بقلم: د. خالد التوزاني
من الأكيد أن الكتابة للطفل، تختلف عن الكتابة للراشد، ولا شك أن أصعب نص، هو ذلك النص الذي يُوجّهُ إلى القارئ الصغير، لأنه يحتاج إلى معرفة دقيقة بعقل الطفل وكيف يفكر وينظر إلى العالم، والمجتمع القارئ يبدأ من الصّغر، وهذا يعني أن المجتمعات التي تعرف إقبالاً على القراءة، تعرف أيضاً اهتماماً بالكتابة الموجّهة للأطفال، وإذا كان العالم العربي يعاني من فتور في القراءة وتراجع في الإقبال على الكتب وخاصة مع انتشار الهواتف الذكية التي أصبحت في يد الأطفال، ولم يعد للكتاب مجال للتداول في مجتمع الصغار، ولأنَّ هذا الوضع لا يشرّف أمة إقرأ، فقد حاول كثير من الأدباء العرب كتابة أعمال إبداعية من أجل الطفل، ومن هؤلاء الكتاب العرب نستحضر بعض الرواد ومنهم الدكتور جمال بوطيب والأستاذالعربي بنجلون والكاتب زهير قاسمي، وغيرهم ممن نبغوا في الكتابة للطفل أو أدب الطفل، وسوف أخصص هذا المقال للعم أمجد، ويتعلق الأمر بالكاتب المغربي أمجد مجدوب رشيد.
أصدر الكاتب المغربي أمجد مجدوب رشيد مجموعة من الكتب الموجهة للطفل، ويتعلق الأمر بثلاثة كتب قصصية: «أشجار وأزهار وثمار»، والذي يشتمل على5 قصص، ووصل إلى 45 صفحة… وكتاب«قصة المِطحنة وقصص أخرى»، والذي يضم 6 قصص، وهو55 صفحة، وكتاب «الهدايا الغالية»، والذي يحتوي على 8 قصص، ووصل إلى 72صفحة. أما كتاب الـأناشيد « أنشودتي » فيضم10 من النصوص الشعرية ذات الطابع القصصي الماتع،وبلغ 47 صفحة.
والكتب جميعها من الحجم المتوسط،وتجدر الإشارة إلى كون الكاتب أمجد مجدوب رشيد سبق أن أصدرت له دار النشر مقارباتللصناعات الثقافية، سلسلة قصصية للأطفال مكونة من 12 كتابا تحت عنوان:«سلسلة حور نور » سنة 2018، كما صدرت له:«سلسلة أمجد القصصية الجديدة»، وهي 6 قصص/كتب،عناوينها كالآتي: الراعي والشجرة. وفكرة عجيبة. وأسماء والموزة. وحلم. والوطن. ثم القطة والبطة.
وسبق أن أصدر أيضاً العم أمجد نصوصاً أخرى للأطفال، ويتعلق الأمر بكتاب:الوردة والقمر، وهو كتاب مفرد موجَّه لليافعين، له طبيعة توجيهية، روحية ودينية، طُبِع مرتين، مرة بدعم من جمعية آباء وأولياء وأمهات ثانوية ابن بطوطة الإعدادية، بفاس، ودعم من مطبعة بلال بمدينة فاس، سنة 2018، والطبعة الثانية بغلاف جديد رسم لوحته الفنان يوسف مجدي، سنة 2020.
ثم كتاب آخر يحمل عنوان: حبيبة والطائر الجميل، وهو كتاب يضم 5 قصص، صدر عن دار “مقاربات للصناعات الثقافية” التي يرأسها الأكاديمي والمبدع المغربي الدكتور جمال بوطيب، في طبعة أولى محدودة، وملوّنة، سنة 2018، ولكن لارتفاع تكلفتها، أعيد طبعها طبعة ثانية دون ألوان، في السنة نفسها. وهذه القصص هي: حبيبة والطائر الجميل. وحسناء تريد أن تفوز، وحكاية نهار، وحكيم والشمس، وحاسوب جديد.
وقد سبق للكاتب أمجد مجدوب رشيد أن كتب في مجال تعليم الأطفال، ودعم مسارهم الدراسي، ويتعلق الأمر بكتاب: حروفي الجميلة: لمرحلة التعليم الأولي، وهي قصص مبسّطة تعليمية تهدف إلى تمكين الطفل من تعلم الحرف، أو الاستئناس به، في قالب قصصي، مع تنويع أشكال العرض.
