ماذا بعد تحرير الموصل؟!!
بقلم: رفاه السعد
إستعادة الموصل، ثاني أكبر المحافظات العراقية، من سيطرة عناصر داعش الإرهابية باتت قاب قوسين أو ادنى، إذ تمكنت القوات المشتركة في العراق، وبدعم من التحالف الدولي، من تحقيق انتصارات كبيرة على الارض واسترجاع مناطق جديدة كانت تحت سيطرة حكم تنظيم داعش.
لقد جلب التنظيم إلى هذه المدينة التاريخية فِكرا إجراميا وحشيا، زرعه في عقول بعض سكانها، ولم يحدث هذا في الموصل وحدها، بل في جميع المناطق التي سيطر عليها التنظيم الذي حاول غسل ادمغة البعض بأفكاره وأيدلوجيته الإرهابية المنحرفة.
لقد استغل التنظيم عند دخوله الموصل والانبار وصلاح الدين، معاناة تلك المدن من الاقصاء والتهميش الذي تعرضت له في ظل حكم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، فأخذ يتصيد في الماء العكر ليد له مطئ قدم بين سكان هذه المدن المسالمين.
كانت هذه المناطق تعج بالتظاهرات والاحتجاجات عندما احتلها التنظيم عام ٢٠١٤ وكانت تطالب الحكومة برفع الاقصاء والتهميش والاندماج في العملية السياسية. كانت البلاد حينها اشبه بطبق يغلي بالطائفية والمحاصصة التي جاء بها المالكي وحلفاؤه السياسيون، فاستغل داعش هذه الثغرات وعمل على تعميقها، مستغلا الاوضاع المأساوية التي تعيشها هذه المدن من تهميش وإقصاء وبطالة وحرمان.
لكن سكان هذه المدن ما لبثوا أن اكتشفوا إرهاب داعش وهمجيته اللذين مارسهما «بأسم الدين»، ولكن للأسف بعد فوات الأوان، إذ اصبحوا بين مطرقة الإرهابيين وسندان حكومة لا تتفهم معاناتهم بسبب إيغالها في المحاصصة والتمييز الطائفي.
لقد كان احتلال داعش مدنا كبرى في العراق تحذيرا كافيا من هشاشة الوضع السياسي والأمني في البلاد بشكل عام.
ذهبت حكومة المالكي بعد انتخابات عام 2014، ولكن بعد أن استشرى الإرهاب والفساد في البلاد، وجاءت حكومة حيدر العبادي التي اضطلعت بمحاربة الإرهابيين وتخليص السكان منهم وإعادة توحيد أجزاء البلد المفككة. ومما ساعد حكومة العبادي في إنجاز المهمة هو الدعم السياسي الواسع الذي حظيت به داخليا وخارجيا، إذ تشكل التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب استجابة لطلب الحكومة، وتسلمت الحكومة دعما ماديا وعسكريا من دولة عدة كي تتمكن من إلحاق الهزيمة بالتظيم، وها هي المعارك مستمرة.
العراق وحكومته أمام تحدٍ كبير، فالتحرير لن يكون نهاية للإرهاب في البلاد، بل هناك الكثير الذي يجب عمله، ابتداء من العمل على إعادة بناء الثقة بين الحكومة وأبناء المناطق المحررة، إلى تقديم المساعدات الأساسية وضمان حياة كريمة للسكان، بما في ذلك توفير الخدمات الضرورية كالكهرباء والتعليم والخدمات البلدية والصحية. كما طالب خبراء الحكومة بإنشاء مراكز تأهيلية للشباب والنساء والأطفال الذين عانوا في ظل حكم داعش الذي استمر ثلاث سنوات، كما إن هناك أعدادا كبيرة من الايتام الذين خلفتهم أعمال القتل والخطف الممنهجة التي مارسها التنظيم، وكذلك نتيجة للمعارك الدائرة منذ الخريف الماضي.
هناك الآن ملايين الشباب العاطلين عن العمل الذين يعانون من مشاكل نفسية بسبب الإرهاب والفظائع التي مارسها تنظيم داعش على السكان على مدى ثلاث سنوات. لذا اصبح لزاما على الحكومة أن تتعامل بجد مع هذه المشاكل وتجد صيغة جديدة للتعايش بين ابناء هذه المناطق من الطوائف والقوميات المختلفة.
هناك مسألة أخرى في غاية الأهمية وهي أن تنظيم داعش ربما تمكن من إقناع عدد كبير من الشباب بأفكاره وأيديولوجيته المنحرفة في المناطق التي سيطر عليها، ولذلك اصبح ضروريا أن نجد السبل الناجعة للتعامل مع هؤلاء وإنقاذهم من الأفكار التي زرعها التنظيم في رؤوسهم. يجب أن نعترف ان هؤلاء لن يكونوا أقل شراً من داعش بل إنهم ربما امتداد لهذا التنظيم الإرهابي، فإن لم تضع الحكومة أُسسا مدروسة للتعامل معهم فإن الإرهاب سيستمر.
السؤال الذي يطرح نفسه هو هل ستتخذ الحكومة خطوات ثقافية وتربوية واقتصادية، إلى جانب الترتيبات الأمنية المتواصلة، كي تقضي على الإرهاب والعنف بعد رحيل داعش؟