بقلم : شريف رفعت
لا يدري لماذا إختار الثلاثاء الأول من كل شهر ليقوم بهذه المهمة، لا شك كان إختيارا عشوائيا فلا يوجد شيء خاص مميز في هذا اليوم، مهمة قاسية و سخيفة هي، تمر الأيام و الشهور السنين و لا يستطيع التعود عليها. الثلاثاء الأول من كل شهر حيث يقوم بمهمة ملاك الموت، يخبر مرضاه فاقدي الأمل في الشفاء بحقيقة حالتهم الصحية، بأن الطب و العلم عاجزان على التعامل مع مـَـرَضِهم، بأنه لا أمل في شفائهم، بأن يستعدوا لمواجهة الموت.
إعتاد في بداية علاج كل مريض من مرضاه أن يسأل مجموعة من الأسئلة الروتينية أهمها “هل تود أن يخبرك الطبيب في حالة فقدان الأمل في شفائك، و أن يقدر لك بالتقريب الوقت الباقي في حياتك؟”، كما توقع الأغلبية العظمى من المرضى يفضلون معرفة مصيرهم، يعتقد هو أنه إختيار منطقي و سليم و شجاع، يتيح للمريض الفرصة لأن يرتب شئونه المالية و الأسرية، يحاول في هذه المواجهة أن يكون في منتهى الرقة و الذكاء و المهنية فالمهمة غاية في الصعوبة، كي يتيح لهم نافذة من الأمل، يتحدث عن القدر و أنه أحيانا أقوى من العلم و الطب، يذكر بعض الحالات كان القدر فيهم أقوى من الطب و تجاوزت حياة المريض الأشهر التي توقعها الأطباء، إنها عناية الله القادرة على كل شيء لكن الأسلم للمريض أن يستعد و أن يرتب أمور بعد رحيله، يذكر في حديثه الدين و الإيمان في مزيج ماهر يتعامل به مع نفسية المريض التي هي بلا شك في حالة سيئة.
تكونت عنده عادة خبيثة تضايقه هو نفسه، فهو يتتبع رد فعل المرضى عندما يخبرهم، من منهم سينهار و من سيتماسك و من سيتظاهر بالتماسك و هو منهار داخليا، لماذا هذا الإهتمام برد فعل المريض، يراه نوعا من التطفل على مشاعر خاصة جدا في لحظة صعبة جدا.
اليوم الثلاثاء الأول من الشهر، ميعاده كي يؤدي واحبه الثقيل، المرضى المحكوم عليهم بالموت متجمعين في حجرة الإنتظار، هل يتوقع بعضهم مصيره؟ هل يحدو البعض الأمل الكاذب في الشفاء؟ الطبيب تأخر على غير عادته، ساعة، ساعتين، أصاب الملل و الضجر المرضى، تدخل الممرضة عليهم و هي منزعجة، تحاول تمالك نفسها و أن تؤدي واجبها المهني بإحترافيةِ، تخبرهم أن عليهم الإنصراف و أن المستشفى ستتصل بهم لاحقا لترتيب ميعاد آخر مع طبيب آخر، فقد تعرضت سيارة طبيبهم لحادث جسيم، تحطمت فيه تماما و فقد الطبيب فيه حياته.