ثم كتاب سلسة المزهر، وقد جاء في ثلاثة كتب لدعم تعليم اللغة العربية موجه لتلاميذ الطور الإعدادي، واسم هذا الكتاب بالكامل: “المزهر في الدرس اللغوي، والإنشاء والتعبير، مع مداخل للقراءة المنهجية”. وقد كتب مقدمته الدكتور المرحوم سعيد الشقروني، وأصدرته الدار العالمية للكتاب ومؤسسة مغرب الكتاب بالدار البيضاء، في طبعة أنيقة، سنة 2019، وكل كتاب يضم جزءين: واحد للإنشاء والتعبير (أوراقه خضراء)، والثاني للدرس اللغوي (أوراقه برتقالية)، ويعدّ هذا الكتاب حصيلة جهد تربوي وممارسة صفية داخل القسم، فالأستاذ أمجد مجدوب رشيد أستاذ اللغة العربيةلأكثر من عقدين من الزمان،وقد سبق تكليفهبالإرشاد التربوي وتنظيم الأنشطة الثقافية، وهو أيضاًروائي، وشاعر،وناقد، وباحث أكاديمي يتابع دراسته العلياً بإعداد أطروحة لنيل الدكتوراه.
وقد خبر مستوى التلاميذ وصعوبات التعلم لديهم، من خلال مساره وتجربته الواسعة، مما أهّله لإنجاز هذا العمل الذي يمكن استعراض أهم ما يتميّز به من خلال الآتي:
أولا: كتاب بُنِي منهجيا من منطلق بيداغوجية التعلم الذاتي.
ثانيا: تمَّ توظيف مفاهيم الذكاءات المتعددة، خصوصا الذكاء البصري، ومعطيات البيداغوجيا الفارقية.
أماالخلفية المنهجية التي أطرت هذا العمل فتتكون من اثنتي عشرة نقطة:
1 – تعدد المداخل لتحقيق الفهم.
2 – القصد إلى المسألة والهدف دون إضاعة الجهد.
3 – الإكثار من النصوص القرائية الداعمة، والتطبيقية.
4 – توظيف عدد من النصوص المجرَّبة داخل القسم.
5 – ربط المتعلم بحياته الاجتماعية الفعلية.
6 – إدماجه في حياته الثقافية ومظاهرها.
7 – إعداده لتقبّل مستجدات الطور الثانوي.
8 – توظيف الخطاطات غير المسبوقة.
9 – تنويع عدد من التمارين التطبيقية والنماذج الإعرابية.
10 – تعريف المتعلم بشخصيات، وكتب، وأحداث هامة.
11 – وضع فصول، ومداخل تمهيدية، لإعداد التلميذ لاستقبال المهارات القادمة.
12 – خلق الدافعية عند المتعلم، لإشراكه في بناء الدرس.
وقفة مع كتاب «أشجار وأزهار وثمار»: ويضم القصص التالية:
1 –حلم زهرة. 2 – نخلة تحكي سيرتها.
3 – كرمة العنب. 4 – الكرز والتوت.
5 – كنز الغابة.
تجمع هذه القصص بين عناصر منظومة من القيم، متنوعة المشارب، فيها القيم المعرفية، وقيم الصبر والمصابرة، وقيم التواضع، وقيم المحافظة على البيئة.
تعوّد الكاتب على دمج معطيات متعددة، يرى أنها تحقق نجاح القصة، فالقصة الواحدة عنده تتكون من خمسة عناصر:
العنصر الأول: الفكرة والقيمة المستهدفة.
العنصر الثاني: قليل من الخيال، بقدر مضبوط.
العنصر الثالث: الشرح اللغوي السياقي. مثلا: “كانت رشيدة تسقي الكرمة، وترعاها، وتظل ترنو (تنظر) إلى أغصانها طويلا.” (ص. 16 من قصة “كرمة العنب”.)
العنصر الرابع: إدراج مقطع شعري، في الغالب، يثَبِّت، ويرسِّخ قيمة في حلة شعرية مُمَوْسَقة. مثال من قصة “حلم زهرة”:
“كادت شقيقة النعمان أن تستمع لغناء العمال في الورشة:
نظِّفْ جسمك// نظِّف ثوبك// نظِّف قلبك// نظِّم وقتك// واخفِضْ صوتك// كُلْ باليمنى// واذكر ربَّك// قل بسم الله// قل بالحسنى// حاوِرْ خصمك//”.
وقفة مع كتاب “قصة المِطحنة، وقصص أخرى”: ويضم 6 قصص:
1 – قصة المِطحنة. 2 – قصة الفأس. 3 – قصة المنشار.
4 – حكايات المقص. 5 – قصة القارورة.
6 – قصة المِطرقة.
