بقلم: تيماء الجيوش
مبدأ التناسب له سياق يختلف ويتنوع إن كان منه ما هو قانوني أو أقتصادي . وفي القانون حصراً يقتضي مبدأ التناسب العام في قانون العقوبات وفي العلوم الجنائية حتمية تناسب العقوبة مع الفعل الجرمي أي يُعتدُّ بدرجة خطورته و النتائج المترتبة عليه. و عموماً إن كان على صعيد الأفراد أم على الصعيد الدولي فالذي اعتمدته الفلسفة القانونية في معظم الدول و تُرجِمتْ عملياً في النصوص القانونية المتفرقة هو نبذ دموية و عنف العقوبة و أعتبار مبدأ التناسب من العوامل الأساسية في تقييم الفعل أي هل الفعل يستوجب المسؤولية الكاملة لمرتكبه أم أنها مسؤولية تقصيرية أما أنها دفاع عن النفس و هل تنسحب هذه المسؤولية على الفاعل لوحده ام عمن يشاركه أو يقدم المساعدة له …الخ.
والعقوبة تُشدّد أو تُخفف أحكامها وتختلف طبيعتها باختلاف المجتمعات و مُشرعيهم و ما يُرتَكبْ أو ما هو سائدٌ فيها من أفعالٍ جرمية قتلاً أو سرقة أو إيذاء و ليس مُستغرباً أن تختلف المجتمعات في تقديرها او تعريفها او معاقبتها لهذا الفعل او ذاك لربما المثال الاوضح لذلك هو عقوبة الإعدام التي ألغتها كثير من الدول.
ومع تطور القانون الدولي بمفاهيمه فقد نبذ العقوبات العنيفة الدموية حيث نص القانون الدولي ، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و المعاهدات الدولية لا سيما المواد ٢ ، و ٦ من العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية
International Covenant on Civil and Political Rights/ ICCPR.
و كذلك المواد ١و١٦ من اتفاقية مكافحة التعذيب
Convention against Torture and Other Cruel, Inhuman or Degrading Treatment or Punishment/ CAT.
و جميعها أوضحت نصوصها بمنع المعاملات القاسية و اللا إنسانية و المُهينة وأن هذا المنع هو منعٌ مطلق لا يقبل أي تحفظٍ كان من أي من الدول الأطراف في المعاهدات، و لا يجوز فيه استثناءً ما و لا يجوز الأعتداد بحالات الطوارئ لمنحه أية صيغة من صيغ الشرعية أو السماح به تحت هذا الغطاء أو ذاك.
ما الذي يدعو اليوم الى الوقوف عند العقوبات ، حركة طالبان و المرأة الافغانية مجدداً ؟
في هذا الشهر نوفمبر/ تشرين ثاني من كل عام العالم بأجمعه يحتفل في الخامس و العشرين منه بمناهضة العنف ضد المرأة . ومن واقعية لا لبس فيها لم يقف هذا العنف يوماً ، و ربما ليس في المستقبل القريب ما دامت القوانين و مجتمعات بأكملها لا زالت تنظر بعين الرضا الى ما يقع على المرأة من عنف و اضطهاد و ما دام المجتمع الدولي غير قادر على دفع أجندة المرأة الى الأمام و بزخمٍ متواصل . المرأة الأفغانية هذا العام و ما وقع لها يُمثل جانباً مهماً من جوانب هذا العنف واستثنائيًا بأبعاده المتعددة . عادت حركة طالبان الأصولية الى سُدّة الحكم في افغانستان، أعلنت أنها حقاً عادت لكن باعتدالٍ هام و أنها ليست طالبان التسعينات . ما حدث بعد ذلك لم يدل على التغيير و الإعتدال اللذين كثُرَ الحديث عنهما . أعلنت طالبان ضمن مجموعة من القرارت فور أستيلائها على الحكم في كابول أغلاق وزارة شؤون المرأة ، مُنِعتُ الموظفات من الدخول الى مكاتب عملهن، و أسُتبدِلتْ بوزارة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.
و هي أي الوزارة تحمل على عاتقها تطبيق تدابير وقوانين وإجراءات حركة طالبان ضمن إطار تفسيرها المتطرف الفقهي و الشرعي كحركة أصولية. مؤشرات أكدت للمهتمين و الباحثين على أن طالبان كما هي ، لا تغيير جذري لديها يغاير عما أحدثته في فترة حكمها السابق.
