بقلم: أحلام الأسيوطي
( الموضوع) : فاطمة : (فاتن حمامة) تهرب من شقتها بالليل وتصعد للسطوح حتى لا يقبض عليها رجال الوزير جلال (صلاح قابيل) . تبدأ في حكاية قصتها بإفضاح الفاسدين مثل الوزير جلال وتقول عن جلال : الوَله جلال ابن أمي وأبويا “ وهي ضحت بكل شئ لتربيته مع شقيقته نفيسة (نبيلة حسن) حتى زواجها من حبيبها سيد (شكري سرحان) .
(التحليل والنقد): قصة “سكينة فؤاد” سيناريو “ بركات” . حوار “ عبد الرحمن فهمي” .
عزيزي القارئ هذا الفيلم يعتبر بصمة قوية في جبين السينما المصرية خاصة والعربية عامة ، لما فيه من قصة للكاتبة الكبيرة “ سكينة فؤاد” عن جهاد فاطمة البورسعيدية ، وأصالة شخصياتها القوية التي لاتنحرف عن مبادئها الصالحة مهما كانت الأغراءات. وكان سيناريو “بركات” متماسكاً تماماً تدور أحداثه في ليلة واحدة ويبدأ في اللحظة الحاسمة للقبض على فاطمة من رجال الوزير جلال ، وأدخالها مستشفى المجانين حتى لا تكشف ماضيه الفاسد . والسيناريو جعل الخط الدرامي للأحداث ( متصلا أتصالا) جيداً منذ البداية مع كل شخصية حتى تكون متطابقة مع نفسها ولا تتغير بدون سبب . وكان حوار عبد الرحمن فهمي جيداً في أبراز شخصيات الفيلم وأعطائها الروح والتفكير لكل منها وكأنه يعرف شخصياته معرفة جيدة . (أخلاق وتضحية من (فاطمة) ، حب وشهامة من (سيد) ، فساد وعدم مبالاة (جلال) (الشخصيات): رسمت شخصيات متناقضة مثل (فاطمة وجلال) مما ولد الصراع العنيف بينهما . (فاطمة) فتاة جميلة – مكافحة – شجاعة – بها قوة إرادة – تحب سيد الصياد ويتوعدا على الزواج بالسفر إلى الخارج ليعمل . لكن فاطمة يبدأ (صراعها) عند وفاة والدتها التي أوصتها على تربية أشقائها (نفيسة وجلال) .فهي الآن لا تستطيع السفر وترك أشقائها وضحت بسفرها مع “ سيد “ وفضلت ان تمكث في البلد لتربية أشقائها على الأخلاق . (الأزمة) وجدت أن جلال ينصب ويسرق من صغره فتضربه لتهذيبه دون جدوى ثم ترك المدرسة في شبابه (محسن محي الدين) وبدأ في النصب والتزوير للكسب السريع . صدمت فاطمة بتركه المدرسة التي تدفعها من عرق جبينها بحياكة الملابس. ولتهدئتها قال أنه يساعد الفدائيين ففرحت به وشجعته . وفي الليل لتقديم الأسلحة للفدائيين، لم يبالِ جلال، خوفاً من الموت. تشاجرت معه فاطمة دون جدوى. وذهبت هي بالأسلحة بخدعة صغيرة أنها تحمل طفل ومعها أم روحية (نعيمة الصغير). نجحت في مهمتها ولم ترد أن تنسب هذا العمل البطولي لها بل لجلال لأنه شقيقها تدافع عنه. فأصبح جلال وزير في مجلس الأمة ولم يرد زواج فاطمة من سيد لأنه ليس من مستواها . وقد سبق لسيد أن دخل السجن (الذروة) صرح جلال لفاطمة أنها يجب الزواج من آخر وإلا يستطيع أن يرجع سيد إلى السجن كما فعل من قبل . هنا كانت بداية لعدم الوقوف فاطمة مع جلال للدفاع عنه بل أنه مجرم كبير لفق تهمة لسيد وحرم أخته من سعادتها بالزواج منه بل أراد أن يتخلص منها حتى لا تفضحه بقولها الحقيقة. (القرار) قالت فاطمة أنه نصاب وحرامي وأنتهازي وأراد قتلها. صرحت أم روحية ان فاطمة هي التي ذهبت للفدائيين وانا شاهدة على ذلك . (النتيجة) قبض على جلال وعاشت فاطمة بين ناسها في بورسعيد (فاتن حمامة) تفانت في إتقان الأنفعالات المختلفة للحدث في المواقف مثل : حبها لأشقائها ولسيد والأخلاص لهما ، ابنة بورسعيد الشجاعة المكافحة ، إتقان اللهجة البورسعيدية وجعلت الحوار يخرج من فمها بطبيعية شديدة رغم طوله .. بالفعل تؤكد أنها سيدة الشاشة العربية.
