بقلم: سليم خليل
تحدث الرئيس الأميركي باراك أوباما عن السجون الأميركية وعن المساجين والجرائم والأحكام الصادرة من القضاء، وقد قام بزيارة أحد السجون ويَعتبر أول رئيس أميركي يزور سجنا؛ لا ليضطلع شخصيا على ما يجري داخل السجون ؛ بل ليعلن للجماهير عن إستيائه ورفضه للوضع المأساوي والأحكام المجحفة للمساجين .
ما ذكره الرئيس أوباما مختصر عن مصالح تجارية تقوم بها شركات خاصة في أكثر السجون بعقود تمولها الدولة الأميركية بميليارات الدولارات ؛ وتجني الشركات المتعاقدة أرباحا خيالية.
كلفة إقامة السجين السنوية تختلف من ولاية إلى أخرى وتحصًلها الشركات من الدولة بموجب العقود . إن معدل كلفة السجين عشرين ألف دولار سنويا؛ يرتفع هذا السعر إلى سبعة وأربعين ألفا في كاليفورنيا لأن ولاية كاليفورنيا تعتبر الأكثر كلفة في الولايات المتحدة.
عام 2012 كان مجموع تكلفة القضاء الجزائي ورجال الأمن في السجون وكلفة إقامة المساجين ٢١٢ ميليار دولار .
تعتبر نسبة عدد المساجين في الولايات المتحدة بالنسبة لعدد سكانها الأعلى في العالم ؛ وهي خمسمائة سجين على مئة ألف من السكان ؛ أما المعدل في البلدان الأخرى : مئة سجين على مئة الف من السكان وهذا يعني أن النسبة في الولايات المتحدة أعلى خمسة أضعاف من مثيلاتها في العالم .
لماذا هذا الفارق الهائل؟ تحدثت الصحافة الأميركية منذ عدة سنوات عن علاقة الشركات بالقضاة وألقي القبض على بعض القضاة لإصدارهم أحكام جائرة بعدد سنين طويلة لجرائم لا تستحق تلك المدة الطويلة ؛ طبعا بقدر عدد السنين الطويلة للأحكام بقدر ما تجني الشركات من الدولة نفقات إقامة السجناء؛ وأكتشفت دوائر التفتيش حسابات خارجية بالملايين لقضاة يصدرون أحكاما بسنين طويلة تعود بالربح الهائل لصالح الشركات المتعاقدة.
نسبة المساجين الرجال تسعين بالمئة وعشرة بالمئة نساء . إن نسبة الحكم بذات الجريمة هي ١٤ ضعفا للرجال مقارنة بالحكم على النساء . كما أن مدة الأحكام على الأميركيين من أصل أفريقي تقدر بأضعاف أضعاف المدة لذات الجريمة المرتكبة من الأميركيين من أصل أوروبي أو البيض بشكل عام. تحدث الرئيس باراك أوباما عن هذا الموضوع بإيضاح .
منذ ثلاث سنوات وفي هذه الزاوية من الرسالة ونقلا عن الأخبار العامة جرت مقارنة بين جورج زيمرمان الذي برأته هيئة المحلفين في فلوريدا في جريمة قتل شاب أسود لا يحمل سلاحا ؛ وفي مدينة أخرى من فلوريدا حكم القاضي على سيدة أميركية من أصل أفريقي والدة لثلاث أطفال مطلًقة بسبب عنف منزلي ؛ أرادت منع زوجها المطلًق من الدخول إلى منزلها بالقوة وأطلقت النار من مسدس في سقف بيتها لردعه من الدخول، كان نصيبها السجن خمسة وعشرين سنة . بعد هذا الحكم المجحف جرت مظاهرات وإعتراضات في مدن كثيرة ولآسابيع لإعادة محاكمة تلك السيدة .
يتصدى الرئيس باراك أوباما لمشاكل لم يعالجها الرؤساء السابقون ؛ ولم يبقى من مدة ولايته سوى سنة ونصف تقريبا ؛ ويجابه شركات كبرى تجني أرباحا خيالية تحصلها من خزينة الدولة بعقود خدمات مثل إدارة السجون ؛ ولهذه الشركات تأثير هائل على الإنتخابات العامة بتبرعاتها المالية لدعم المرشحين للرئاسة وللكونغريس ولمجلس الشيوخ ولحكام الولايات ولمخاتير المدن إلخ إلخ .
لقد نجح الرئيس باراك أوباما في تطبيق مرحلة مهمة من الضمان الصحي الحكومي بالرغم من معارضة الأكثرية من الحزب الجمهوري في الكونغريس وفي مجلس الشيوخ بالإضافة إلى الإتفاق النووي مع إيران واستعادة العلاقات الدبلوماسية مع كوبا ؛ وأكسبته مع إدارته ومساعديه هذه النجاحات تأييد ومحبة القسم الأكبر من الشعب الأميركي .
سنتحدث في العدد الفادم عن الشركات المستفيدة من عقود إدارة السجون وإستغلال المساجين.