بقلم: فريد زمكحل
تلقيت ببالغ الحزن والأسى أخبار الحكم القضائي الصادر بحبس الصحفية والمفكرة المصرية فاطمة ناعوت بتهمة «ازدراء الأديان» وهي الحالة الثانية بعد الحكم القضائي بسجن الإعلامي المفكر الزميل إسلام البحيري لنفس السبب وذات التهمة.
وبعيداً عن الدخول في المهاترات المؤيدة للأحكام الصادرة بحقهما أو الرافضة لها، أود هنا أن أتوقف قليلاً وأن أتمهل كثيراً قبل التعليق على هذه الأحكام القضائية التي باتت تُشكل جبهة مضادة لمساعي الرئيس عبد الفتاح السيسي والحكومة المصرية في إمكانية إعادة بناء شخصية مصر الحديثة المنفتحة على الفكر والفكر الآخر بصورة حضارية تتناسب مع تاريخها الحضاري الكبير ودورها التنويري العظيم التي قامت به قديماً وحديثاً، محلياً وإقليمياً ودولياً ودفع بغيرها للتقدم والازدهار بينما تراجعت مصر واختفت في كهوف عمائم الجهل والرجعية والتخلف التي تسيطر على بعض العقول من مختلف الدرجات العلمية والثقافية وتجيد استخدمها حتى اليوم للحفاظ على مكانتها ومكاسبها الدنيوية على حساب استقرارها الفعلي وتقدمها الحقيقي مما ادى إلى غياب الاستقرار المجتمعي واتساع رقعة التخلف يوماً بعد يوم…
وهنا أحب أن أقول صراحة وبوضوح بأن الوضع الراهن في مصر جد خطير ولم يعد مقبولاً وسط محاكم التفتيش الجديدة التي تدعمها عمائم الجهل وسط صمت حكومي مثير للجدل وغير مفهوم قد يعود بأسوأ النتائج على الحاكم والمحكوم، وبما يهدد السلم الأهلي للمجتمع الذي يشكل في مجموعه الوطن من البداية إلى النهاية والمُطالب قادته اليوم بالإجابة على الكثير من الأسئلة التي باتت تفرض نفسها على الساحة ومنها:
هل مصر دولة مدنية بكل أجهزتها بامتياز، أم دينية متوحشة بكل مقياس وعلى أي أساس؟ مجرد سؤال أوجهه للسيد الرئيس التي تعمل مثل هذه الأحكام القضائية على إعادته إلى المربع الأول الذي يريده له أعداؤه وأعداء مصر في الداخل والخارج ويسمح لهم بتصنيف حكمه وعهده ونظامه بالصورة التي تتوافق مع مخطاطهم ومؤامراتهم الشريرة ضد مصر وشعب مصر، هذا الرئيس الذي فعل ويفعل الكثير للنهوض بمصر وشعبها والذي إن لم يتدخل الآن لحسم هذه القضايا الشائكة والعالقة سيفتح الباب على مصراعيه للتدخلات الدولية في الشأن المصري وهو ما لا نرضاه جميعاً له أو لمصر الغالية.
أما السؤال الثاني والأخير فهو:
أين كان قضاة مصر الشرفاء من كل ما تعرض له إخوانهم في الوطن من المسيحيين طوال السنوات الماضية من حالات الازدراء العلني لهم من الدولة المصرية وبعض الجهات الرسمية والدينية التابعة لها، ومن عدة فصائل دينية شعبية متشددة ضدهم وضد إيمانهم ومقدساتهم وكانت مُعلنة للجميع عبر الواقع المعاش والقرارات والقوانين المتزمتة وفضائيات الدولة والإعلام الموجه والمشحون بروح التعصب ضدهم. ولم نسمع عن صدور حكم قضائي واحد ضد شخصية واحدة ممن قاموا بكل هذه الافعال المشينة ولو تحت مسمى إزدراء الأديان الذين يستخدمونه اليوم في غير محله ؟