بقلم: سناء سراج
دقت الساعة السادسة صباحآ لتُنذر ببدأ يوم جديد قامت صفاء من نومها على صوت جرس المنبه الرابض دائما على المنضدة الصغيرة بجوار السرير فركت عينيها وكأن اصابعها منبه آخر لتوقظهما من النوم، أسرعت إلى الحجرة المجاورة وربتت على كتف ابنها عمار لتوقظه للذهاب إلى المدرسة ثم التفتت إلى أبنها زياد حتى يفيق من النوم العميق ليصحب أخيه معه، تركتهم و ذهبت لتتوضأ وتصلي مسرعة حتى لا يسرقها الوقت ثم ذهبت للمطبخ أحضرت اللبن والجُبن والبيض وبدأت في عمل السندوتشات وتحضير أكواب الحليب لأطفالها و كوبين من الشاي بالحليب لها و زوجها وتذكرت أن ميعاد إيقاظ زوجها قد حان هو الآخر حتى يلحق بميعاد عمله وجلسوا جميعا على مائدة الطعام تَعد هي السندوتشات وتضع لكل واحد كيس خاص به في حقيبته ويرتفع صوتها على عمار الذي يترك دائما كوب الحليب ولا يشربه وأوقات كثيرة كان يُخبئه حتى لا تراه ويُوهمها أنه شربهُ، وهنا يخاف زياد ويمسك كُوبه ويشرب.
وتركها الزوج وذهب لعمله بعد تناول الفطار و تودِيعها واطفاله وذهب لعمله وامسكت بين يديها أعز ما تملك فلذَات أكبادها لتذهب بهم إلى المدرسة وتركَهُم في رعاية الله، وعند عودتها ذهبت إلى سوق الخضار وبدأت في جمع كل ما تحتاجه لتحضير وجبة الغداء من خبز وخضروات وأرز ولحوم وفاكهة، وسائل تنظيف الأواني و البلاط والحمامات والبيت كله وتحمل في يديها الأثقال من كل شكل ولون لتسد إحتياجات المنزل وتصعد بهم السلالم الطويلة والثقيلة لتصل إلى شقتها ولا تستطيع اخذ قسط من الراحة لتبدأ في فض محتويات الشنط وتوزيعها كُلً في مكانه وأثناء ذلك تتذكر انها نسيت إحضار الملح، فكادت أن تبكي لأن هذا سيفسد إعداد الطعام الذي ستبدأ في تحضيره قبل نزولها لتأتي باطفالها عمار وزياد من المدرسة وتضطر اسفة أن تنزل مسرعه لشراء الملح وتعود مسرعه لتعد الطعام وترتب الأَسرهْ والحُجرات وتُعلق الملابس وتلم كل الأشياء المبعثرة يمينآ وشمالآ التي خَلفهاَ إستعمال اولادها وزوجها، تُشغل الغسالة وتنشر الملابس المبللة وتلم الجافة من فوق الاحبال وتباشر اثنائها الطعام على المُوقد وتبدأ في كنس أرجاء المنزل و مسح البلاط وتنظيف الحمام ثم غسل الأواني و الأكواب ويساعدها على إجتياز كُل هذه المهام المُتناثرة صوت رخيم جميل يأتي إليها مُحمل بعطر القُرأن الكريم وسورة يوسف وتردد معه وتدعُو الله أن يُعطيها القوة والصحة لرعايه بيتها وأولادها..
