الناقدة: أحلام الأسيوطي
( الموضوع): الأحداث تدور بين أربع زيجات وهم : خالد (فتحي عبد الوهاب) متزوج من بيري (منى زكي) ولهما طفلة ملك ، وهو يخون زوجته كلما أتيحت له الفرصة . أبن خالة بيري سامح المتحرر (شريف منير) يحب إيناس (علا غانم) ويخشى الزواج خوفاً من القيود . عمرو (أحمد حلمي) شاب مهذب متوسط الحال ، متزوج من فرح (حنان ترك) أبنة الأثرياء التي كانت مخطوبة من “علي” (خالد أبو النجا) تركها وتزوج من مشيرة (جيهان فاضل) وله مشكلة جنسية . وتتوالى الأحداث .
(التحليل والنقد) : قصة وسيناريو وحوار (تامر حبيب) .
عزيزي القارئ ، السيناريست ، بدأ وختم فيلمه بمشهدين مهمين : (الأول) حفلة ميلاد الطفلة ملك أبنة خالد وبيري عرض في هذا المشهد مشكلة كل زيجة. ختم بمشهد حفلة زفاف سامح وإيناس وكان ذلك (حل)لكل مشكلة. وبين المشهدين كان البناء الدرامي للفيلم نفسه . تدور أحداث الفيلم بين شخصيات مليئة بالمتناقضات في كل زيجة . كل (تناقض) مختلف عن الآخر بإختلاف الزيجات ، ومليئ بالأنفعالات العميقة في أدق تفاصيل الحياة المعاشة . كيف ؟ (بدراسة الشخصيات) :
(خالد وبيري) (خالد) متعلم ويحب زوجته من أيام الثانوية ولكنه يخونها . (بيري) سيدة فاضلة وجميلة .(الصراع) تعلم بيري خيانة زوجها لها . أما هو (فيجهل) هذه المعرفة .(أزمتها) تكتشف خيانته مع كل سيدة يتعرف عليها .
الخطأ المأسوي: {(جهل) خالد هذا، أوقعه في (خطأ مأسوي) ناتج عن ضعف بشري ، مثل اي إنسان يتشابه في وجود نقطة الضعف تلك مع بقية البشر. ومن هنا يحصل التعاطف بين الجمهور(والبطل المأسوي) لأنه يذكرهم بمواقف مشابها في الحياة فيثير فيهم عاطفتي : الشفقة والرحمة}. ووصلت بيري (للذروة) عندما تقابل خالد مع سيدة في السيارة فإذا بها (دون علمه) تطلب من الموبيل رقم تليفون منزل خالد، فترد بيري . تسمع تأوهاتهما الجنسية .(القرار) تواجه خالد وتقرر الأنفصال رغم حملها في الطفل الثاني . يشعر خالد بحقارته . يذهب مع الأصدقاء الى الإسكندرية (كنوع من الهروب من قبحه النفسي أمام زوجته) . (النتيجة) يشعر خالد بوله وحبه تجاه زوجته فيقرر أن يقطع أي علاقة لإنقاذ الزواج .” فتحي عبد الوهاب “ و”منى زكي” أداء السهل الممتنع .
(عمرو وفرح) : قبل بداية الفيلم ، (فرح) كانت مخطوبة (لعلي)، و(عمرو) كان صديقه . ترك (علي) فرح لتعاليها عليه ، وطلب من عمرو أن يقف بجانبها . وفي الفيلم ، نرى عمرو متزوج من فرح . ودائماً فرح تريد إثبات (لعلي) أنها تزوجت من عمرو وهو أفضل منه . و(تجهل) أنها بذلك من ناحية ، مازالت تحب (علي) ، ومن ناحية أخرى تجرح عمرو في صميم كرامته ورجولته . وهذا (الجهل) أوقعها في (الخطأ المأسوي) مثل خالد . (النتيجة) أنفجر عمرو وأظهر مشاعره الجريحة منها كلما جاءت سيرة علي . تركها وسافر للإسكندرية مع أصدقائه. من هنا كانت الصحوة الكبيرة لفرح بادراك الأنانية المفرطة منها تجاه عمرو .
