بقلم: تيماء الجيوش
يجب ان اعترف انني كنت محظوظة جدا «بوجود العديد من الاصدقاء الذين كان تواجدهم في دمشق كنزا» لي فمن خلال دعمهم لحقوق الانسان و حقوق الطفل وحقوق المرأة تحديداً و من خلال ايمانهم الشديد بدعم وحماية ونشر ثقافة حقوق الانسان و عدم توانيهم ولو للحظة في تقديم المعلومات استطعت ان ابدأ اكاديمياً دراستي و ابحاثي عن حقوق الانسان. وعن تاريخ نشوء الديمقراطيات لا سيما الحديث منها . كان الاصدقاء من بلدان مختلفة بريطانيا السويد هولندا لدانمارك و الولايات المتحدة الامريكية.
تتدفق من جانبهم المصادر و المعلومات و النقاش و الاجابة عن اسئلة لا منتهية، وعن تجارب بلدانهم كيف نجحت و متى اخفقت و بكل شفافية لا استطيع إلا ان انحني امامها احتراماً .
مضت عشرون عاماً لانضمامي كباحثة زائرة لبرنامج حقوق الانسان في جامعة كولومبيا في العام ١٩٩٩ ولازلت اذكر انني كنت سعيدة جدا» طوال رحلتي الى مدينة نيويورك و لم اتذمر من بقائي في استانبول لمدة خمس ساعات . كنت اقرأ كتابي و بنهمٍ شديد ، كان عن اولف بالمه ولم اشعر حقيقة بالوقت. عندما هبطت الطائرة على ارض مطار جون كنيدي في نيويورك كان هناك من ينتظر قدوم الباحثين و المشاركين في Columbia University برنامج جامعة كولومبيا لحقوق الانسان من ارجاء العالم .
وصلنا النزل و من هناك بدأت الرحلة التي انتظرتها ، هذا ما انتظرته حقا» منذ امتدت يدي للكتاب الاول كي اقرأه و لم يكن عمري يتجاوز الحادية عشر لم يكن امرا» مستبعدا» و كيف لا و قد احتلت مكتبة منزلنا الجدار وغطت زاوية بالكامل حتى لتظن ان الحائط قد صُنِع بأكمله من الكتب و تتباهى بالعناوين التي حضرت بألوان العالم و حضاراته و فلسفاته و ثقافاته من جاك سارتر الى ارنست همنغواي الى شكسبير الى شارلز ديكينز الي ستاندال الى تولستوي الى البرتو مورافيا الى روزا لوكسمبورغ و فرنسواز ساغان الى ماركيز و ايزابيل الليندي. و الى جانب ذلك قسم لا يستهان به خُصص فيها عن حركة الحريات المدنية و النظم السياسية و حقوق الانسان و الديمقراطيات الحديثة في اوروبا و شمال امريكا. كان السياق واحداً لا يمكن ان تفصل الزخم الثقافي و الفكري عن خياراتنا.
في ذاك المساء احتضنت الكتب بيدي و عدت من الجامعة الى النزل الطلابي . في الطريق كان البرد يزداد حده في نيويورك New York City مع هبوط الليل لكنني كنت سعيدة فأنا سأبدأ بدراسة حقوق الانسان أكاديمياً و خطوة بخطوة خلال عام كامل سأدرس المواثيق و المعاهدات الدولية و كل ما يتصل بحقوق الانسان من حيث النظرية و التطبيق لا سيما في العالم العربي اين كان النجاح و متى و لماذا كان الاخفاق و العودة المتردية الى نقطة البداية في المجتمعات العربية. المقارنة بين القوانين العربية و حمايتها لحقوق الانسان لا سيما حقوق المرأة و الطفل مع القانون الدولي و اين كان اللقاء مع معايير حقوق الانسان؟ متى ؟ لماذا هذه الخروقات ؟ هل حقاً هي مستندة الى نظمٍ سياسية و إرادة هذه الحكومة أم تلك؟ أم هذه الخروقات و التحفظات تستند الى نظمٍ اجتماعية بالية تعطيها الحصانة و الاستمرارية؟بمعنى اخر هل هي انتهازية سياسية و علاقة جذرية ما بين نظمٍ سياسية عفا عليها الزمن بشموليتها وحلقاتٍ اجتماعية متخلفة تستمد قوتها من هذه العلاقات الجذرية مع النظم الشمولية؟
تلا ذلك ابحاثاً قمت بها.
المصادر التي وجدتها في مكتبة الجامعة كانت هامة جداً ففي مصادر متعددة لا سيما التاريخية منها كان التوثيق الهام عن المشاركة العربية في صياغة الاعلان العالمي لحقوق الانسان لأجد ان بعضاً من الدول العربية كانت ممثلة بوفودها مثل مصر، سوريا، لبنان، وفد العربية السعودية كان يترأسه السيد البارودي من سوريا. علماً ان عدد الدول المشاركة في وضع الاعلان لم يتجاوز الخمسين دولة. ألقيت نظرة متفحصة حول من اعترض و من تحفظ. درست اكثر التحفظات و المراجع الدينية و الثقافية التي تم اعتمادها من قبل جميع الوفود . المبادئ الانسانية العامة لايختلف عليها اثنان . القيم الانسانية لا يختلف عليها اثنان. من ينبذ السلام و العدالة و التسامح ؟ لا احد. من يقوم بدعم العنف و الحروب ؟ بالتأكيد ليس من طبيعة البشر العدوانية و العنف. و إذاً من اين تأتي هذه الخروقات؟ لربما من السلطة و من ثم الحفاظ على مزيد من السلطة السياسية والنفوذ . لا يهم كيف اتيت الى رأس الهرم السياسي في بلدان الشرق السعيد و البعيد بل المهم كيف تبقى و تزداد قوة و تمعن في ممارستها تعسفا و اضطهادا غالب الاحايين. . كان معيباً و مثيراً للشفقة كم التفسير و محاولة اخفاء هذه الخروقات. كان مثيراً للشفقة ان ترى هذا الكم من التشبث بالسلطة و دحر كل ما يقف أمامها.شخصياً لست اجده أمراً طبيعياً على الإطلاق.
كان يثير فضولي في ظل هذا الكم من الاضطهاد و القهر كيف استطاع المحامون و الكتاب و الصحفيون وكل ذو صلة ان يعلموا بوجود حماية قانونية و معاهدات و مواثيق دولية في دمشق او اية عاصمة عربية اخرى؟
لا اظن ان الحكاية تختلف ، لا اظن ان من امن و دافع عن حقوق الانسان سيبقى بعيداً عن نشر ثقافة هذه الحقوق ورفع سوية وعي الافراد عن حقوقهم السياسية و الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية. لا يقتضي الامر جهداً كي تصل الى ان من تملي عليه قيمه و مبادئه ان يقف الى جوار هذه القيم لن يعدم الوسيلة . في دمشق في نهاية التسعينات لم يكن هناك مراكز بحثية ضخمة و لا مؤسسات إقليمية متخصصة في حقوق الانسان و لا مؤتمرات عامرة تمتد لأيام بل كان هناك أفراداً آمنوا بحقوق الانسان ، آمنوا ان نشر ثقافة حقوق الانسان يعني مزيدا من الكرامة و العدالة.
اسبوع سعيد لكم جميعاً