مجال دراستهم؛ إنّهم بحق شباب شرفاء متميزون قادرون على النجاح واستغلال مهارتهم، فهم يستحقون كل التقدير والامتنان، وإنّ المؤتمرات الشبابية، أصبحت منصة فاعلة للتواصل المباشر بين الرئيس والشباب، وإحدى آليات النقاش والتفاعل بين الدولة والمجتمع، ولذلك حرص الرئيس على حضور كل الجلسات، والمداخلات في النقاشات؛ لأن الحوار والنقاش، وتبادل الرؤى؛ يساهم فى إيجاد حلول مُبتكرة للمشكلات، ويخلق مساحات مشتركة تعزز من قوة وتماسك الدولة.
وقد انتهت فعاليات هذا المؤتمر بنجاح، منقطع النظير على كافة الأصعدة المحلية والدولية، ومن أهم ما انتهى إليه من توصيات، إعلان عام 2019 عامًا للتعليم، واطلاق المشروع القومي؛ لتطوير نظام التعليم المصري الجديد، وخصيص 20% من المنح الدراسية خارج وداخل مصر؛ لكوادر التربية والتعليم لمدة 10 سنوات، وإنشاء هيئة اعتماد جودة التعليم الفني والتقني، وفقًا للمعايير الدولية، وأيضًا إنشاء مركز لتدريب المعلمين والمدربين، ومدققين التعليم الفني الجديد، وتكليف رئاسة الوزراء بالتنسيق مع كل الجهات المعنية بالدولة؛ لربط الخطط والمشروعات البحثية بالجامعات المصرية باحتياجات الدولة والمجتمع، وتكليف تلك الجامعات المصرية بإيجاد حلول للمشكلات التي تواجه الدولة، كل فى اختصاصه. وكلف رئاسة الوزراء بالتنسيق مع المجلس الأعلى للجامعات؛ لإنشاء خطة على مستوى الدولة لعودة الأنشطة الرياضية والفنية، والثقافية بالجامعات المصرية، وتوفير الامكانيات اللازمة؛ لتحقيق ذلك، والتنسيق بين جميع الجهات المعنية، وتحت إشراف رئيس الوزراء لإتاحة الفرصة لطلاب المدارس؛ لممارسة الرياضة والأنشطة الثقافية بمراكز الشباب، وقصور الثقافة، وإنشاء حضانات للإبداع والابتكار تحت رعاية المجلس الأعلى للجامعات، ويتم من خلالها توفير الدعم اللازم للمبدعين فى كل المجالات، وتكليف مجلس الوزراء وبالتنسيق مع وزارة الدفاع، بتبني مشروع الهوية لكل محافظة، ويتم دراسته وتنفيذه بخطة شاملة، يتم تقديمها خلال ثلاثة أشهر.
فالشباب هم نصف الحاضر، وكل المستقبل، فلا يمكن بناء المستقبل دون بناء للشباب، فالوسيلة الوحيدة لتحقيق الإصلاح، والتنمية والتغيير؛ تكمن في انطلاق الشباب، والعمل الجاد، والأمل في مستقبل مشرق وأفضل، وعدم الالتفات لا به محاولات من قوى الشر، والإرهاب التي تريد بث روح اليأس والاحباط فيهم؛ لأنهم يدركون تمامًا أنّ الشباب هو قطرة التنمية في الدول، وأنْ نكون على يقين بأنّ حقائق اليوم هي أحلام الأمس وأحلام اليوم هي حقائق الغد وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.