بقلم: عادل عطية
في حدائق: التراب، والنهر، والشمس، الله لا يُزهر الفقر!
وإنما ينشق عن قلوب غير إنسانية، كما ينشق عن الأرض الجرداء، التي بلا زارع، وبلا بذار: الحسك، والزوان، وكل النباتات الفاسدة، والضارة!
لأن هناك من استنكر عاطفته البشرية، وسمح لعاصفة من الأنانية تضرب عالمنا، وقد أعطى كتفاً معانداً، وصلّب رقبته، ولم يُصغ للمعلم الناصري، عندما قال لتلاميذه، في معجزة الشفقة والحب:
«أعطوهم أنتم ليأكلوا»..
«ثم قال لهم، بعد ذلك:
«وأجمعوا الكسر الفاضلة؛ لكي لا يضيع شيء»..
أليس غريباً، أنه بينما الملايين من البشر في بعض الأقطار يتضورون جوعاً، وينتفضون برداً في أطمارهم البالية، افتقار إلى ثمن القوت والكساء، يحدث في الأقطار المجاورة، أن يحرق الفلاحون القمح لزيادته عن الحاجة، ويخفضون المساحة المنزرعة من مناطق القطن!
أليس مدهشاً، أن نرى في أوروبا، مئات الألوف من الفقراء، يحتسون القهوة السخيفة المصنوعة من الأعشاب، مضافاً إليها نكهة تافهة تقليداً للبن؛ لعجزهم دون شرائه، بينما في البرازيل، موطن البن، يحرقونه، وتصدر الحكومة هناك، قانوناً تحرّم فيه زراعته في خلال الأعوام الثلاثة التالية!
وفي هولندا، من وقت قریب، ذُبحت مائة ألف رأس حيوان من التي يؤكل لحمها، وحُرقت. وأطنان من السمك الميت، قُذف بها ثانية إلى البحر، بأيدي الصيادين الذين اصطادوه!
وفي أسبانيا، تركت الفاكهة في كثير من البساتين، حتى سقطت من الأشجار، وتعضّنت تحت ظلالها!
وفي مالايا بجزر الهند الشرقية، سال الكاوتشوك من الأشجار، ومع ذلك مُنع العمال من جمعه!
وفي جزر الهند الغربية، تركت حقول شاسعة من قصب السكر، لم يُسمح لأحد حصادها، حتی يبست!
لا لشيء سوى لإعلاء الهيمنة غير المقدسة، باسم: «علم الاقتصاد السياسي»، وقواعده!
دون أن نقر باتهامات ضمائرنا المزعجة!
ودون أن نخرج من مساكن أجسامنا المرتدية ثياب الأثرة، وننضم إلى ملكوت المحبة، والتواصل، والتعاطف، والعطاء؛ تكريماً لضحايا الفقر المدقع، والعنف، والجوع!…