وهذا الكتاب القصصي استهدف رفع معرفة الطفل بعدد من الأدوات التي نستعملها في حياتنا اليومية، كالمِطحنة، مثلا، لا يخلو منها منزل. فإن لم تكن للبن، والتوابل، فهي للعصائر، والمشروبات. ومنها ما يُستخدم لصنع بعض الأرغفة، وغيرها. كما لا يخلو منزل من منشار، ومقص، ومطرقة،وقوارير. وقد كُتِبت هذه القصص بمراعاة الواقع الاجتماعي، وتوظيف الخيال توظيفا بسيطا، كالملح في الطعام يسوِّغه، ولا يفسده، فإن زاد عن حده ضيّعه. وبُنيت بعض المواقف مضحكةً، ساخرةً، لتحقيق إمتاع الطفل، ولإقباله على القراءة، ومتحت هذه القصص من بيئة مغربية. فنقرأ مثلا في قصة “حكايات المقص” ما يلي: “في قريتنا المقص له يوم مميز، هو يوم قصِّ صوف الخراف والنعجات، حيث يتحول الحدث إلى حفل بهيج، تُعَدّ فيه الأكلات الشهية، كالشعرية بالحليب، والفطائر المختلفة، ويفرح الأطفال…” (ص. 36)
وقفة مع كتاب “الهدايا الغالية”: ويضم 8 قصص، هي:
1 – ذكاء إنسان. 2 – خيال العم سلاّم. 3 – رحيمو.
4 – رحمة الحيوان. 5 – عبد الرحيم. 6 – الأمانة.
7 – الثليجة. 8 – المحبة في القرآن.
والهدايا نتركها مفاجأة للقارئ، ليكتشف ما هي. ومن هذا الكتاب نقتطف من قصة “رحمة الحيوان”: “وضرب الحلايقي على الدفِّ مُنشِدًا: ارحم يا إنسان، ارحم كل ما خلق الرحمن// ذاك العنوان// والقصة آتية// من يكرمنا// من يعطينا درهم// أو بنصف يجُدْ كي نتمِمْ.” (ص. 32). والقيم التي تتضمنها هذه المجموعة هي الرحمة، والذكاء، والأمانة، والمحبة.
وأخيراً، نختار كتاب “أنشودتي”، والذيضم أناشيد ذات طابع قصصي، وهي أناشيد مبسطة للأطفال، وكل أنشودة تقدم بناء ماتعا يجد فيه الشخصية، والحدث، والوصف، والصراع. وإن استفاد الطفل من المغزى والقيمة المتجليين في هذه الأناشيد، كانا له مُعينا في حياته. وعناوين هذه الأناشيد كالآتي:
1 – صديق الماء. 2 – الثعلب. 3 – صديقاي.
4 – بلادي. 5 – وطني. 6 – الراعي جوهر.7 – لعبتي.
8 – الكتاب. 9 – الأمل. 10 – زهرة السوسن.
ونقدم نموذجا من نشيد “وطني”: “وطني أرض خضراء// جبل صافح الصحراء// وطني بحر واسع// واسع واسع واسع// وطني شط رائع// رائع رائع رائع// وطني تاريخُ مَفاخر// وطني تاريخُ مَفاخر// وطني مَشرِق أحلامي// وطني مَولِد أنغامي// عِش يا وطني// شامخا طول الزمن// عِش يا وطني.”
وقد صدرت هذه الكتب الأربعة بفاس، العاصمة العلمية للمملكة المغربية، وطبعتها مطبعة بلال. ويشار إلى كون رسومها من إبداع الفنان يوسف مجدي، والفنان عبد الله الدرقاوي، وبعض الرسوم من إبداع العم أمجد مؤلف الكتاب.
أخيراً، لابد من الإشارة إلى أن هذه الجهود في الكتابة للطفل، تعتبر جهوداً فردية، وبمبادرة ذاتية، تعتمد على الإمكانات الخاصة، وعلى حُسن العلاقات مع دور النشر والجهات الداعمة، وخاصة مؤسسة مقاربات بمدينة فاس، الرائدة في النشر والصناعات الثقافية والتي يدير الأكاديمي المبدع الدكتور جمال بوطيب، وقد أثمرت حصيلة مشرّفة من الأعمال المتنوعة، ومن بينها الكتابة الموجهة للطفل، خاصة إذا علمنا أن الدكتور جمال بوطيب نفسه كاتب للطفل، وحائز على جائزة المغرب للكتاب في أدب الطفل، والذي نأمل أن نخصص لجهوده في هذا المجال مقالاً قادماً بحول الله، وتبقى الكتابة للطفل أحد المجالات التي ينبغي منحها العناية اللازمة نظراً لتأثيرها في الأجيال القادمة وكونها أحد مصادر الثروة البشرية في المستقبل، إذ لا مستقبل إلا بالقراءة، ولا قراءة مستدامة إلا تلك التي تبدأ من الصّغر، طبقاً لمقولة التعلم في الصغر كالنقش على الحجر.