بقلم: سليم خليل
نشرت الصحافة في الحرب العالمية الأولى التي اندلعت بين فرنسا وألمانيا على طول الحدود الفاصلة قصة قريتين: قرية فرنسية تقابلها في الأراضي الألمانية قرية ألمانية ؛ وأن سكان القريتين خلال أيام السلم يتعاملون وكأن لا حدود مرسومة تفصلها عن بعضها ؛ ونتيجة التعامل السلمي المستمر تواجدت بين العائلات في المنطقتين علاقات صداقة وقرابات نتيجة حب وزواج شباب وشابات من عائلات في القريتين .
كما إن تلك العلاقات العائلية أدت إلى تبادل زيارات وتهاني في الأعياد بدون حواجز تذكر بين المنطقتين .
في القرية الفرنسية شاب موسيقي أتقن العزف على عدة آلات موسيقية ؛ كان يعزف في كنيستي البلدتين في الأعياد والمناسبات المقدسة والأفراح واشتهر باسم الموسيقار لويس ؛ ولم يمتنع يوما عن تلبية طلب كاهني الكنيستين في المشاركة في أي احتفال أو مناسبة ونتيجة لذلك أصبح محبوبا ومعروفا من الجميع .
في ليلة الميلاد أيام السلم كان شباب القريتين ينظمون حفلة جماعية مفتوحة للجميع وكان لويس نجم الحفلة يعزف الموسيقى حتى صباح يوم العيد حيث يتبادل المشاركون التهاني ويعودون إلى قريتهم ومنازلهم .
اندلعت الحرب عام ١٩١٤ وشرعت الدولتان بتوزيع الجنود على الحدود وتنظيم الدفاع وتوزيع الأسلحة على الشباب وتدريبهم على استعمالها استعدادا للقتال أو الدفاع ؛
وبطبيعة الحال أخذت العلاقات بين سكان القريتين تتغير بوجود ضباط وجنود من مناطق أخرى من البلاد يتبعون أوامر القيادات العسكرية بدون الأخذ بعبن الاعتبار العلاقات الودية بين عائلات القريتين .
اقتربت مواسم عيد الميلاد المجيد والسنة الجديدة ووقع شباب القريتين في حيرة كيف يمكن تنظيم الاحتفال بذلك الوضع وأخبار القتال هنا وهناك تصلهم؛ ويوما بعد يوم يزداد التوتر في المنطقة ويتم تجنيد المزيد من الشباب على الجبهتين!!
ليلة الميلاد ؛ كان لويس الموسيقار قلقا ومضطربا كيف يمكن تمضية ليلة العيد بدون الاحتفال الذي أصبح تقليديا بين سكان البلدتين !!!
فجأة؛ وفي مطلع ليلة العيد ؛ قرر لويس أن يقوم بعمل فدائي وبدون خوف انطلق من قريته الفرنسية حاملا البوق متجها إلى المنطقة الألمانية يعزف أناشيد الميلاد !! تهيأ الجنود الألمان أطلاق النار وإذ بزملائهم ؛ الجنود من القرية الألمانية يصرخون لا تطلقوا النار هذا الموسيقي لويس ! رجل مسالم !! لا يحمل سلاحا! وقف بين القريتين وتابع العزف وإذ بالجنود من الجهتين يتقدمون باتجاه الموسيقي لويس وبسرعة انتشر الخبر بين سكان القريتين بان الاحتفال بالعيد يقام على الحدود، فهرعوا حاملين المشروبات والطعام وأمضوا ليلة العيد بأناشيد العيد والفرح والرقص الشعبي حتى صباح يوم العيد .
عند بزوغ نور الصباح تبادل السكان والجنود تباريك العيد وعادوا إلى مساكنهم فرحين بالاحتفال والمناسبة التي تمنوا أن تتكرر في المستقبل بدون عدوان وتعصب وقتال وتفرقة وضحايا!!
أتمنى لبلادنا السلام والمحبة والوفاق والاستقرار وأتمنى ارسال أمثال الموسيقي لويس ليجمع الأفارقة المتصارعة وإبعاد الغرباء ليعم السلام والمحبة .