بقلم: سليم خليل
هذه الكلمات من الشاعر الشعبي اللبناني عمر الزعني ١٨٨٥ - ١٩٦١ الذي عاصرالحكم التركي والفرنسي والإستقلال وسجن في مطلع سنين الإستقلال لإلقائه قصيدة إنتقد فيها الحكم والحكام بحضوروفد أجنبي؛ أمر بسجنه صديقه الزعيم الشهيد رياض الصلح رئيس الوزراء الذي زاره عدة مرات في السجن !! هكذا كانت علاقة الحاكم بالمواطنين أول أيام الإستقلال !!
درًس وعلَّم الموسيقى وأنشد قصائده اللاذعة وكان من نجوم الفن والشعر الشعبي . عاصر العهد التركي عندما كان في لبنان ما يشبه كانتونات طائفية وكل طائفة مسيحية، إسلامية أو درزية تتمتع بنوع من الحماية الأجنبية ولم تنج هذه الطوائف من مجازر كان للدول الحامية الأثر الكبير في إشعالها .
ما يهمنا هنا أن كلمات عمر الزعني المذكورة تصف الحالة السياسية في لبنان منذ تشكيل أول الحكومة عام ١٩٣٧ حتى الآن ؛ يتغير رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ؛ أما هيكل الدولة وتوزيع المراكز العليا فهذا عرف ثابت منذ تأسيس دولة لبنان تحت حكم الإستعمار الفرنسي في عهد رئيس الجمهورية إميل إدة الذي طلب آنذاك من المندوب الفرنسي بمراسلات توزيع المراكز الحكومية بشكل عادل على جميع الطوائف .
كلف الرئيس إدة الصحافي خير الدين الأحدب من طائفة الإسلام السنة تشكيل الوزارة – زوجته مسيحية إسمها أولغا مسلًم من عائلة ثرية من مدينة زحلة – . منذ ذلك التاريخ أصبح مركز رئيس الوزراء في لبنان لطائفة الإسلام السنة أي رئيس السلطة التنفيذية . أما مركز رئاسة مجلس النواب تسلم الرئاسة عدة نواب من طوائف مختلفة خلال الإنتداب الفرنسي ، ثم خصص المركز للطائفة الشيعية في الميثاق الوطني لعام ١٩٤٣ ؛ بذلك كانت الطائفية في النفوس أصبحت محفورة في النصوص.
من التطورات الأخيرة الإيجابية نتائج الإنتخابات النيابية حيث نجح كتلة نيابية من خمسة عشر نائبا هدفها التغيير وأنهاء التوزيع الطائفي لمراكز الدولة ليصبح الحكم مدنيا وهذا مطلب وأمنية أكثرية الشعب اللبناني؛ نتمنى لهم النجاح في هذه المهمة العسيرة والمستحيلة.
مع ميلاد المجلس النيابي الجديد كلف رئيس الجمهورية ميشيل عون رئيس الوزراء الحالي نجيب ميقاتي بتشكيل الوزارة الجديدة . سؤال يطرحه المراقبون للسياسة اللبنانية : هل تستطيع كتلة التغيير من خمسة عشر نائبا تنفيذ برامجها الإصلاحية المدنية مقابل أكثر من مائة نائب موزعين على كتل طائفية تفرض مراعاة مصالح طوائفها في تشكيل أي وزارة ؟ لا شك أن محاولات هذه الكتلة المدنية جريئة وضرورية !!!
حاول في السابق كثيرون نادوا بالتغيير والخروج من هذا النظام الطائفي واستبداله بنظام علماني مدني وفشلوا ؛ كما قدم الكثير من أساتذة جامعات في العلوم السياسية من أصل لبناني في الدول المتقدمة إرشاداتهم للتغيير دون آذان صاغية؛ أجمل وصف لهذا الوضع كتبه الدكتور فؤاد عجمي اللبناني الأصل والإستاذ في جامعة ستانفورد الأميركية :
للبنانيين تاريخهم وأطباعهم . تاريخهم خذلهم لكنهم لم ولن يتغيروا؛ والرجال الذين جاهدوا لتغييرهم شعروا وكأنهم يحرثون البحار !!