(سيد) : شخصية طموحة . محبة للحياة ، تحاول بناء نفسها لحياة أفضل والعمل في الخارج لتوفير مال اللازم للزواج من فاطمة . وغاب عنها لمدة عشر سنوات وعند عودته ضاعت كل حاجياته مع غرق المركب بما فيها النقود . وعاد يبدأ من الصفر. وبخته فاطمة لأنها كانت في أشد الحاجة إليه لتربية أشقائها. وعندما أراد أن ينصح جلال بعدم دخول رجال في المنزل لأنه يوجد شقيقتاه فاطمة ونفيسة وجد نفسه في السجن بتهمة المتاجرة في حشيش. ولم يبلغ لفاطمة عن من الذي أدخله السجن (خوفا عليها من جلال). لكن عندما وجد أن جلال أراد قتلها ، وقف معها بكل قوته ووجدانه ليدافع عنها ضده (شكري سرحان) كان ممتازاً في اللهجة البورسعيدية ومثال الرجل المحب الشهم الذي يعتمد عليه في المواقف المحرجة . رحمك الله يا استاذ شكري .
(جلال) : هي الشخصية المحورية التي لا ترحم ولا تلين . ذلك لأن لها رغبة جامحة في بلوغ هدفها يجعل صحابها مستعداً أن يهلك من دونها أو يبلغ هدفه منها. وقد كتبت هذه الشخصية بعناية منذ الصغر فنجد الطفل جلال يعمل ساحر مع الأطفال يسرق نقودهم البسيطة ثم أكتشف أنه يملك قدرة لرسم أي شئ فرسم شهادات رسمية وزورها لحسابه . يتعامل مع الإنجليز عن طريق حبشي (على الشريف) . ثم غدر به بتبليغ الإنجليز عنه لسرقة الكمب ودخوله السجن تعامل في بيع الإسلحة وزملائه يأتون لمنزله فعندما أراد (سيد) بتنبيهه أن المنزل به سيدات فاطمة ونفيسة قال : حاضر، ثم لم يجد صعوبة في تلفيق تهمة متاجرة في الحشيش في منزله. حكم على سيد 15 سنة سجناً لم يبال جلال بمشاعر فاطمة التي ضحت بسعادتها في الزواج من سيد لتنفق عليه في المدرسة مع نفيسة . أراد تهريب الأسلحة للفدائيين في الميناء أتفق معهم سيسلمهم الأسلحة الليلة مقابل 500 جنيه ليرشي العسكري الإنجليزي . أستلم المبلغ. وفي المساء الساعة 11 رفض أن يسلم الإسلحة (لأنه جبان) خوفاً من الموت. فاضطرت فاطمة أن تسلمها لهم مع أم روحية ونسبت فاطمة هذا العمل الجليل إلى جلال وهو (كانتهازي) استغل الفرصة (كبطل) ورشح نفسه في مجلس الأمة ونجح وأصبح وزيراً .(محسن محي الدين) كان لائقاً للشاب الأستغلالي . كان مقر الوزارة في مصر أخذ جلال معه نفيسة شقيقته . رفض أن تتزوج فاطمة من سيد فواجهه وهدده بالدخول السجن مرة ثانية . فاستسلم سيد لكبر سنه ولصدمته من الموقف. أما فاطمة فلم يشفع حبها له كأخ وأبن بل رأت فيه الإنسان الظالم الذي يستغل مركزه لتحقيق مصالحه خاصة أنه قتلها مرة بإغراق جثتها في البحر من اثنين من أعوانه حتى لا تظهر حقيقته. وكشفت أمام الجميع ما فعله شقيقها الأصغر (جلال) بالناس (وبسيد) ثم ( بها) (فكثرة ظلمه لفاطمة ولد عندها الإنفجاروهي المظلومة ودفعها إلى الأنتصار). (صلاح قابيل) أستاذا جسد الشخصية بصدق وثقة بالنفس . رحمه الله
