بقلم: شريف رفعت
معمل دراسة الحشرات، نظيف هادئ، العاملون به يرتدون معاطفهم البيضاء، يتحركون بهدوء داخل المكان، يجرون التجارب، يسجلون النتائج، يبحثون عن الحقائق.
هناك تجربة مهمة قيد الدراسة، تجربة تأثير العوامل الحياتية المختلفة على حياة النمل، وَضَعَ الباحثون أعداد من النمل في عدة أطباق معملية مما تستخدم في دراسة عينات التجارب، كل طبق مغطى بغطاء زجاجي و به مجموعة من النمل المعرضة لمتغيرات معينة، فأحد الأطباق منقسم للونين متباينين لدراسة تأثير لون الوسط الذي يعيش فيه النمل على تصرفاتهم، طبق معرض لدرجة حرارة مرتفعة و آخر لدرجة حرارة منخفضة، هناك عينة معرضة لوسط حامضي و أخرى لوسط قاعدي و هكذا.
يقوم الباحثون بمراقبة و تسجيل تصرفات النمل و التي يدرسونها تحت عدسات معملية مكبرة، أشياء مثل سعي النمل الدؤب للحصول على قوته، مقدرة النمل على الحركة، ممارسة النمل للجِـِماع، سلوك النمل نحو غيره من سكان طبق النجارب، يسجل العلماء ملاحظاتهم ثم يقوموا بتحليلها و دراستها للوصول لنتائج علمية.
تدخل عاملة النظافة الجديدة إلى المعمل، هذا هو يومها الأول في هذه الوظيفة، عانت كثيرا من البطالة و أخيرا حصلت على هذا العمل، قيل لها من قبل أنها لا تملك مؤهلات القيام بوظائف أخرى، كما لو كانت هذه الوظائف البسيطة تحتاج لمؤهلات، ذُكِر لها ضمنيا من قبل أن قدراتها العقلية المتواضعة سبب في عدم حصولها على عمل تحتاج له حاجة ماسة كي تعول أسرتها. مصممة هي على النجاح في هذه الوظيفة، لن يحتاج ذلك للكثير فالعمل سهل و بسيط، طـُلِبَ منها أن تأتي دائما في موعد بدأ عملها ـ بعد مواعيد عمل الباحثين ـ و أن تأدي مهامها بدقة، يتضمن ذلك تنظيف ارضية المعمل، تنظيف خزانات حفظ المستندات، تجميع القمامة من صناديقها الموجودة أسفل المكاتب، ذُكِرَ لها ألا تقترب من الأوراق الموجودة فوق المكاتب حتى لو بدت غير منظمة. أخذت تعمل بتفاني و هي شاكرة لقدرها على هذه الوظيفة.
النمل في أطباق الأبحاث له عالمه الخاص، مشاكله مشاعره اهتماماته طموحاته و مآسيه، حياة متكاملة يعيشها و يعانيها النمل، هذه النملة أُخذت من وسط أسرتها و لا تدري ماذا حدث لأبنائها بعد بعادها عنهم، واحد منهم يهيم بنملة حسناء نشأت بينهما علاقة جميلة لكنها الآن بعيدة عنه في طبق أبحاث آخر، أحدهم كانت له تطلعات قيادية في مجتمع النمل لكنه أنتزع من مؤيديه و حبس هنا في طبق أبحاث لعين.
بينما النمل يعاني آلام و طموحات حياته داخل المعمل، نظرت عاملة النظافة للأطباق على طاولة الأبحاث، هالها وجود النمل داخل الأطباق، في حرصها على أداء وظيفتها على أكمل وجه أزاحت أغطية الأطباق و قامت بغسلهم تحت تيار ماء قوي في أحد أحواض المعمل، وضعت الأطباق النظيفة على طاولة الأبحاث و هي سعيدة بإنجازها.