بقلم: الاب / فريدريك اليسوعي
تكلمت في العدد الماضي من «الرسالة» عن الأدلة الروحية التي تؤكد على قيامة السيد المسيح من الأموات، وتوقفت عند النقطة الخامسة وهي النقطة المعنونة بــ «إحياء السيد المسيح لموتى الجسد وموتى الروح» لكي أتناولها باستفاضة تليق بأهميتها خاصة وأن السيد المسيح لم يكن يُقيم الموتى من قبورهم ليتركهم يعيشون كما كانوا يعيشون من قبل كما فعل مع ابنة يايرس وابن ارملة نايين ولعازر، بل كان يُحيي نفوس الذين سيطرت عليهم الخطيئة ليجعلها متوافقة مع صفاته الأدبية السامية، كما لا يزال يفعل هذا حتى الآن مع كل الذين يؤمنون به إيماناً حقيقياً، والرسول الذي اختبر هذه الحياة الروحية أعلن هذا جلياً حين قال «لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطيئة والموت».
ويأتي هذا مُصِّدقاً لقول السيد الرب له كل المجد «أما أنا فقد أتيت لتكون لهم (أي البشر) حياة وليكون لهم «حياة» أفضل (يوحنا 10:10)، بالإضافة لقوله: «الذي يؤمن بالأبن له حياة أبدية ولا يأتي إلى دينونة بل قد انتقل من الموت إلى الحياة» (يوحنا 3:36، 5:24).
وقد أشار الإمام الرازي إلى أن المسيح مصدر الحياة قائلاً عنه : إنه كان السبب لحياة الخلق في أديانهم .. (تفسيره ج3 ص 364) كما أشار الإمام البيضاوي إلى هذه الحقيقة فقال عنه ( إنه كان يُحيي الأموات والقلوب) وذلك في تفسيره (ج2 ص 130).
وشخص مثل السيد المسيح يُحطم قيود الموت ويُخرج النفوس من الهاوية لكي تعود إلى أجسادها ويبعث في الخطاة أيضا حياة روحية تُحررهم من قوة الخطيئة وتسمو بهم فوقها، لا يمكن بحال من الأحوال أن يظل جسده في القبر بعيداً عن روحه بل لا بد وأن تعود روحه إلى جسده المائت لتقوم به مُنتصراً ظافراً متحدياً القبر وكل ما وراء القبر … ولو لم يقم المسيح من الأموات لشككنا بوجود الله وعدله وعدالة ناموسه لسماحه بموت شخص لا يجوز أن يدنو منه الموت على الإطلاق!
وقد يقول البعض إذا لماذا لم ينقذ الله القديسين الشهداء من الموت والقتل قديماً؟ والجواب ببساطة هو لأن هؤلاء القديسين تكمن فيهم الطبيعة الخاطئة مثل غيرهم من الناس، كما أنهم غير معصومين من تنفيذ رغباتهم، ومن ثم فإنهم يحملون في ذواتهم قضاء الموت والأشرف لهم أن يموتوا شهداء للحق عوضاً عن موتهم موتاً عادياً.
أما المسيح فقد كان غير قابل للموت بغير إرادته للتكفير عن خطايانا، وذلك بسبب كماله الذاتي ومن ثم كان لابد من قيامته من بين الأموات. خاصة وقيامته لم تكن بسبب قوة خارجة عنه بل بسبب قوة كامنة في ذاته أو قوة ذاتية كامنة فيه، وقد أشار إلى ذلك وإلى هذه الحقيقة حين قال عن نفسه «أنا هو القيامة والحياة» يوحنا 11:25 لذلك لم يكن يتحدث عن موته إلا بإقترانه مع قيامته.
وذلك بسبب قداسته المطلقة وسماوية أصله، وكونه هو الحياة والقادر على كل شئ .. وما كانت قيامته إلا مصادقة علنية من السماء على عدم جواز سيادة الموت عليه … وقد أشار الرسول إلى هذه الحقيقة الدامغة والثمينة في آن واحد حين قال عن السيد المسيح «بأنه قام ناقضاً أوجاع الموت، إذ لم يكن ممكناً أن يُمسك منه أو يُمسك به» (أعمال 2:24) بأي حال من الأحوال.
وفي الختام أتمنى أن أكون قد أوضحت بصورة سهلة وباسلوب بسيط المعنى الكامل للنقطة الخامسة المتعلقة بإحياء المسيح لموتى الجسد وموتى الروح … وحتى نلتقي في العدد القادم لاستكمال ما يجب استكماله وشرحه وإيضاحه حول موضوع قيامة الرب من بين الأموات وحتى هذا الوقت أترككم في رعاية الرب الإله وحفظه وليكن سلامه معكم جميعاً..