أنجزت صفاء أغلب أعمال المنزل وارتدت ملابسها ونزلت لتأتي بأطفالها من المدرسة وتصعد بهم مرة أخرى إلى المنزل حيث تقوم بمساعدتهم لتغير ملابسهم وغسل أيديهم وأرجُلهم وتضع لهم الطعام ويبدأ بعدها عمل الواجبات المدرسية وتفريغ الحقيبة وإكتشاف أن السندوتشات التي تُحضرها كل يوم صباحا مخبئه في جيب من جيوب الحقيبة المدرسية وطبعا أصابها العفن وفسدت وهذا هو عَمار أبنها الكبير الذي يؤرق حياتها بأفعاله، وتجلس تتصفح الكراسات والكتب وتساعد في عمل الواجبات وتسأل عن أحداث اليوم المدرسي لأبنائها، وعلى النقيض زياد ما شاء الله يأتي قبل أن يأكل أو يستبدل ملابسة يقوم بعمل واجباته ويحكي لحبيبة قلبه أمه عن يومه وكيف قضاه وأنه أكل كل السندوتشات واخد نجمه من ميس سهير لتفوقه ثم بعدها يفعل ما يشاء من ممارسة هواياته والعابه وعمار يخلد إلى النوم، و تظل مُستيقظة حتى تُوقظه لاستذكار دروسه وقبل أن تأخذ انفاسها يأتي زوجها وتبدأ في تحضير الطعام وتعيد ما قامت به بعد وجبة الإفطار، من غسل الأواني والتفكير في تحضير وجبة العشاء، وأثناء رحلة المرور داخل أرجاء المنزل ذهابا وايابا بالصدفة مرت صفاء من أمام المُرآة الكبيرة المُعلقة على الحائط ونظرت لصورتها ياااه مرت أعوام وأعوام وتغيرت الملامح وتغير الزمن حيث لا يسعها الوقت لتتزين وتجلس أمام المِرآة، في الوقت ذاته ذهب الزوج لينام وأبناءه كل في حاله وتُعيد الكرهَ في إعداد العشاء وغسل الصحون والملابس والتنظيف وعمل الشاي والقهوة بعد أن تُوقظ زوجها الذي يأخذ مَقعدهُ مُتكأً على الاَريِكة يُشاهد التِلفاَز أو يتحدث في الهاتف، ويأتي عليها الليل بعد يوم شاق ومتنوع ومُزدحم من الأعمال المنزلية والأُسرية بدون ملل أو كلل وراَضَية بواقعها وحياتها التي تذُوب وتكاد تندثِر سنوات عُمرها وتُوقد أيامها وتنصهر من أجل تلك البيت وتلك الأسرة ..
هذه يوميات امرأة لا تعمل (( رغم كل ما تُؤديه من مهام وأعمال لا ترتبط بساعات محددة ولا تاخذ راتب أو حافز أو مكافأة )) فما بالكم بيوميات امرأة عاملة (( موظفة)) بالله عليكم من يستحق لقب الرجوله.. وقوة التحمل وصبر أيوب، والتفاني والعطاء بلا مقابل مادي أو معنوي..
وبعد كل هذا يثور الرجل ويُعنفها ويجرحها ويفتريِ عليها بعضلاته ويتشدق بملء فمه أناااااا راااااجل اعمل اللي انا عاوزة وعليكُ السمع والطاعة والخضوع.
لِذا لن يكون هذا العام هو عام المرأة ولا الأعوام الماضية أو الأتية أو بمعنى أدق لن يكون عام كل النسوة إنما بعض النساء فقط فمثلا إختيار المناصب التي تتولاها المرأة لا تخضع للكفاءة والنزاهة والسيرة الحسنة والشفافية هناك معايير أخرى تحاكي الواقع تتلخص في المصالح أو الوسِاطة تلك المرض الخبيث الذي استوطن ويأبى الرحيل ..
إنه فكر وثقافة مجتمع وموروثات عقيمة فيه الإجحاف والنيل من الحقوق والظلم البين لبعض النساء في الإرث والمنزل والعمل والشارع والمجتمع ككل وهذا يخلق نوعان من تَغييرِ طبيعة النفس البشرية للمرأة، إما الضعف والوهن والإنكسار والاستكانة والرضا بالواقع المرير ، وأما التوحش والعنف والسخط على الرجل والمجتمع ككل..
والنهاية ما نعيشه الآن من قتل وتقطيع، وفرقة ، وجمود…
فرفقاً بالقوارير..