بقلم: كلودين كرمة
نعم لم يعد هناك اى فرصة لان نختار ، فالحرية اصبحت مقيدة بقيود لا تنفك وليس لها اى اسباب مقنعة ولا حتى انها تقف عند حدود حرية الاخر… لقد اصبحنا بدون حيلة مكتوفى اليدين ومع ذلك نسمع نفس المقولة التى اصبحت مستفزة جدا لعدم مصدقيتها وهى بالتأكيد “انت حر..ولديك مطلق الحرية “ .
وبالرغم اننا فى هذه السنوات نسمع كلمة الحرية تدوى فى انحاء البلاد و هى احد مطالب الثورات المنتشرة هنا وهناك..وتظل الشعوب تطالب بها بل وتصرخ فيمتد صدى صوتها عبر الاسير، فهذا لا معنى له الا انها سلبت منها والا لماذا تبحث عنها؟
فلنبدأ من اول مرة يسمع فيها الانسان كلمة انت حر ويكون ذلك وهو طفل يكاد ان يفهم معانى بعض الجمل البسيطة؛ فيقول له والديه بنبره حاده تسبقها نظرة حادة ايضا:”انت حر” فى ان تختار هذا ( مصحوبة بعبوس فى الوجه) او ان تختار ذاك(مصحوبة بابتسامة) تحمل فى طياتها معانى الرضا ، اما الاولى تحمل فى طياتها التهديد والوعيد!
عجبا انها نفس الكلمة ولكن بمعانى و تلميحات مضادة.. فيلجأ الطفل حقيقة الى اختيار الاختيار الثانى وفى الحقيقة هو يختار الابتسامة التى تشع فى نفسه السرور ويتجنب الاختيار الاول الذى يخشى عاقبته- حتى دون ان يكون على دراية بتبعيات اختياره-وهذا الاختيار ليس حقيقى ..لانه لا يعتمد على رغبته الحقيقية انما على المؤثرات الخارجية التى اجبرته دون وعى منه على اختيار ما يريده الاخر. سواء كان هذا الاخر بالفعل يهتم لأمره ام انه يخيفه ويبث فى نفسه الرعب حتى لا يتجرأ ان يختار او على التفكير اصلا حتى ولو للحظة حتى يبعد عنه اى احساس بالقلق او التهديد..
وعلى هذا الحال ينشأ ويتربى الانسان .. مسلوب الإرادة .. فهو اعتاد على اختيار ما يناسب الغير حتى يتجنب الاذى من الاخرين ..او خشيتا ان ترتفع فى وجهه اصابع الاتهام وتدينه على سوء اختياره ..وحجتهم انه يجب عليه ان “يتحمل عاقبة اختياره “ فهذه الجملة تحديدا تبث القلق والرعب وتشل التفكير وتحبس الانفاس وتتلاشى معها اى رغبة فى التغير او اختيار اى شىء مختلف عن ما هو سائد وخاصة اذا كان الانسان غير مدرب على التفكير السليم الذى يكون بالتعليم المستنير على اساس خطوات ممنهجة هدفها الاساسى ليس “البرمجة” ولكن يكون هدفها بناء الفكر المتطور والشخصية السوية… ولهذا تنموا الشعوب ضعيفة رغم قوتها ارائها متذبذبة تتارجح تارة نحو اليمين والاخرى نحو الشمال غير مرتكزة على اسباب واضحة او منطق بين او على اصول علمية مدروسة بعمق و نظرة ثاقبة نحو المستقبل..
ثم نعيب على الانسان سوء تصرفه و فكره المحدود وتقوقعه حول بعض الاراء و عدم اقباله على التغير او المغامرة وميله الى السلبية وخوفه من ابداء رأيه مما يعود على المجتمع ككل بالجهل والتخلف؛ لان ثباتنا فى مكان واحد او الاصرار على عدم التقدم، بينما يجرى الاخرون من حولنا ويتنافسون ويسرعون الى ابتكار اساليب متنوعة للتعايش السلمى رغم الاختلاف و ايجاد مفاهيم جديدة لتطوير شخصية الانسان حتى يواكب عصره..مستفيدا من كل ما وصل اليه العلم واتاحته التكنولوجية لبنا مستقبل اكثر اشراقا وفكرا اكثر رقيا وانسانا يستحق ان يسمى بهذا الاسم بكل ملامحه ومواصفاته..
فهل اى شخص يدعى انسانا؟.هل من ينشر الجهل ويكون سببا فى تعتيم العقول واثارة الشغب والفتن ونشر الارهاب يدعى انسانا ..هل من يعتدى ويزهق الارواح ويهدم الحضارات تحت اى مسمى يدعى انسانا؟ هل من يسرق وينهب ويسلب حق الاخرين يدعى انسانا ؟ ..لا.. بالطبع ..فهذا قانون الغاب الذى تسكنه الكائنات الغير عاقلة والتى يطلق عليها ايضا “ المفترسة” وهى التى تتغذى على دماء غيرها ..وتصيح وتشعر بالنصرة عند قتلها.. وتزيد فى عنفوانها وطغيانها..وتتعطش الى الصيد والدماء اكثر فأكثر ..وتشفى غليلها من الفرائس التى لم تكن يوما ندا لها..ولكن هذا طبعها انها لا تفهم ولا تعى… وليس عليها حرج!
وكذلك من يتوانى ايضا فى تأدية واجبه على اكمل وجه فأنه بشكل غير مباشر ينشر مبادئ الفوضى وفكر الاستهتار وعدم التقدير مع من يتاعمل معهم فينشأ من الجانب الاخر شعور بالغضب نتيجة الاستهانه به والذى يرفضه تماما ولكل وسيله لتعبيره عن الرفض حسب ما تربى عليه…فهذا يثير بطريقة او بأخرى الشغب ومشاعر الانتقام من هذه الشخصية او غيرها حتى يشعر نفسه انه ذو مكانة او يسعى ان يكون لديه سلطة او يلجأ لمن يكون لديه المقدرة لدفع مثل هذا الضرر عنه وهو ما نسميه بـ ‘الواسطة’ فتنهار القوانين وتضيع الحقوق ..
ومن هنا نلحظ ان لكل فعل ردة فعل ؛ فان كان الفعل بناءً فهو يدفع الناس إلى التقدم والبناء وان كان هداما فبئس المصير للجيل الجديد.
ولنقيس على هذا النحو كل السلوكيات فى مجتمعاتنا..ومن بعد دراسة نستطيع ان نعرف سبب ما نحن عليه الآن.. و هذا لا يحتاج الى كلمات تعبر عنه لان ليس كل المشاعر يعبر عنها او بالاحرى تعجز الكلمات عن ان تخط ادق المشاعر و تظهر و تعبر عن مدى الاسي الذى يشعر به المجدين المجاهدين لاشعال نور الحق والعلم والحرية والتطور والبناء الذين يقدمون بالفعل يد المساعدة فى شتى المجالات ..فيرفعون المعاناه عن الفقراء والمرضى والضعفاء الذين يهتمون لامر المهمشين والمضنيين والاجئين والمغتربين والمساكين والذين لا حول ولا قوة لهم ..هؤلاء هم صناع السلام وكذلك صناع المستقبل..