عادل عطية
لم تمض سبعة أيام على وفاة أمي، حتى عمدت إلى خزانة ملابسها، وأخذت أفتش عن ذلك “البلوفر”، بلونه البنفسجي.
أنه هو!
أعددت مُحرقة، ورميت فيها ذلك “البلوفر”، وشاهدت النيران وهي تنتشر في ثناياه، إلى أن أتت عليه، وصار رماداً منثوراً!
أليس هذا “البلوفر” من رائحة الأم؛ فلماذا أحرقته؟!..
سألني جاري.
لذلك، سأحكي قصة هذا “البلوفر” من البداية.
كان خال والدتي، يقيم بين ظهرانينا، فليس له أحد غيرنا، بعد أن هاجر أولاده إلى كندا.
عاد، يوماً، من حفل أقامته أسرة “الحكماء”، وهي تعني بالترفيه عن كبار السن، حاملاً معه مغلفاً أنيقاً، أعطاه لوالدتي، وهو يقول لها: هذه خيوط صوفية، حصلت عليها كجائزة. أريد أن تصنعي منها بلوفراً لي.
كانت والدتي في المطبخ، تُعدّ لنا طعام العشاء، عندما صدر عنها صرخة مفزعة، تبعه تأوه وأنين. لقد أصابت السكين أصابع يدها، أصابة عميقة دامية.
فقررت أمي ـ والحالة هذه، أعطاء خيوط الصوف لجارتنا؛ لتتفضل بعمل البلوفر، بعد أن أعطتها المقاسات.
يومان فقط، مرا على هذا التكليف، وسمعنا صراخاً وعويلاً.. لقد سقطت الجارة على الأرض ميتة، وهي بكامل صحتها!
مرت الأيام، وشُفيت أمي من جراحها، وأتمت عمل “البلوفر”.
كان الخال فرحاً، وهو يرتدي “البلوفر”، كطفل تفرحه ملابس العيد.. لكنها فرحة لم تكتمل؛ فقد رحل عن عالمنا، بعد أيام قليلة، نتيجة خطأ طبي من طبيبة أسنان!
وتمضي الأيام، وحنيناً لذكراه، قامت بتفكيك “البلوفر”، وبدأت باعادة صياغته ليناسبها كإمرأة.
ومنحها دفئاً إلى نهاية الشتاء.
ومع بداية الربيع، رحلت هي أيضاً عن دنيانا، متأثرة بمرض السرطان الخبيث!
كل ذلك، ولم أفكر في أمر هذا “البلوفر”، الملعون، إلا الآن.. ربما لانني لا أؤمن بما يُعرف بالتفاؤل والتشاؤم، وربما مشاغل الحياة قد لا تجعلك تهتم بمثل هذه الأمور الغريبة والعجيبة، والتي، لعجزنا عن فهمها، ندعوها: الصدفة!…