في مشهد مهم بين فرح وأمها نوارة (رجاء الجداوي) أعطى السيناريست خلفية مسبقة (للمشاهد) عن كيف تنصح الأم أبنتها في وقت الشدة لإعادة زوجها . الأم تصف عمرو بأنه كلب ، فتدافع عنه فرح . فتفهم الأم أنها تحبه فتقول : قوليله أنك حامل ! تنصحها بإدعاء الحمل . لم تعير فرح لهذا الأدعاء الكاذب ، لكنه أختزن عندها في ذهنها (وعند المشاهد أيضا) . وعندما أراد عمرو تركها وتطليقها ، هنا أطلقت نصيحة أمها وقالت (بحرقة) أنا حامل !! فألتفت عمرو لها وقالت (بصدق شديد) : و(بحبك). فعاد إليها. فاطمأن الجمهور لنصيحة الأم لأنقاذ زواج أبنتها. (أحمد حلمي وحنان ترك) .مباراة في الأداء المقنع .
(علي ومشيرة) زيجة جميلة ، ولكن ينقص الرجل معرفة أحتياجات المرأة . هذه الزيجة تقدم موضوع شائك تماماً (ويجهله) الرجل الشرقي عن المرأة . (فعلى) كرجل ، يشبع غريزته الجنسية و(يجهل) إذا وصلت زوجته لأشباع أحتياجاتها الجنسية أم لا؟ وذلك يتدخل فيه (أولا) : ثقافة الشرق – لعدم تعليم الرجل الثقافة الجنسية للطرف الآخر وأحتياج جسد المرأة للأشباع الجنسي الذي بدونه لا يستطيع الجسد الأتزان ويفقد السيطرة على حواسه. (ثانيا) مركز الرجل الشرقي المسيطر ومفهوم الرجولة عنده أنه قادر على الأشباع. أما المرأة فهي مجرد أداة جنسية، و(يجهل) أن الرجولة في علم النفس : هو كيف يتفنن الرجل في إشباع حبيبته جنسياً حتى تشعر أنها لا تستطيع الأستغناء عنه لانه (رجل) أحلامها .
كان السيناريست “تامر حبيب” يدرك ذلك الموضوع وعرضه بأهتمام كبير للمرأة. فمشيرة تخجل أن تقول لزوجها بأنها لم تشبع جنسياً . وتراكم الكبت الجنسي عندها . فإذا بمشيرة تريد الطلاق ولا تستطيع الأفصاح لزوجها أو لشقيقها الذي لا يهمه سوى أن (علي) يدير أعمالهم . (فمصلحتهم) أهم من (الجنس) . تفهم مشيرة وتذهب لدكتور نفسي بلا جدوى . تحاول الخروج مع وائل(أحمد هارون) شاب يغازلها ، ذهبت معه للهرم ولكنها في آخر وقت تراجعت . أظهر السيناريست (علي) في الأسكندرية مع أصدقائه ، مارس الجنس مع عاهرة “دنيا” (أنتصار) . وهنا أدرك أنه لا يشبع رغبات زوجته . عاد إلى مشيرة والندم بقتله . (خالد أبو النجا وجيهان فاضل) : أداء طبيعي سلس .
