تأليف الكاتب الصيني لو شان
ترجمها من الإنجليزية شريف رفعت
هذا المساء كان البدر ساطعا، لم أراه لأكثر من ثلاثين عاما، لذلك عندما رأيته هذا المساء إرتفعت جدا حالتي المعنوية، أدركت أني خلال الثلاثين عاما الماضية كنت أعيش في الظلام، لكن الآن يجب أن أحترس جدا فقد نظر لي كلب جارنا السيد «تشان» مرتين، عندي أسباب لخوفي.
الليلة لا يوجد قمر، يوحي ذلك بمتاعب، هذا الصباح عندما خرجت محترسا نظر لي السيد «تشان» جارنا نظرة غريبة، كما لو كان خائفا مني و في نفس الوقت يود قتلي، كان هناك عدة أشخاص آخرون يتحدثون عني همسا و هم خائفون أن أراهم، جميع من مررت بهم كانوا هكذا، أكثرهم شراسة إبتسم لي، بينما كنت أنا أرتعش من رأسي إلى قدماي فقد أدركت أن تحضيراتهم قد إكتملت. مجموعة من الأطفال كانت تتحدث عني و نظراتهم مشابهة لنظرات السيد «تشان» الغريبة بينما وجوههم شديدة الشحوب، ما الذي يأخذه هؤلاء الأطفال عَلَيْ كي يتصرفوا بهذه الطريقة، لم أستطع أن أمنع نفسي من الحديث معهم، قلت لهم:
ـ أخبروني
لكنهم عدوا مسرعين. أتعجب ما سبب العداوة التي يكنها السيد «تشان» لي، ما سبب العداوة التي يكنها الناس في الشارع لي، لا أدري لماذا هذه الكراهية، أيكون ذلك لأني من أكثر من عشرين سنة مضت وطأت بقدمي أوراق حسابات السيد «كو تشيو» القديمة، مما سبب غضبه الشديد، و رغم أن السيد «تشان» لا يعرف السيد «كو تشيو» إلا أني أجزم أنه سمع عن الواقعة و قرر أن ينتقم له مني، لذلك يتآمر مع الناس في الطريق عَلَيْ، لكن ماذا عن الأطفال، في ذلك الوقت لم يكونوا قد وُلـِدوا بعد، لذلك لا أدري لماذا ينظرون لي اليوم نظراتهم الغريبة هذه كما لو كانوا خائفين مني، كما لو كانوا يريدون قتلي، هذا فعلا أمر غريب يبعث الرعب و القلق في نفسي، أدرك تماما أنهم تعلموا ذلك من أبائهم.
في المساء لا أستطيع النوم، يجب أن نضع كل الأشياء موضع الإعتبار إذا أردنا فهمها. هؤلاء الناس الذين إضْطَهَدْهُم موظفي الحكومة، و صٌفِعوا على وجوهِهِم من الطبقة الأرستقراطية، و أخِذَت زوجاتهم سدادا لديونهم، و دُفـِـع أباءهم للإنتحار ممن يدينوهم، هؤلاء لم يَظْهَروا من قبل مرعوبين و شرسين كما كانوا أمس.
الشيء العجيب فعلا كانت هذه المرأة التي ضربت إبنها على مؤخرته في الشارع وقالت له:
ـ أيها الشيطان الصغير أرغب أن أأكل عدة قضمات من جسدك، كي أنفث عن مشاعري نحوك. قالتها و هي تنظر لي طول الوقت، حملقت فيها غير قادرا على التحكم في مشاعري، عندها بدأ كل الناس ذوي الوجوه الخُضْر و الأسنان الطويلة يضحكون بطريقة مهينة لي، «تشان» جارنا العجوز أسرع و سحبني للمنزل، عندما أدخلني جميع الأهل إدعوا أنهم لا يعرفوني، كانت نظراتهم مماثلة لنظرات الناس في الشارع، عندما دخلت حجرة المكتب أغلقوا الباب علي من الخارج كأنهم يحبسوني في عشة دجاج، هذا الفعل جعلني أكثر إندهاشا و قنوطا.