(والسيناريو الإخراج) : بركات : يعتبر (بركات) أحد أعمدة السينما المصرية وضمن الخمس مخرجين الأوائل . تعمل معه “ فاتن حمامة” لإيجاد نقاط مشتركة كثيرة بينهما مثل: الدراسة الفرنسية والعربية من الصغر – الدراسة السينمائية – الخبرة الكبيرة ، الإتقان والألتزام ، الأحترام في العمل. ومن أعمالهما (لحن الخلود – أرحم دموعي – حين نلتقي – موعد غرام – دعاء الكروان – الحرام – الباب المفتوح – الخيط الرفيع – الهانم – ليلة القبض على فاطمة – العقاب – وفي هذا الفيلم نجح بركات لإسناد دور فاطمة (لفاتن) فهي بالفعل أفضل ممثلة لهذا الدور المشحون والتي شدت أنتباه المشاهد طوال الفيلم (لصعوبته) وأستطاعت الأحتفاظ بالخط الدرامي للشخصية منذ بدايته حتى نهايته ماراً بالفلاش باك فلولا أداء القديرة فاتن ما كانت فاطمة تستحوذ على قلب المشاهد لأنها أقنعته بالشرف والأمانة والتضحية وأحترامها لمبادئها (كشخصية) وتاريخ الممثلة (فاتن حمامة) لنفس الصفات بل اعمق. وأحي الأثنين لتعاونهما لإخراج ما عندهما ليمتعا الجمهور بأحترامه أولاً، وتقديم فن راقي يليق بالجمهور (وبهما) ثانياً. أما كاميرا (وحيد فريد) هذا الأستاذ العظيم (أسعدني) الحظ أن نعمل سوياً في ثلاث أفلام للتلفزيون فكانت الكاميرا تصور الحي الشرقي سواء في الداخل (الشقق) والخارج كما على السطح وأيضاً المناظر الخارجية على البحر بين فاطمة وسيد ثم إلقاء بفاطمة في البحر بعد ضربها على رأسها بعصا كبيرة. والباخرة الكبيرة وكلوز على فاطمة تودع سيد خطيبها ولم تذهب معه وكل تعبيرات وجهها تنطق بمشاعرها والحسرة عليه لتركها اياه تضحية منها لتربية اشقائها . أيضاً منزل الوزير (جلال) وهو قصر به 13 غرفة . يظهر عالم الثراء مقابل عالم الفقراء . وكان مونتاج (عنايات السايس) ناعماً رغم سرعته مع إيقاع الأحداث مصاحب للموسيقى الراقية (لعمر خيرت) حتى تكتمل كل العناصر البشرية الراقية في عمل هذا الفيلم مع منفذ الإنتاج (محسن علم الدين) وتوزيع داخلي ( أفلام صوت الفن) عبد الوهاب – عبد الحليم حافظ – وحيد فريد (نفسه) . كل ذلك كان ورائه المخرج الكبير “بركات” كتب بنفسه السيناريو لأنه مدرك أهمية العمل ، مع حوار (عبد الرحمن فهمي) أنتقى بركات كل هؤلاء الاساتذة لفن السينما ليخرج فيلماً كبيراً له بصمة واضحة في تاريخ السينما المصرية ويقدم رسالة (الظلم يولد الإنفجارويدفع بالمظلوم إلى الإنتصار) فتحية الى سكينة فؤاد- عبد الرحمن فهمي – بركات وفاتن حمامة .