بقلم: تيماء الجيوش
يُعدُّ شهر آيار مناسبةً للاحتفاء بالمرأة فهناك عيد العمال في بعض البلدان و في بلدانٍ آخرى هناك عيد الأم في العاشر منه و هكذا كان حالنا في كندا كما هو في امريكا الشمالية قاطبةً و استراليا. أُرسِلَت للنساء جميعاً في الحضور و الغياب ما تفيض به القلوب و الفكر من احترامٍ ووفاء لهن. غير أن هذه المناسبات جاءت في أوقاتٍ يخيم عليها الوباء وأعني وباء كورونا COVID -19.
والذي شكّلَ صدمةً عميقة للمجتمعات الإنسانية المختلفة ليس هذا فحسب ولكن لإقتصاد هذه المجتمعات.
النساء استجبنَ لهذه الجائحة او الوباء و العديد منهن كنّ في الخط الأول إن كان هذا على صعيد المهني او التطوعي ، العلمي، الأسري…إلخ. لم يكن هناك تردداً في استجابتهن بل امتازت المساهمة النسوية كماً و نوعاً . مثالنا في كندا نجده في الطبيبات والعالمات في كل مقاطعة من كيبيك الى تورونتو الى ألبرتا الى بريتيش كولومبيا .
اليوم و بمرور أشهر على social distancing و كل الإجراءات التي أتُخِذت لمنع تفشي الوباء و حصده لمزيدٍ من الأرواح و الفئات الأقل مناعةً، علينا كنسويات، باحثات، بل وأفراداً أن نتسائل هل هناك من آثارٍ جندرية تُثير القلق؟ في بلداننا الأم العربية هل كانت آثار الوباء أشدُّ وقعاً على المرأة؟
كان من المحزن أن نشهد قصور الأنظمة الصحية بل و المعدات في الكثير من البلدان ما أدى إلى حصد المزيد من الأرواح. و استجابةً لتغطية فجوة القصور هذه وفي ظل تقييد الحركة و الحرص على عدم انتشار المرض باتت المساحات الجغرافية- المكانية محدودةً للمرأة كما ازدادت المخاطر التي يمكن ان تتعرض لها .
تغيرت ديناميك الاقتصاد و العمل فقد توقف تماماً في العديد من القطاعات بسبب COVID-19.
تم تسريح العديد من العمال و العاملات، بل و ظهر انعدام الأمن الاقتصادي بشكله الأشد لدى العديد من النساء بعد التسريح من العمل و البقاء في منازلهن و رعاية الأطفال او الأفراد الأكثر ضعفاً في العائلة و هكذا ضاع زمناً بأكمله لم يتم استثماره بما يتفق و حاجات النساءو أُسرهن و حاجات العيش الكريم.
و ربما ليس هناك من مغالاة في تسميته بانعدام الأمن الاقتصادي في ضوء تفاوت الأجور حيث تنال المرأةأجوراً أقل من الرجل رغم أدائها في أحيانٍ كثيرة ذات العمل و بذات الشروط ربما نتفق أنها ليست مغالاة آخذين بعين الاعتبار معاناة إمرأةٍ قد لا تجد في سوق العمل سوى الدوام الجزئي او الغير المستقر الذي يمتد بعقودٍ موسمية او اشهرٍ فقط. و ربما نتفق أيضًا أنها ليست مغالاة ما زال الفقر أنثوياً بمعنى انه ينال من المرأة أكثر من الرجل ، مع العلم أن ذات المرأة التي تعاني هذا الفقر هي من تقوم برعاية اسرتها و تربية أطفالها وحيدة دون معيل لا سيما في بلدان الحروب الأهلية و الحروب و عدم الاستقرار و بهذا تكون معاناتها بلغت الحد الأسوأ ففي مواجهتها لهذه الظروف كاملةً تكون قد جمعت بين قطبين الأول كونها إمرأة و الثاني أنها فقيرة و ينطبق ذات الأمر على النساء اللوني يعانين من العنصرية او التمييز بسبب الإعاقة او المرأة المهاجرة او اللاجئة ….و التي تحديداً لوحظ لديها خطر العنف النفسي بفقدان عملها و هي العصب الاقتصادي في اسرتها او المعيلة الأساسية فيها.
