بقلم: اسماء أبو بكر
أين الوطن العربي الآن؟ وأين الأهداف الواحدة والمصير الواحد؟ أين الوطن العربي من تحقيق أمن وأمان وأمال المواطن العربي؟! وماذا أعددنا نحن العرب لذاك اليوم الذي سنكون فيه دعامة هذا الوطن الذي يجب أن يعود منارة للجميع بعد أن أخمدها المضللون، كل هذا أصبح ذكرى فقط، كل من تحدّث عن الوطن العربي حقيقة فهو واهم، من لا يبصر حجم المخاطر التي تحيط بنا فهو إما أعمى أو يتعامى، ومن يحاول الهروب من مواجهة الحقيقة التي تقول إننا في حالة حقيقية من المؤامرة، وإننا مستهدفون من قوى الشر والإرهاب سواء من الداخل أو من الخارج، فهو غير قادر على تحمل المسؤولية، ومن يتصور أنه قادر على النجاة بنفسة بينما الوطن في خطر، فهو غائب عن حقيقة ما يدور في الواقع.
ما بين العرب من خلافات واقتتال وطمع وكذب وخداع واستغلال، ومؤامرات وخيانات وغيره؛ تفوق عداوتهم الوهمية المزعومة لإسرائيل باستثناء دولة أو اتنين فقط، ولولا تقدم ونجاة مصر من كل هذا؛ لأصبحوا في خبر كان، هذه هي الحقيقة الصارمة ولكن للأسف الشديد ننكرها جميعًا، ولا يمكن لأحد منا الحديث عنها.
اعتقد أن ما يتعرض له وطننا العربي الآن أكبر مؤامرة منذ البداية، ومنها بدأوا يخططون لما يحدث الآن، فقد اختزل الكثير والكثير من التحليل السياسي والتمحيص والبحث عن المسببات والأهداف، ولكن هي مؤامرة بجدارة على قدر كبير من الشراسة، نعم نحن نتاج المؤامرة التى حيكت لنا منذ نعومة أظافر جيلنا، وستظل المؤامرة مستمرة لطالما هناك من يقبع المعتدي يتربص الحدود، ويتنقل في أزقتها شبرًا شبرًا، حتى صار لهم في كل أقبيتها ملجأ ووقر وسرداب يُخبئ لنا فيه الكثير من صنع أولاد الشياطين والمضللون، فكيف للمؤامرة أن لا تنجح وهي موجودة بالفعل في قلوب الضعفاء والتائهين عن حضن الوطن، هي باختصار شديد كما قالها عبد الناصر: “هي معاركهم ولكن على أرضنا.”
التحدي الأبرز الذي يقف في وجه أي محاولة لإصلاح الوطن العربي، هو التزاوج المعقد بين السلطة والمال والسلاح، لم يستطع أي شعب حتى الآن أن يفك هذا التزاوج عن طريق الثورات، وبالنسبة لمصر نجت إلى حد ما من النزاع الداخلي المسلح والإرهاب وقوى الشر، حيث أطاح الدعم الخارجي من بعض الدول بالدرجة الأولى، وفي تونس فقد لعب العامل الخارجي دورًا في ما يمكن توصيفه بشبه انقلاب قادة النظام القديم مدعومًا من الامارات بالمقام الأول على نظام الإسلام السياسي الذي تقوده حركة النهضة.
وفي ليبيا أدت الثورة الليبية -بعد ثماني سنوات مرت عليها- لتحويلها إلى دولة قد تكون فاشلة وفق المعايير الدولية، مع حالة من الانقسامات الاجتماعية في مجتمع مبني على أساس التماسك القبلي، وبالطبع لا مجال للحديث عن سوريا، فقد كانت ساحة حرب إقليمية؛ بسبب تدخل العديد من الأطراف الخارجية، وحاولت الاطراف العربية تكرار موقفها مع ليبيا في التدخل إلى جانب القوى المناهضة للنظام السوري كفرصة متاحة؛ لتخليص سوريا من الهيمنة الإيرانية وإعادة التوازن الإقليمي لصالح العرب بعد سنوات من رجحان كفته لصالح إيران، إلا أنهم أدركوا الحالة الليبية في سوريا ليس بتلك السهولة بعد الفشل في انتزاع قرار من مجلس الأمن الدولي بالتدخل العسكري لإسقاط النظام، ما دفع نحو دعم القوى المناهضة للنظام وتسليحها لقتال قوات النظام وإسقاطه، وأدت التدخلات الخارجية إلى حرب أهلية شنيعة أسفرت عن مقتل مئات الآلاف ودمار في معظم المدن السورية، وتحولت إلى حالة صراع إقليمي ودولي مفتوح لتصفية الحسابات وتحقيق المكاسب وتعزيز النفوذ، وكذلك الحال في اليمن ولكن بشكل بائس أكثر، فقد أدت الثورة اليمنية لأسوأ أزمة متفاقمة، ليست في المنطقة العربية فقط، بل في العالم منذ عقود تاركة ما لا يقل عن ثمانية ملايين شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة؛ لإخراجهم من دائرة الموت جوعًا.
بعد كل هذا وذاك نرى أن الثورات التي انطلقت شرارتها من تونس ثم مصر وبعدها ليبيا ومرت على الكثير من البلدان العربية وغير العربية، لم تُحدث تغيير كبير في ملامح العالم العربي غيرت الثورات الحُكّام ولم تغير الأنظمة، ولن تتغير ما دام التغيير لم يصل إلى المحكومين قبل الحاكمين.
وكل هذا يجعلني أعتقد أنه طالما لم يمس التغيير الأفراد، فليس هناك تغيير حقيقي؛ لأن التغيير الحقيقي لا يأتي إلا بعد الهزات العنيفة، والضعيف البارع يستطيع أن يحول تتدافع خصمه القوي إلى قوة لإسقاطه بدلًا من الوقوف بوجهه والانسحاق تحت وطأته، فالتغيير لا يكون للأفضل إلا إذا رافقه وعي، وإلا سيتحول إلى كارثة مدمرة لنا.
تكالب الأحزاب على المسلمين في جميع الأرض ما هو إلا رد فعل طبيعي؛ لأن الأمة دب فيها الوعي ولم تعد تنخدع بنفاق المستعمرين الذين بدأوا يشعرون أن الغلابة سيفلتون من قبضتهم وهيمنتهم، فالطفل وهو طفل عندما تريد أن تنتزع منه شيئًا يملكه تراه يتمرد فكيف بدول جشعة لا همّ لها إلا الشراسة والطمع ترى أمام ناظريها كيف تريد الأمم العتق من استعبادها وهيمنتها، وقد صدقت نفسها أن الأمم أصبحت ملك وعبيد لها، ولكن هيهات هيهات لهم “من أمة تنام ولكن لا تموت.”






























