بقلم/ أسماء أبو بكر
يعد التحرش لفظاً مستحدثاً علي مجتمعاتنا العربية الأصيلة، التي تتسم بقيم وأخلاق وعادات وتقاليد وأعراف تحافظ علي المرأة وتصونها، وتحميها من أى انتهاكات، أو أي تجاوزات تصدر من الغير، سواء القريب منهم أو البعيد، فالتحرش ترجمة للتعبير الإنجليزي «Sexual Assault Harassment»، تلك الجريمة التي تكون قولاً أو فعلاً أو إشارة أو حركة أحياناً،و أحياناً تجمع بين كل هذه الصور، والتي تحمل معني الاعتداءات الخفيفة والمروادة، والتي تجمع ما بين الرغبة الجنسية والعدوان من طرف الي آخر ، وتلك الرغبات تتنافي مع الأعراف والمبادئ والقيم التي تحافظ علي المرأة وتصونها وتحميها، ومع هذا الحضور الأنوثى في كل موقع وكل مكان والذي بات امراً واقعياً لعديد من الأسباب ؛ فقد أصبحت جريمة التحرش أكثر شيوعاً في المجتمع، ومن أخطر الظواهر التي تشكل نوعاً من أنواع القهر علي من وقع عليه بالفعل، وأسوء أنواع الاستغلال وأبشعها علي الإطلاق، فقد أخذت تغزو المجتمعات الغربية، ولكنها أيضاً ظاهرة أشد حساسية عند المجتمعات الشرقية المحافظة علي عاداتها وتقاليدها، وخاصةً في الفترة الاخيرة.
يري البعض أن المرأة سبب انتشار وشيوع هذه الجريمة، والتي تتحمل الجانب الأكبر من أثارها، ومن ثمَّ وجب علينا أن نستدعي تحليلها -الظاهرة- من كافة الجوانب، ومعرفة السبب الرئيسي لها؛ فقد يكون السبب بالنسبة للمرأة. عدم التزامها بالزي الملائم في مجتمع لا يحترم حريتها؛ مما يعطي عنها فكرة الانحلال، وأنها امرأة (سهلة)، لأنها تعرضت للتحرش، ومن سلبية المرأة التي تتعرض للتحرش أنها لا تبلغ الجهات المختصة عن ما حدث لها، وترضي بعدم الدفاع عن نفسها خجلاً من المجتمع، وتجنباً للعار، وقد يكون السبب أيضا شعور الرجل أن المرأة فريسة سهلة يستطيع أخذ كل ما يريده منها دون أى مسائلة قانونية، ويكون ذلك عن جهلٍ، لأن القانون يعتبر التحرش جناية تجعل المتحرش يُعاقب عليها عقوبة تتراوح مابين ثلاث سنوات إلي سبع سنوات فقط، أما بالنسبة للعوامل الدينية؛ فنجد أن هناك بعد عن الدين وآدابه وتعاليمه التي تدعو إلى غض البصر، وعدم النظر الي ما حرم الله، بالإضافة إلى التفكك المجتمعي وغياب قيمة التكافل الاجتماعي واحترام الأخرين وحرمانهم من حقوقهم، وقد يكون العامل الهام واللأساسي في إنشاء متحرش هي الاسرة، من خلال عملية التنشئة الإجتماعية، إما ان تجعله سوياً أو منحرفاً.
أعتقد أن العولمة التكنولوجية التي يعيشها عالمنا المعاصر نتيجة الإستخدام المتزايد -أو السيئ- لشبكة الأنترنت ومواقع الاتصال الاجتماعي دون أي عوائق جغرافية وزمنية وأمنية وقانونية، قد ساهم وساعد علي انتشار هذه الظاهرة، وأيضاً انتشار وسائل الإعلام المسمومة والأفلام والمواقع الإباحية علي شبكات الأنترنت، أصبح الإعلام اليوم بكافة اشكاله يميل إلى الغرب ويقلده في.كل شئ، فيسعي إلي نشر الخلاعة والعري، وعوامل تساعد على إفساد عقول الشباب بكل الطرق، ونشير الي لأن شبكة الإنترنت ومواقع التواصل خلقت نوعاً جديداً من الإعلام غير المنضبط، وساهمت في شيوع هذه النوعية من الجرائم، خاصةً بعد اكتشاف وسائل تواصل أكثر سرعة وانتشاراً وأجهزة مستمرة بشبكة الإنترنت، وبعد الانفتاح الهائل والمفاجئ علي خصوصيات الأشخاص الأخرين من خلال وسائل التواصل الفوري، وزيادة اعتمادية الأفراد من مختلف الأعمار من الجنسين عليها في تيسير كافة شوؤن حياتهم اليومية، لجأ الكثير من مستخدمي مواقع التواصل الإجتماعي خاصة «الفيسبوك» ورسائل تعرف بـ «spam» تدعو إلي الصداقة و التعارف وتويتر والرسائل الفورية علي الهواتف المحمول، والتي بها «واتس اب وبرامج الاتصال المجاني «والأنستجرام» والصور الرمزية، والنوافذ المنبثقة «Pop-ups» التي تحتوي علي إعلانات جنسية، أصبح بعض الأشخاص يستغلوا هذه المواقع في ارتكاب أفعال غير مشروعة، وغير مباحة من أهمها ما أُصطلح علي تسميته بالتحرش الإلكتروني، والمتمثل في استخدام شبكة الانترنت ومواقع التواصل في إرسال رسائل إلكترونية (صور’ عبارات ‘ كليبات) تتضمن محتوي إباحي ذات مضامين وإيحاءات جنسية وتسيئ الحياء، وللأسف الشديد يحدث هذا بين الأصدقاء على مواقع التواصل أو من غير الاصدقاء.
نحن الآن في أمس الحاجة لمراجعة المنظومة القيمية والأخلاقية للمجتمع، والتي باتت في مستوى متدنى لا يمكن معها أن يكون هناك مجتمع سوى نهائياً، لذلك علينا التركيز من جديد على دور الأسرة في تربية أبنائنا تربية سوية، ومن الضروري أيضاً أن تستعيد المؤسسات التعليمية دورها التربوي، فقد كان لهذه المؤسسات دور أصيل في التربية في الأجيال السابقة، حتى وإن كان هناك قصور في الجانب التعليمي، وكذلك نحن في أشد الحاجة إلى إعلام يقدر التعاليم الدينية ويحترم العادات والتقاليد والقيم والمبادئ الأخلاقية ويدعو للتمسك بها والحفاظ عليها، فالإعلام مكون أساسي لثقافات الأمم والشعوب، وفي مجتمعنا العربي هو المكون الأساسي وفي كثير من الأحيان هو المكون الوحيد لثقافته وقيمه.
على الدولة أن تسن تشريعاً خاصاً لهذه الجريمة، يُعاقب مرتكبيها بشكل سريع، بعيداً عن القضايا التي تظل سنوات أمام القضاة في المحاكم، بل يكون العقاب سريعاً وعلنياً، حتى يكون التحذير شديداً، والعقوبة قاسية على مرتكبها، فيكون ذلك رادعاً لكل من تسول له نفسه أن يفعل ذلك.
إننا بحاجة إلى تكاتف أفراد المجتمع ومؤسساته التعليمية والتربوية والدينية ومؤسسات المجتمع المدني والأجهزة الإعلامية، وأجهزة الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية، من أجل مواجهة هذه الجريمة التي تستفحل يوماً بعد يوماً، وإلا سنكون أمام كارثة حقيقية تدمر مجتمعنا.