بقلم: د. حسين عبد البصير
خبيئة الكرنك
تعد خبيئة التماثيل التى اكتشفت فى منطقة معابد الكرنك بين الأعوام 1903-1905م، أكبر خبيئة تماثيل تكتشف فى مصر على الإطلاق إلى الآن، وكم كانت مفاجأة سارة وغير متوقعة للمهندس المعمارى الفرنسى جورج ليجران- الذي بدأ العمل فى الكرنك منذ عام 1895- أن يكتشف مثل هذا العدد الهائل من التماثيل الرائعة القادمة من مصر القديمة، التي يبدأ تاريخها منذ بداية الأسرة الفرعونية الأولى فى عام 3000 قبل الميلاد تقريبا، ويمتد طوال تاريخ الحضارة المصرية القديمة كلها إلى نهاية الحقبة اليونانية- الرومانية.
وبدأت أحداث قصة هذا الاكتشاف المذهل – بالعثور على هذا العدد الضخم من أفضل تماثيل مصر القديمة فى هذا المكان المجهول من الكرنك- فى نهاية عام 1903م، عندما كان عمال المهندس ليجران ينظفون أرضية الفناء الأول أمام الصرح السابع للمعبد الكبير، فاكتشفوا كسرات عدة من تمثال ضخم للمك سيتى الأول وكان منسوب ماء النيل مرتفعا فى ذلك الوقت من العام، وكذلك مستوى المياه الجوفية، وتحولت أرضية المعبد إلى بحر من الطين اللزج. وكان يظهر أسفل تلك الكسرات المشار إليها سابقًا، عدد كبير من التماثيل، فنزل العمال إلى هذا البحر الأثري العجيب واستخرجوا بعضا من روائع فن النحت فى مصر القديمة من هذه المساحة الصغيرة. وفي نهاية شهر ديسمبر، أي بعد شهر من بدء الاكتشاف، بلغ عدد التماثيل الكاملة المستخرجة حوالي الأربعين، وغير الكاملة حوالي العشرين، علاوة على عدد ضخم من الأدوات البرونزية. وبسرعة فائقة وصل العدد الكلي إلى 751 تمثالاً وقطعة حجرية و1700 أداة برونزية، وعدد كبير من التماثيل الخشبية التي لا تعيش طويلاً بسبب مادتها الهشة، وعدد من اللوحات الحجرية المنقوشة بالكتابات الهيروغليفية، والمسلات الصغيرة، وموائد القرابين، وكميات من عظام الكباش وأوانٍ معدنية وحجرية قليلة، وبعض العناصر المعمارية الحجرية.
هذا بعض من فيض عطاء وسحر مصر القديمة التى سحرت العالم منذ قديم الأزل وماتزال إلى وقتنا الحالي.. إنه قرن من السحر والجمال والروعة والبهاء.
سحر مصر الفرعونية
ما تزال مصر الفرعونية تسحر العالم وما تزال كنوز الفراعنة تبهر الأبصار وتخبل العقول وتخطف القلوب. غير أن هناك البعض الذي يخرج علينا بين الحين والآخر وهم عدد غير كبير من المعادين للحضارة المصرية القديمة، والذين يطعنون في أعز ما نملك من تراث حضاري وثقافي عريق ما يزال يعجب به العالم ويحار في معرفة أسراره، وقد يكون هذا البعض المغرض من هؤلاء مهوسًابالمصريين القدماء وحضارتهم إلى درجة تصل بهذا الهوس إلى الطعن فيها وأفضل ما لديها.
ومما أثير في هذا الشأن ما ورد في موقع أجنبي في مقال لشخص غير معروف بين أوساط علماء الآثار والمصريات محاولاً تشويه حضارة الفراعنة الخالدة من خلال افتراء بعض الأكاذيب ونسبتها لحضارتنا الفريدة.
ومن بين ما قيل في هذا المقال غير العلمي والصادر عن شخص غير ذي صفة أو أهلية، أن القمل كان منتشراً في رؤوس الفراعنة، وأن التحرش بالنساء كان منتشراً بينهم، وأن الفرعون الذهبي الأشهر الملك توت عنخ آمون دُفن وعضوه الذكري منتصباً، وأن اختبارات الخصوبة المصرية كانت مثيرة للاشمئزاز، وأن الرجال والنساء عرفوا وسائل تحديد النسل، وأن الدورة الشهرية كانت تأتي للرجال الفراعنة كالنساء، وأن الفراعنة كانوا بدناء بشكل مقزز، وغيرها من الأباطيل التي حاول صاحب المقال المجهول إلصاقها بحضارة الفراعنة الباهرة، حقداً منه على حضارة أضاءت الدنيا قديماً وما تزال أنوارها تبهر العالم كله في وقتنا الحالي وإلى أن يرث الله سبحانه وتعالى الأرض وما ومن عليها.