من عدة أيام أحد مستأجري أرضنا الزراعية من القرية التي بها أملاكنا جاء ليخبر أخي أن محصول هذه السنة قد فسد و يطلب تخفيض الإيجار، ثم أضاف متحدثا إلى أخي الكبير أن رجل معتوه في القرية ضـُـرِب حتى مات ثم أخرج بعض القرويين قلبه و كبده و طبخوهما في الزيت و أكلوهما بغرض أن يزيدوا من شجاعتهم. عندما قاطعت حديث الرجل نظر لي هو و أخي و حملقوا في، الآن فقط أدركت أن نظراتهم كانت مماثلة تماما لنظرات الناس الذين قابلتهم اليوم في الشارع، مجرد التفكير في ذلك يجعلني أرتعش من قمة رأسي حتى قدماي، لقد أكلوا إنسانا و على ذلك قد يأكلوني أنا أيضا. أدرك السم في كلامهم و الخناجر في ضحكاتهم، أسنانهم بيضاء لامعة إنهم جميعا من آكلي لحوم البشر.
رغم أني ليس إنسانا سيئا إلا أنه منذ وطأت بقدمي أوراق حسابات السيد «كو تشيو» بدأت الكراهية، واضح أن الناس عندها أسرار لا يمكن لي تخمينها، و لحظة أن يستبد بهم الغضب سيصفوا أي إنسان بأنه إنسان سيء.
كيف يمكنني إذا أن أخمن أفكارهم السرية بالذات أنهم مستعدين لأكل البشر. كل الأمور تتطلب إعتبارات خاصة إذا رغب المرأ في فهمها. في الأزمنة القديمة كما أتذكر كان الناس يأكلون لحم الآدميين، لكني غير متأكد من ذلك، حاولت أن أجري بحث عن هذا الموضوع لكني وجدت صفحات الكتب التي رجعت إليها مكتوب عليها كلها «الأخلاق و القيم»، و لأني لم أكن أستطع النوم كنت أقرأ بتركيز حتى منتصف الليل وقتها أرى بين جميع السطور العبارة «فلتأكل البشر، فلتأكل البشر». كل هذه الكلمات المكتوبة في الكتب و الكلمات التي قالها مستأجر الأرض تحملق في بطريقة غريبة و تبتسم بغموض. أنا أيضا بشر و هم يبغون أكلي.
في الصباح جلست في هدوء لبعض الوقت، الخادم العجوز أحضر لنا غذاء، صحن من الخضروات و آخر من السمك المدخن، عيون السمك كانت بيضاء و صلبة و أفواهها مفتوحة، تماما مثل أكلي لحوم البشر، بعد عدة قضمات من الأكل لم أستطع التمييز إذا كان ما أأكله لحم سمك أم لحم آدمي، تحدثت عن الموضوع بصراحة و قلت:
ـ يا أيها العجوز، أخبر أخي بأني أشعر بالإختناق و أود أن أخرج للتمشية في الحديقة.
لم يرد الرجل علي لكنه خرج ثم عاد و فتح البوابة، لم أتحرك لكني أخذت في متابعة كيف سيعاملونني، متأكدا أنهم لن يسمحوا لي بالذهاب، فعلا جاء أخي الأكبر يمشي ببطأ و بحرص و بصحبته رجل غريب عجوز في عينيه نظرة قاتلة، و لخوفه أن ألاحظ هذه النظرة عمد إلى خفض رأسه بينما بسترق النظر لي في الخفاء. أخي قال لي:
ـ تبدو في حالة جيدة جدا اليوم.
ـ نعم.
ـ لقد دعوت السيد «هو» اليوم كي يفحصك
ـ حسنا.
في الواقع كنت أعرف أن هذا الرجل هو الجزار مُتَخَفي، إدعى أنه طبيب يكشف على نبضي كي يفحص مدى إمتلاء جسدي، لأن ذلك سيحدد نصيبه من لحمي.
لم أكن خائفا لأنه بالرغم من أني لا أأكل البشر فأنا أشجع منهم، ضممت قبضتي لأرى رد فعله، جلس الرجل و أغلق عينيه، همهم و ظل لا يتحرك لبعض الوقت، ثم فتح عينيه و قال:
ـ لا تدع خيالاتك تقودك بعيدا، إسترح لعدة أيام، و ستكون بعدها على مايرام.
يريدني ألا أسرح بخيالاتي و أن أستريح لعدة أيام، بالطبع لأن نتيجة لذلك سأصبح سمينا و بالتالي يكون عندهم لحم أكثر لأكله، لكن ما نفع هذا لي و كيف أكون على ما يرام. كل هؤلاء الناس يودون أكل لحوم البشر و في نفس الوقت يحاولون بطرقهم الخفية أن يحتفظوا بمظهرهم كناس عاديين فلا يتصرفون تبعا لنواياهم، يجعلني هذا أكاد أموت من الضحك و بالتالي لم أستطع أن أوقف ضحكاتي العالية فقد رأيت الموقف مسليا، أعلم أن ضحكاتي تؤكد شجاعتي و قوة شخصيتي، كلا من أخي و الرجل العجوز أصابهما الشحوب بسبب شجاعتي و قوة شخصيتي، لكنهما بسبب شجاعتي فهما يرغبان أكثر في أكلي كي يحصلا على بعضا من هذه الشجاعة، الرجل العجوز غادرنا لكنه قبل أن يبتعد همس لأخي:
ـ يجب ان يؤكل في الحال.
