بقلم: المطران ميلاد الجاويش
العذراء سرّ المسيحيّة الأَنعم. للثالوث سرّ هو الأعظمُ بلا شكّ، ومثلُه سرّ التجسّد والفداء. غير أنّ مريم تبقى السرّ الأنعم.
لا يمكن أن تتكلّم عن مريم من دون أن تشغّل قبلًا محرّكات قلبك ومشاعرك. مريم لا تُدانى بلغة عقائديّة جامدة، بل بلغة مجبولة بالحبّ والإحساس.
ما من مسيحيّ مستقيم، عبر التاريخ كلّه، مذ فتحت العذراء عينيها على الدنيا حتّى اليوم، استطاع أن يكبح في كلامه عنها لغة قلبه. لأنّها كلّها قلب.
مِثلُها مثلُ أمّي وأمّك اللتين لا أخالك تقف أمامهما خطيبًا، واعظًا، متذاكيًا… حسبك أن تصمت في حضرتهما وتترك لقلبك أن يتفنّن في عشقهما، وهما ستسمعان بالتأكيد همسات قلبك المحبّ.
في كنيستي لا تماثيل للعذراء ولا صُوَر، بل أيقونات. عندما تقف أمام أيقونتها تُدرك أنّك تقف أمام «الأمّ الملكة»، وما أنت وقتذاك سوى ابنٍ مَلكٍ يقف متباهيًا أمام أمّه. تقف وتقول في سرّك: «وههنا أعظم من سليمان الملك»!
أنتَ أمام العذراء صبيّ صغير مُعرَّض لسيل جارف من الحنان الإلهيّ. لك الحقّ أن تمارس أمامها كلّ طفوليّتك وبراءتك ودلعك، وحتّى «عفرتاتك» الصغيرة… أمامها لك الحقّ أن تَنغي، أن تتفوّه بكلمات مُبعثرة لا يفهمها إلّاها، لأنّها أمّ.
باختصار، أنت تقف أمام أيقونة تُصدّر إليك دَفقًا من الحبّ الساحر الذي يخدّر روحك ويسلب عقلك.
مريم… كانت وستبقى تلك المرأة التي «تعظّمها جميع الأجيال». وأنا أوّل تلك الأجيال.