وللرد على هذه الأباطيل، نقول إن هذه الأكاذيب ليست علمية وهي مجرد شائعات هدفها الإساءة للمصريين القدماء وللحضارة المصرية القديمة، وإن المصريين القدماء كانوا من أكثر شعوب العالم القديم نظافة، وإنهم اهتموا اهتماماً كبيراً بالنظافة البدنية والشخصية وببيوتهم وأماكن عملهم وعبادتهم وحياتهم ككل، وإن المصريين القدماء كانوا من أكثر شعوب العالم القديم التي قدرت المرأة وجعلتها في مكانة عالية واحترمتها وأعطتها حقوقاً لم تحصل عليها المرأة إلا في عالمنا الحديث ومنذ فترات زمنية غير بعيدة.
وإن الملك توت عنخ آمون لم يُدفن في الوضع المذكور عليه، وأن مومياء الملك تنفي هذا الافتراء تماماً، وإن اختبارات الخصوبة المصرية كانت متقدمة في ذلك الزمن البعيد مقارنة بمثيلاتها في الحضارات القديمة الأخرى، ولم تكن مثيرة للاشمئزاز كما يدعي صاحب المقال، وإن الرجال المصريين القدماء لم يعرفوا وسائل تحديد النسل كما يدعي صاحب المقال، وإن الدورة الشهرية لم تكن تأتي للرجال الفراعنة كالنساء كما يدعي صاحب المقال، وإن الفراعنة كانوا أصحاب أجسام رشيقة وقدود ممشوقة ولم يكونوا بدناء بشكل مقزز.
كما يحاول صاحب المقال تشويه الحضارة المصرية القديمة الخالدة. وليتق الله هؤلاء الأدعياء في حضارتنا الخالدة، وليتوقفوا عن تلك الحملة المغرضة المنافية للواقع والعلم والحقيقة، وليحاولوا أن يتعلموا من منهل مصر القديمة وأنوار حضارتها، بدلاً من ذلك الهراء الذي ليس من ورائه طائل إلا إرهاق أنفسهم بمحاولة لن يكتب لها النجاح كما كُتب النجاح والسبق والتفوق لحضارتنا المصرية القديمة الخالدة.
وفي النهاية، أقول إن سحر مصر القديمة سوف يظل ما دام هناك عقل يفكر وقلب ينبض وعين ترى وأذن تسمع شأنها في ذلك شأن السحرالذي انفتح على العالم وغمر عبيره عقولنا وقلوبنا وأبصارنا جميعًا عندما نجح جان-فرانسوا شامبليون في كشف رموز اللغة المصرية القديمة وإطلاع العالم على سحر وأسرار الفراعنة بشكل علمي مؤِّسسًا بذلك علم المصريات في عام 1822. ومنذ ذلك الحين، ونحن ننعم جميعًا بسحر مصر الفرعونية الذي لا يُقاوم. إنه سحر الفراعنة.وهو السحر الذي لا ينتهي. وسوف يظل أبد الدهر يسحرنا بالجلال والجمال. وسوف يظل يهبنا السعادة والمتعة اللتين لا تقاومان. فتحية حب وتقدير وإعجاب لمصر الغالية وحضارتها الساحرة التي لا ينبض جمالها وغموضها وعشقها وروعتها أبدًا أبدًا.
عالم آثار وروائي وكاتب مصري. حصل على درجة الليسانس في الآثار المصرية القديمة في كلية الآثار في جامعة القاهرة. وحصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في الآثار المصرية القديمة وتاريخ وآثار الشرق الأدنى القديم في جامعة جونز هوبكنز بالولايات المتحدة الأمريكية. وألف عددًا من الكتب والمقالات العلمية والروايات مثل «البحث عن خنوم» و»الأحمر العجوز» و»الحب في طوكيو» و»ملكات الفراعنة.. دراما الحب والسلطة» وغيرها. وشغل العديد من المناصب في الداخل والخارج. وأشرف وأدار العمل الأثري بالمتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط، والمتحف المصري الكبير بالجيزة، ومنطقة أهرامات الجيزة، والمقتنيات الأثرية، والمنظمات الدولية واليونسكو، وإدارة النشر العلمي، بوزارة الآثار، وغيرها. ودرّس في جامعة جونز هوبكنز وجامعة أريزونا بالولايات المتحدة الأمريكية والجامعة الفرنسية (السربون 4) وغيرها. ويشغل الآن منصب مدير متحف الآثار والمشرف على مركز دكتور زاهي حواس للمصريات بمكتبة الإسكندرية.