فأومأ أخي برأسه موافقا، معنى هذا أنك أنت أيضا يا أخي مشتركا في هذه المؤامرة، هذا الإكتشاف الرهيب رغم أنه كان صدمة لي لم يكن شيئا غير متوقع، فالمتآمر على أكلي إذا هو أخي الكبير، آكل لحم البشر هو أخي الكبير، أنا الأخ الأصغر لآكل لحوم البشر، سيأكلني الآخرون لكن الأسوأ من ذلك أني الأخ الأصغر لواحد من آكلي لحوم البشر.
في الأيام التالية لهذا اللقاء أخذت أفكر، بالنسبة لأخي عندي أسباب قوية لأن أشك فيه، فعندما كان يُدَرِس لي قال بلسانه «الناس تبادل أبناءها كي يأكلوهم»، و في مرّة كنا نناقش تصرفات إنسان شرير فقال «يجب ألا يقتل فقط لكن يجب أن يؤكل و يستخدم جلده كوسادة»، وقتها كنت صغيرا و أخذ قلبي في الخفقان بشدة من كلامه الغريب، لاحظت أيضا أنه لم يكن مندهشا من القصة التي حكاها لنا الرجل المستأجر لأرضنا من القرية عن أكل قلب و كبد رجل، فقد أخذ في هز رأسه و هو يستمع، معنى هذا أنه قاسي كغيره، فإذا كان من الممكن تبادل الأبناء لأكلهم فمعنى ذلك أن أي شيء يمكن تبادله، أي إنسان يمكن أكله، في الماضي كنت ببساطة أستمع لشرحه، دون أن أعَوِل عليه، الآن أدرك إنه عندما حدثني في هذا الموضوع كان هناك آثار لحم آدمي في زاوية فمه، و أن قلبه كان مستقرا على أكل لحوم البشر.
أعْلَمْ حيلهم، لا يودون أن يقتلوا أحد مباشرة، و لا يجرؤن لخوفهم من التبعات، بدلا من ذلك تآمروا معا و نصبوا شباكهم في كل مكان كي يدفعوني للإنتحار، سلوك النساء و الرجال في الشارع الأيام الماضية و تصرفات أخي نحوي في الأيام الأخيرة يجعل الأمر واضح، ما يتمنونه فعلا أن يأخذ الرجل حزامه و يشنق به نفسه من سقف حجرته، بهذه الطريقة تتحقق أمالهم دون أن يلاموا على القتل، طبعا سيجعل ذلك ضحكات سعادتهم تنطلق، من ناحية أخرى لو خاف الرجل و إضطرب لدرجة الموت رغم أن هذا سيجعله نحيفا لا مانع من هذا الوضع أيضا. إنهم يأكلون فقط لحم الأموات، أتذكر أني قرأت عن الضباع القبيحة المتوحشة و أنها تأكل لحم الأموات، حتى العظام الكبيرة تطحنها و تبلعها، مجرد الفكرة ترعبني، الضباع من نفس فصيلة الكلاب و من عدة أيام كلب جارنا «تشان» نظر لي عدة مرات، بالتأكيد هو أيضا مشترك في المؤامرة و متواطيء معهم. الرجل العجوز الذي إدعى أنه طبيب حول عينيه عني و نظر في الأرض لكن ذلك لم يخدعني، أسوأهم بالتأكيد أخي الأكبر، هو بالطبع بشر لكن لماذا يتآمر مع الآخرين ليأكلني، هل مجرد تعود المرأ على شيء يجعله يعتقد أنه ليس جريمة، أم أن قلبه أصبح قاسي فيرتكب فعل يعلم تماما فظاعته.
عندما ألعن آكلي لحوم البشر سأبدأ بأخي، و عندما أفضحهم سأبدأ به أيضا.
