بقلم: سليم خليل
رحم الله الزعيم اللبناني كمال جنبلاط ؛ تحدثت عنه سيدة لبنانية كانت بجانبه في إحدى سفرياته بالطائرة عندما دخلت الطائرة في فراغات جوية هزت الطائرة بعنف أخاف جميع الركاب وطاقم الطائرة ؛ أخذت السيدة من حقيبتها مسبحة الصلاة وأخذت تصلي وتضرع إلى الله متوسلة السلامة وبجانبها كمال جنبلاط جالسا بارد الأعصاب ؛ سألته كمال بيك ألست خائفا ؟ قال لها لا !! لماذا ؟ أجاب : أنا متأكد من أن هذه الرحلة سليمة لأني أعلم أني لن أموت موتا طبيعيا أو بحادث!! أنا سأموت بإغتيال!! أسرتنا قدمت عدة شهداء وأعرف قدري .
أصابته رصاصات الغدر بتاريخ ١٦-٣-١١٩٧ خلال الحرب الأهلية اللبنانية وكأنه كان واثقا من قدره الموت برصاصت الغدر؛ تاريخه حافل بإتخاذ مواقف مشرفة وتسلًم وزارات وأكثر مسيرته السياسية كان رئيسا للمعارضة البناءة .
قبل مصرعة كتب ما يلي :
هناك سنة لا أعرف تاريخا يحد أطرافها ولا ألمح مسافات بين الماضي والمستقبل، ما أعرف أني أحيا الأعراس، وأوقد الحطب وأعد نقط الدم وأمشي في جنازتي مرات كل أسبوع، منذ ذلك التاريخ أحضروا إسمي وعنواني فبسقوا عليهما، حين لبسوا الأقنعة تداعت في سجلاتي خرائب وطن رسم – هولاكو – قبر آخرته حين جاءه . سألوني حين وقفت في زنزناتهم عن إسمي وعنواني ودربي ، تداركت هذه الأقانيم الثلاث فسكت ، قبل أن يتحول تفكيري إلى ممارسة، وهم يهزون بنادقهم وسكاكينهم أمام عيني ليقتلوا أقانيمي، وفي ظنهم أني سأموت وحيدا دون إحتضار . ذبحوا واحدا أمام عيني، كان خروفا ينتظر سكين الجزار. حملوا دمه إليَّ وقالوا سنحمل دمك إلى غيرك إن لم تتكلم ؛ قلت : وماذا أتكلم سأذبح في صمتي وفي حديثي تنبأ عن لبنان قائلا : إن دكانا مفتوحا على البحر وفدرالية طوائف لا يصنعان أمة !! وقال أيضا : الذي يسبق بأفكاره التاريخ ليس له أكثر الأحيان إلا المقصلة !!
في رثاء الشهداء تتفتح أدمغة الشعراء والأدباء وتنطلق كلماتهم بمستوى المأساة ؛ أذكر البعض منها : كتب تلميذه عزت صافي :
فيلسوف من عقل أثينا – حكيم من روح الهند – وقائد من بسالة سبارطة .
نال أوسمة عديدة وقال غسان تويني مؤسس دار النهار البيروتية : إن الأوطان الصغيرة تكبر بشخصيات أمثال كمال جنبلاط ؛ كان حليفي حينا وخصمي أحيانا ولكنه صديقي في كل حين .
نفتقر إلى هذه المبادىء السامية في غربتنا لنبقى أصدقاء حتى لو اختلفنا بالرأي السياسي حول أوطاننا .
وقال جورج شحادة : شاعر متصوف عمل في السياسة بحكم الإرث العائلي ، فلا أكمل مشواره في الشعر ولا أكمله في السياسة؛ فرصاصات الغدر هوت مع أنها أبصرت عينيه ولم تعتذر ، الطغاة لا يعتذرون فمضى وأمام عينيه المزيد من الوداع .