بقلم: تيماء الجيوش
ترتبط أشكال الاضطهاد عبر سلسلة واحدة أساسها الظلم ، إنكار الكرامة الإنسانية ، محاربة الاختلاف و عدم الاعتراف به أو إحترامه.
لربما المثال الأوضح هو لدى النساء الناجيات من العنف و الاضطهاد أو لربما ذاك القائم على اللون و العرق و الدين أو ربما الموجّه ضد المهاجرين و اللاجئين ….الخ. و من نافلة القول أن هذا بمجمله يقود الى العنصرية و إن كانت طفرة أم تجذرها في المجتمعات بعيد ؟ فإن كان هذا أو ذاك ، ما هي آثارها و آليات انهائها؟. على أية حال يصح القول بأنها تُرتكب من قبل أفرادٍ أو مؤسسات أو دول أو أنظمة أو جماعات مسلحة. تتسع المساحات أو تضيق إعلاميا لمناقشة ذلك و بحسب حجم الحدث و ألمه إن كان عالمياً أو محلياً تنوع مساحاته الجغرافية وًحلقاتها إن كان على صعيد دولة أو مدينة أو قرية أو ما بين الأفراد و من أمثلته ما جرى منذ أيام في مدينة لندن في مقاطعة اونتاريو و قتل عائلة مسلمة او قتل المُصلين في مسجد مدينة كيبيك أو اضطهاد المسيحيين في بعض أجزاء أسيا و منعهم من بناء كنائسهم وربما قتلهم، أو ما قامت به داعش في البلدان العربية ضد الاقليات ، أو معاداة السامية ، الهولوكوست واضطهاد اليهود او التمييز ضد السيخ أو قتل فلويد في مينيسوتا. تتعدد الاوجه و الامثلة تتراكم و جوهر الأمر أن العنصرية واحدة مهما تبعثرت و تنوعت أوجهها.والعنصرية تعريفاً هي مجموعة من الممارسات و المعتقدات التي تدفع و بالإستناد الى أسبابٍ تتعلق باللون، العرق، الدين، الثقافة الى تهميش ، حرمان و إضطهاد فئات معينة أو أشخاص أو مؤسسات في المجتمع يدعمها في ذلك منظومة قانونية . على الصعد المحلية ، تُشكل مكافحة العنصرية و التمييز الممنهج و القائم على أساسٍ عرقي ، ديني ، ثقافي أو جندري مسألةً بالغة الأهمية في المجتمعات الإنسانية المتحضرة و التي بات تنوعها العرقي و الثقافي إحدى أوجه هويتها . و على هذا بات من اهم اولوياتها السياسية الاقتصادية المجتمعية الثقافية هو اندماج الافراد القادمين بموجات الهجرة و اللجوء الى مجتمعاتهم الجديدة مع دراسة التحديات التي قد تقف حائلاً دون هذا الأمر . تقدمَ العديد من الشُرّاح بأن العنصرية و التمييز متقدمة دون سواها من التحديات تهدد أمن مجتمعاتٍ بأكملها ، تخلق طبقاتٍ من مواطني الدرجة الثانية و بحماية التشريع و القانون يستمر التمييز دون هوادة بين أفراد المجتمع الواحد إن صح التعبير. و الحال هذا لا بد من مؤسساتٍ تُعنى بهذا الأمر و تراقب شرعة الحقوق من حيث التطبيق بشكلٍ موازٍ لهيئات أو لجان تُعنى بمحاربة العنصرية ، التمييز ، الفوبيا ، جرائم الكراهية.
لم يختلف الوضع في مونتريال عن غيرها من المدن . كان صدور مكتب مونتريال للاستشارات العامة مؤكداً له في شهر حزيران / يونيو ٢٠١٩.
Office de consultation publique de Montréal (OCPM).
توصيات التقرير أشارت الى طبيعة التمييز المنهجي والعنصرية في مجتمع مونتريال كجزءٍ من المجتمع الكندي و أنه لهذه الغاية لا بد من تغييرٍ ثقافي أولاً و من ثم متابعتها من قبل المؤسسات والهيئات المحلية العاملة لمواجهة هذه القضايا. تلا ذلك ماأقرّته اللجنة التنفيذية لبلدية مونتريال بوجوب إحداث منصب مفوض لمكافحة العنصرية و التمييز . حينها تم تعيين السيدة بشرى مناعي Bochra Manai.
Commissioner, Bureau de lutte contre le racisme et les discriminations systémiques, Ville de Montréal
ذات الاصول المغاربية كمفوضٍ للعنصرية و التمييز الممنهج لدى بلدية مونتريال في العام ٢٠٢١. جاءت بشرى مناعي مهاجرة الى كندا، كيبيك في العام ٢٠٠٩ و لتبدأ عبر دراساتها و تحضيرها لرسالة الدكتوراه ببناء شبكتها العلمية و الاكاديمية و المهنية و فهمها للعلاقة ما بين العمل البحثي و التطبيق العملي له في المدينة و فهمنا للآخرين ما هو و ما ذا يعني؟ وما يعنيه أن تكون إمرأة في إطار هذا كله و بحسب توصيفها فالنساء الباحثات يعملن بشروط مختلفة و عليهن العمل و النشر بالرغم من الصعوبات و كإمرأة ذات أصولٍ عرقية مختلفة فأنه عليها أي بشرى مناعي أن تقدم البراهين في ابحاثها الفكرية و الاكاديمية و المؤسساتية.أيضاً أضافت في مواضع اخرى :
«لا يمكننا التفكير في السياسات العامة دون النظر الى انعكاساتها في العالم ، مع مراعاة الحقائق الاجتماعية والعرقية والهجرة.»
«we can’t think about public policies without reflecting on how they work in the world, taking into account social, racial and migratory realities.»
إحدى المهام الاساسية للمفوض / المفوضة هو وضع خطة عمل يشرف عليها و ينفذها بما تحمل من اقتراح بتدابير بنيوية تتوجه للجميع من خلال النظام البلدي .
كما سيقوم المفوض/ المفوضة برصد كل ما تقوم به هيئات و مؤسسات بلدية مونتريال الى جانب تدريب موظفي هذه الهيئات على أشكال التمييز العنصري و نتائجه و كيفية تطوير وسائل التوعية العامة ما يُمّكن الافراد من حقوقهم و المصادر المتعددة.
بإختصار مكتب المفوض سيكون هو دعامة بلدية مونتريال لمزيدٍ من الإندماج و انضواء الجميع تحت مظلة مجتمعية واحدة تحترم الكرامة الإنسانية.
ولربما هذا وجه مونتريال الشاب الذي يدعو الى التغيير وعدم التفريط بالهوية القائمة على احترام الكرامة الانسانية والحضارة في أرقى صورها.
الرحمة لضحايا العنصرية مهما تعددت اشكالها و صيغها ومهما تغيرت جغرافيتها. كندا بلد التسامح و احترام الحريات و الحقوق و ستبقى كذلك ما دام هناك من يطرح السؤال و يحلل و يبحث عن إجابة من حيث النظرية و التطبيق.
كل التوفيق بشرى مناعي. أسبوع سعيد لكم جميعاً.