و ترجمة ذلك تحديداً و نسوياً أن جلد النساء ، رجمهن، ضربهن بحجج متعددة منها عدم احتشامهن أو منعهن من متابعة تعليمهن أو الخروج دون مرافقة ولي الأمر هو أمرٌ مُباح أجتماعياً، ثقافياً ، دينياً و قانونياً. و لهذا السبب على وجه الخصوص كانت الدوريات تجوب الشوارع بحثاً عمن يخالف من النساء.
زد على ذلك أن الوقت لم يطل بالمجتمع الدولي ليشهد ما تردد من العديد من تصريحات مسؤولي طالبان في الأعلام بأن ما يقومون به هو مقبول شعبياً و اجتماعياً في افغانستان و أن تنفيذ احكامهم وفقاً لمبادئهم المتطرفة هي شأن خاص و أن العالم يجب ان يأخذ الحذر و ألا يتدخل في شؤون افغانستان و أمور حكمها.
ربما الأقرب تاريخاً من هذه التصريحات هي العائدة لنور الدين الترابي في كابول في شهر سبتمبر /أيلول الذي قال: « لن يخبرنا أحد بما يجب أن تكون عليه قوانيننا.»
وأضاف الترابي «قطع الأيدي ضروري جدا للأمن» ، قائلا إن له تأثير رادع. وقال إن مجلس الوزراء يدرس تنفيذ العقوبات علنًا وسيقوم «بتطوير سياسته هذه التصريحات تتطابق تماماً شكلاً و مضموناً مع أمثلة سابقة من ممارسات طالبان و تنفيذها لأحكام عنيفة جسدية في أماكن عامة من مثل الملاعب او المساجد من رصاصة واحدة في الراس يُطلقها شخص من أسرة الضحية الى قطع اليد من الرسغ لمرتكبي السرقة أو بتر اليد و القدم في أحيان اخرى وفقاً اما أوردته تقارير منظمتي Amnesty International and Human Rights Watch. امنستي و هيومان رايتس واتش.
يجدر بالذكر أن نظام العدالة أو النظام القضائي لدى طالبان يختلف تماماً عن الأنظمة القضائية الحديثة. فالقاضي فيه هو من رجال الدين اللذين تقتصر ثقافتهم بالقانون على الأوامر الدينية دون غيرها.
وفي معرض الحديث عن طالبان لا بد من أن يُعرّج الحديث على الفقه الإسلامي حيث تم التمييز فيه بين ثلاثة أمور:
1- الجرائم التي تُدعى بجرائم الحد و النصوص القانونية التي تناولتها و نصّت على عقوبات صارمة بشأنها ألا و هي قطع الرأس ، الجلد ، بتر اليد، بتر القدم في القتل و الزنا و السرقة…الخ.
2- جرائم القصاص و المتعلقة بجرائم الإيذاء الجسدي و القتل. و يمكن فيها المصالحة بين أطراف النزاع بل و الإتفاق على تعويض مادي بشأنها (الدية).
3- العقوبة التقديرية و هي عقوبة تترتب على جرائم يلعب بها القاضي دوراً أساسياً في تقديرها.
التشريع الجنائي المعاصر في معظم الدول العربية و الإسلامية كان حكيماً في هذا المنحى و دعمته عوامل عدة صوبت الأتجاه نحو الأخذ بإلغاء عقوبات الحد لما لها من طابعٍ عنيف و لطبيعتها المتناقضة بالمطلق مع المدنية و المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان لا سيما من السلامة الجسدية و احترام أمن الافراد و حمايتهم من الأذى. و على هذا أخذ المشّرع السوري و المصري و التركي و المغربي و الاردني و التونسي و غيرهم بالإعتماد على التشريعات الفرنسية و البريطانية و الإيطالية و السويسرية في صياغة قوانين العقوبات و جعل العقوبات متماشية مع الأطر العامة الدولية في العلوم و القوانين الحنائية، فلا تُبتر الأطراف و لا تُقطع الأعناق و لا تُرجَم النساء أو تُجلد.
حركة طالبان بطبيعتها هي خارج الزمان ، لا تودُّ التغيير و ليس لها النية في ذلك متى أُدرِكتْ هذه الحقيقة سيكون من اليسير فهم حالة الخوف ، الهلع و انعدام الثقة ليس في ظل حركة طالبان و أحكامها و حسب بل في ظل اية حركة اصولية راديكالية. ترتكب الجرائم و تنفذها على انها حدود شرعية و المرأة دوماً المرأة هي الضحية الاولى ، هي من تتجه الحراب نحوها. يوم مناهضة العنف سنحتفل به كل عام . هذا العام هو عام المرأة الأفغانية . اسبوع سعيد لكم جميعاً.