(سامح وإيناس) الحب الوحيد الذي لم يتم الزواج بينهما . فسامح متحرر لا يريد قيود مسئولية الزواج (صراعه) أن ايناس تريد العمل مع رجل الأعمال ( حامد بيه المهدي) “سامي العدل”. علمه أن وراء هذا العمل يطمع البيه في حبيبته. (الأزمة) تطلب ايناس أن يتقابلا مع حامد بيه (الذروة) في حوار مع البيه ، يعرف سامح ، أنه يريد البيه أن يعينه بأضعاف أضعاف مرتبه . تدارك سامح (كرجل) أن معناه : لو كان يستحق هذا المبلغ ، فلا يستطيع رفض أوامره !!! أما إذا كان لا يستحق ، فهو يقدم (ايناس له) وهذا معناه أن يصبح (قواداً) وعلى حد قول سامح : ده أنا حبقى زبالة . وهذا لا يتفق مع شخصية سامح لذلك رفض العرض . تقابلت ايناس مع حامد بيه فأعترف لها : أنا ما عنديش مانع أن أشارك سامح فيكي ، ويبقي معاكي حبيبك وفلوسي . هذا الأعتراف جعل ايناس تنتقل من حالة فكر مغلق إلى حالة فكر متفتح ذهنياً وأتخذت (قرار) : التضحية بطموحها في سبيل حبيبها . أقترح “ سامح” على أصدقائه : على وخالد وعمرو أن يذهبوا إلى الأسكندرية في شقته القديمة. وأظهر السيناريست أن هذه الرحلة كانت بمثابة العلاج النفسي لكل رجل بأنه سيضحي ويتنازل عن اشيائه في سبيل الأحتفاظ بنصفه الآخر . (شريف منير- علا غانم) : أداء متمكن .
مشهد زفاف سامح وايناس ، أعطى الفرصة للمشاهد لأستنتاج رسالة الفيلم : بأن الحب العظيم يستلزم التضحية من الطرفين . فكل زيجة تحدثت بصراحة مع الآخر حتى وصلوا للتفاهم المنشود . حامد بيه يهنئ العروسين سامح وايناس بلا اي ضغينة . والجميع يرقص : خالد مع بيري ، على ومشيرة ، عمرو وفرح فكانت نهاية مقبولة ومقنعة وسعيدة . رجاء الجداوي ، أنتصار – سامي العدل – أحمد عبد الهادي – أحمد كمال خبرة كبيرة أثقلت الأداء .
(فقط) : مشيرة تقابل الشاب وائل ( احمد هارون) في الهرم ، تستلقي على الرمل وتحاول أن تستجيب لقبلاته في خدها . ثم تنفر منه وتعود للمنزل . كان من الممكن الأعتداء عليها ، او يتخذ لها صوراً لأدانتها . أما تركها للعودة لمنزلها ؟! ليس سهلاً للأقناع .
(الإخراج) “ هاني خليفة”
يعتبر هذا الفيلم من أنجح أفلامه ، وقد وفق في أختيار الممثلين الثمانية وأعطاء الدور المناسب لهم . ورغم أن منى زكي زوجة أحمد حلمي (في الحياة) إلا أنهما ليس أزواجاً في الفيلم . ووفق أيضاً في أختيار الجيل الأول مثل رجاء الجداوي وسامي العدل وغيرهم . انتاج جيداً للشركة العربية للإنتاج والتوزيع السينمائي ، أما مدير التصوير “ أحمد عبد العزيز” فقد أبرز اللقطات المكبرة (كلوز) للأربع زيجات على الوجه حتى نشاهد رد فعل كل شخصية . والتصوير الخارجي : سواء بالإسكندرية على البحر (دون بشر) وجمالها الذي يذكرنا بأيام زمان، وتصوير الهرم في الليل ولا يوجد سوى الممثلين (مع الهدوء والسكينة) ، والمرح للأربع أزواج يغنون يا سهر الليالي “لفيروز” جعلنا نغني معهم . أما (مونتاج) “خالد مرعي” فكان تقطيع يوازي الإيقاع السريع وفي الخلفية تدخل موسيقى this is my song لكل موقف حزين . ولاننسى الموسيقى التصويرية “ هشام نزيه” أمتعنا بها . والفيلم يحث على التفاهم والصراحة بين الزوجين وتنازل عن بعض الأشياء في سبيل أسعاد الأحبة ، هو أهم شئ في الوجود . كل هذا كان ورائه المخرج (هاني خليفة) الذي قدم فيلماً جيداً جداً يعتبر من (زمن الفن الجميل للسينما المعاصرة) وقدم فيلماً يحمل رسالة هادفة وهي : “أن الحب العظيم يستلزم التضحية من الطرفين” فتحية مني لكل العاملين لهذا الفيلم .