قد يقول قائل أن بعضاً من الإحصائيات أبرزت أن أعداد الرجال المتوفين نتيجة انتشار الفيروس هو اكثر من أعداد النساء ، هذا صحيح إلى حدٍ ما ، لكن الأمر هنا يتعلق بالشق الاقتصادي و تحمل للنساء العبء الأكبر ، و يبدو المثال الأوضح في سوق الاقتصاد غير الرسمي في بعض البلدان ومنها بطبيعة الحال البلدان العربية حيث النساء تُشكل ستين بالمائة من هذا الاقتصاد ناهيك عن أجورهن القليلة و تعرضهن لمخاطر لا متناهية إن لم نقل مرةً أخرى الفقر و ضعف استخدامهن لوسائل التواصل الاجتماعي و خدمات الإنترنت و التواصل عموماً.
الآثار الأخرى الجانبية للوباء COVID-19. و التي لا تقل أهميةً عن الشق الاقتصادي هو العنف ضد المرأة .
الكثير من الخدمات تم تعليقها أو أغلاقها. غابت الخدمات التي يمكنها ان تُعزز حماية المرأة و منها المؤسسات القانونية، الخدمات الطبية ، الخدمات القانونية ، الخدمات الاجتماعية، و غيره من الخدمات .
مثالنا هنا و ليس على سبيل الحصر هو بيوت اللجوء للنساء الفارات من العنف. فلم تعد ابوابها مفتوحة في زمن الكورونا فقد أُغلِقت شأنها شأن العديد من الخدمات و هكذا دفعت بالنساء الى محدوديةٍ جغرافية أجبرتهن على البقاء في أماكن خطرة عليهن.
تقدمت منظماتٍ دولية عدة و أجرت احصاءاتٍ مبدئية قرأت فيها أن العنف ضد المرأة يتصاعد في العديد من البلدان بما فيها البلدان العربية ، لم يُستثنى منه العنف المُرتكب من قبل الشرطة و الحراس المسلحين عند النقاط الحدودية هذا بالنسبة للمرأة اللاجئة ناهيك عن القطاعات المختلفة. .
هو ليس زمن الوباء او الجائحة بل هو زمن تحدي دفع مجدداً بالعنف ضد المرأة ، العنف الجندري الى الواجهة ، أبرز أن الجهود المبذولة للمساواة لا بد ان تستمر عمقاً، كماً و نوعاً. بُذِلت العديد منها لكن الوباء كشف العديد من العورات المجتمعية و أن هذه الجهود تحتاج أن تُعزز وأن المساواة هي من القيم و حاجةً و ضرورة.
كان مدعاةً للفخر أن نجد كندا بلدنا تتقدم بالحزم الاقتصادية الداعمة لمن فقد عمله او فقدت عملها. كان أيضاً مدعاةً للفخر ان تجد في صفوف القيادة نساء كنديات يتوجهن للرأي العام بنشر الوعي الصحي و رسم الخطط لمواجهة الوباء و تنفيذها. تمازجت أصواتهن عبر المقاطعات معبرة عنا جميعاً أننا نقف خطاً واحداً في ظل وباءٍ هو الأشد منذ قرن و أشعرنا جميعاً بالقلق و غير من طرق الحياة للعديد من المجتمعات بل و غير مما هو نمطي و معتاد. و ما زادنا فخراً كنساء كنديات هو الشفافية في دراسة الآثار الجندرية ل COVID-19. و أن المساواة هي ذات أهمية أكثر من أي وقتٍ مضى و ارتباطها العضوي الأساسي بتقدم المجتمعات ورفاهيتها. أسبوع سعيد لكنّ، و لكم جميعاً. دمتم بصحةٍ و عافية.