أن يأكلوا البشر و في نفس الوقت خائفون أن يـُـؤكـَلوا هم أنفسهم، لذلك ينظرون لبعضهم البعض بشك غلاب، كم ستكون حياتهم جميلة لو إستطاعوا تحرير أنفسهم من إدمان هذه الممارسة و يعيشون حياة طبيعية يعملون و يمشون و يأكلون و ينامون ببساطة، إنها خطوة واحدة عليهم إتخاذها «الإمتناع». لكنك ترى أباء و أبناء، أزواج و زوجات، إخوة و أصدقاء، مدرسين و طلبة، أعداء متعصبين و حتى غرباء جميعهم مشتركون في هذه المؤامرة، تراهم يمنعوا و يثبطوا بعضهم من إتخاذ هذه الخطوة.
مبكرا صباح اليوم ذهبت باحثا عن أخي الكبير، وجدته واقفا أمام باب المنزل ينظر للسماء، وقفت بينه و بين باب المنزل، قلت له بمنتهى الأدب و رباطة الجأش:
ـ أخي هناك شيء أود أن أحدثك عنه.
إستدار نحوي سريعا و رد هازا رأسه:
ـ حسنا، هات ما عندك.
ـ موضوع بسيط و إن كنت أجد صعوبة في الحديث عنه، أخي قد يكون جميع الناس البدائيين أكلوا بعضا من اللحم البشري في البدايات، بعد ذلك و لأن أحوالهم تغيرت، بعضهم كف عن ذلك، ولأنهم حاولوا أن يكونوا طيبين تغيروا و أصبحوا آدميين، أصبحوا رجالا حقيقيين، لكن بعضهم مازال يأكل لحوم البشر بالضبط مثل الزواحف، و بالرغم من أن المخلوقات تطورت من زواحف لأسماك لطيور لقردة و أخيرا لآدميين، ألا أن البعض لم يحاول أن يكون طيب و ظلوا حتى الآن زواحف، عندما يقارن آكلي لحوم البشر أنفسهم بمن لا يأكلون لحم البشر كم يلفهم العار، ربما أكثر عارا من زواحف العصور الأولى، تاريخنا القديم يحكي لنا عن العديد من آكلي لحوم البشر، أحدهم سلق إبنه و قدمه لحليف له عنوانا لصداقتهما، أخيرا في القرية التي بها مزرعتنا ـ كما قال لك مستأجر أرضنا ـ أعدموا رجل مجرم و أحد منفذي الحكم غمس قطعة خبز في دمه و مصها.
إنهم يرغبون في أكلي، طبعا بمفردك لا يمكنك فعل أي شيء، لكن لماذا تنضم لهم؟ آكلي لحوم البشر يمكنهم فعل أي شيء، لو أكلوني يمكنهم أكلك أنت أيضا، فأعضاء نفس الجماعة يمكنهم أكل بعضهم البعض، لكنك لو غيرت طريقك الآن سننعم كلنا بالسلام. و رغم أن هذا الفعل مستمر منذ بدأ الخليقة إلا أنه اليوم يمكننا عمل مجهود خاص محدد كي نصبح طيبين. قد ترغب في القول أن هذا لا يمكن تحقيقه، يمكنك قول ذلك أخي كما قلت نفس الشيء في ذلك اليوم لمستأجر الأرض عندما طلب خفض الإيجار.
في البداية إبتسم أخي بخبث، ثم ظهرت في عينيه نظرة قاتل، و عندما ذكرت سرهم شحب وجهه. خارج بوابة المنزل تجمع بعض الناس منهم السيد «تشان» و كلبه، جميعهم يشربئون بأعناقهم كي يتابعوا النقاش، لم أستطع رؤية وجوههم فقد غطوها بملابسهم، و رغم ذلك يمكنني القول أنهم كانوا شاحبين و مرعوبين لكشفي سرهم و يحاولون مداراة ذلك بضحكاتهم المكتومة، أعلم أنهم عصابة واحدة جميعهم من آكلي لحوم البشر، لكني أعلم أيضا أنهم لا يفكرون بنفس الطريقة إطلاقا، بعضهم يعتقد أن الآدميين يجب أكلهم لأن ذلك حدث في الماضي فيجب ان يستمر، آخرون يعلمون أن هذه الممارسة خطأ لكنهم مازالوا يرغبون فيها، و إن كانوا لا يرغبون أن يكشف سرهم أحد لذلك فقد غضبوا عندما سمعوا كلامي و إن كانوا قد إحتفظوا بإبتساماتهم الشريرة.
فجأة غضب أخي و صاح فيهم بصوت عالٍ:
ـ إبعدوا من هنا كلكم، ما غرضكم من الحملقة في رجل مجنون.
عندئذ فهمت مكرهم، لن يغيروا أبدا موقفهم، و خططهم فعلا مكتملة، سيتهمونني بالجنون، معنى هذا في المستقبل عندما أؤكل لن يكون هناك أي مشكلة، ليس هذا فقط و إنما الناس قد يقدرون فعلتهم، فمستأجر أرضنا عندما تكلم عن الرجل الذي أؤكل وصفه بأنه رجل شرير، نفس الخطة نفس حيلهم القديمة. جارنا الرجل العجوز «تشان» أتى أيضا وهو منفعل لكن لا أحد إستطاع أن يوقفني عن الكلام، فقد كان يجب أن أتحدث لهؤلاء الناس، قلت لهم:
ـ يجب عليكم أن تتغيروا، تتغيروا من أعماق قلوبكم، يجب أن تعرفوا أن في المستقبل لن يكون هناك في العالم مكان لآكلي لحوم البشر، إذا لم تتغيروا قد تؤكلوا جميعا، بعضكم سيأكل بعض، و رغم أن هناك دائما مواليد جدد إلا أنهم سيـُمْسَحون من على وجه الأرض، تماما كما يقتل الصيادون الذئاب، تماما مثل الزواحف.
«تشان» العجوز أبعد الجميع، أخي إختفى، «تشان» نصحني بالعودة لحجرتي، الحجرة كانت حالكة الظلام، السقف إهتز فوق رأسي، زاد الإهتزاز و رغم الظلام رأيت عوارض السقف تكبر و تكبر ثم سقطت عَلَيْ، الوزن كان ثقيلا للغاية فلم أتمكن من الحركة، لقد أرادوا قتلي، أدركت أن الوزن الثقيل غير حقيقي، مكنني ذلك من تحرير نفسي، كنت مغطى بالعرق لكني صحت:
ـ يجب عليكم أن تتغيروا، تتغيروا من أعماق قلوبكم.
الشمس لا تشرق و الباب لا يـُفـْتـَح، كل يوم وجبتين. فكرت في أخي الكبير، أدركت الآن كيف ماتت أختي الصغرى، كان هو السبب، طفلة عمرها خمس سنوات، لا زلت أتذكر كم كانت محبوبة و عديمة الحيلة. أمي بكت كثيرا لكنه ترجاها ألا تبكي، قد يكون ذلك لأنه هو نفسه من أكلها، و بالتالي بكاء الأم جعله يشعر بالخجل، بفرض أن عنده أي مشاعر تجعله يخجل.
أختي إذن أُكِلَت بواسطة أخي لكني لا أعرف إذا كانت أمي أدركت هذا أم لا. قد تكون عرفت الحقيقة لكنها في بكائها لم تصرح بذلك، جائز لأنها إعتقدت أنه أمر مقبول. أتذكر عندما كنت صغيرا أجلس في صالة المنزل الرطبة قال لي أخي أنه إذا مرض والِدَي الشخص عليه أن يقطع قطعة من لحمه و يسلقها لهما إذا رغب في أن يُعتَبـَر إبن بار، أمي لم تعارضه، لكن إذا كان قطعة يمكن أكلها بالتأكيد الإنسان بكامله يمكن أكله.
لا أستطيع تَحَمُل التفكير في هذا الموضوع، لقد أدركت الآن فقط أني عشت سنوات عمري في مكان يقطنه آكلي لحوم البشر لمدة أربعة ألاف عام ، أخي الكبير أصبح المسئول عن أسرتنا بعد موت أختي، و قد يكون إستخدم لحمها في طبخ أرزنا و طعامنا، و بالتالي جعلنا نأكله دون أن ندري، قد أكون أنا إذا أكلت دون دراية عدة قطع من لحم أختي، و الآن الدور عـَلـَيْ.
كيف يمكن لرجل مثلي بعد أربعة آلاف عام من التاريخ البشري، تاريخ لم أدري عنه شيئا حتى مؤخرا، كيف له أن يواجه آكلي لحوم البشر.
قد يكون هناك أطفال لم يذوقوا طعم اللحم الآدمي بعد، فلننقذ هؤلاء الأطفال.
لو تشن (1881 ـ 1936) أديب و مفكر صيني، كتب القصص القصيرة و المقالات، نشأ في أسرة فقيرة، له مساهمات مهمة في تحديث اللغة الصينية و الحياة الإجتماعية، دعم الحركة اليسارية بمقالاته، عاش فترة و درس في اليابان و التي كانت أكثر إنفتاحا على الغرب في هذه الفترة.