بقلم: تيماء الجيوش
من يتبع تاريخ كندا سيجد أنها رحبت باللاجئين منذ العام ١٧٧٦.
في العام ١٩٦٩ وقعت حكومة كندا على اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة باللاجئين و ما تبعها من بروتوكول وتعهدت كندا و بشكلٍ رسمي و بمقتضى الاتفاقية على عدم إعادة أي شخص الى بلده الأصلي ما دامت لديه أسباب للخوف و الاضطهاد و تهدد سلامته. من يقرأ تاريخ هذا البلد يعلم تماماً بأنها بلد المهاجرين واللاجئين ، بلد ديمقراطي يحترم الكرامة الإنسانية و يفخر بالتنوع العرقي و الاثني ، الثقافي و الديني. فيها المساحات للجميع دون تمييز. قام الكنديون باحتضان السوريين، العديد منهم تقدم بشجاعة و إنسانية وكرم و كفِلَ عوائل وأفراد نالتهم مآلات حربٍ سورية أهلية عنيفة ، قُتِلَ فيها العديد من المدنيين الأبرياء، اختلطت فيها الأوراق عن قصد و زادت انقساماته المجتمعية والاستقطاب السياسي و الطائفي بشكلٍ صادم ومؤلم نُفيت فيه العقلنة و المنطق. مختلف الشرائح العمرية السورية حضرت إلى الضفاف الكندية مُحمّلين بالود و السلام ، منهم أطفال و طلبة التحقوا بمدارسهم ولأهاليهم آمالٍ بأن يجُّبَ الوطن الجديد الضياع الذي نال من جيلٍ بأكمله في الوطن الأم.
في العام ٢٠١٦ قامت كندا بتوطين عددٍ هام من اللاجئين حيث استقبلت أكثر من ٤٦ ألف و بحلول شهر شباط من ذات العام أوفت كندا بعهدها و قامت بإعادة توطين ٢٥ ألف لاجئ سوري . ثم عادت في العام ٢٠١٧ و ٢٠١٨ لتقوم بتوطين ١٣٠٠٠ ألف لاجئ ممن نجا من عنف داعش.
في الثامن من أيلول / سبتمبر من هذا العام و في مدينة أوتاوا ، كان هناك طالب وهو لاجئ سوري يتيم الأبوين قد انتقل إليها حديثاً و لا يتجاوز الخامسة عشر ربيعاً يحثُّ خطاه في محيط مدرسته و يقف منتظراً حافلة تُقلّهُ Near Gloucester High School ، فوجِئ بمجموعة من ستة طلاب تحيط به ، تسأله هل أنت عربي؟ من اي بلدٍ قد أتيت ؟ و مع إجابته بنعم و أنه سوري أوقعوه أرضاً ، أشبعوه ركلاً و ضرباً و شتماً ، سرقوا هاتفه الجوال و عقده. أحد الشهود والذي كان يركن سيارته في موقعٍ قريب صرخ فيهم أن ابتعدوا و دعوه وشأنه. شاهد العديد الطالب السوري مُلقى على الأرض و قد تقطعت ملابسه. تم تصوير ما جرى و تداولته وسائل التواصل الاجتماعية وفيها تفاصيل الحدث بأكمله. لاحقاً لذلك و منذ أيام صدر بيان عن شرطة أوتاوا Ottawa. حيث تناول فيه التحقيق الذي أجرته وحدتي السرقة و الشباب في الجهاز حول الحادث ، و بالنتيجة أُعلِنَ عن توجيه إتهامات حول جرائم متعددة ذات دوافع كراهية، بما في ذلك السرقة والتآمر لارتكاب جريمة يعاقب عليها القانون والترهيب بالعنف». ثم تابع البيان أن جهاز الشرطة لا زال ينظر في جوانب الكراهية المتعلقة بالقضية و تدعو الشهود الى التقدم و الإدلاء بأقوالهم و شهادتهم إن كانوا في موقع الحادث أو لديهم معلومات. بالإضافة إلى التحقيق لدى دائرة الشرطة في أوتاوا ، كما كان هناك تحقيقاً داخلياً موازياً تقوم به هيئة مدارسهاOCDSB .
«و وفقًا لقانون العدالة الجزائية لليافعين ، فانه من غير الممكن بحسب ما ورد عن الهيئة مناقشة القضايا الفردية المتعلقة بالطلاب وذات الصلة بالعدالة و النظام الجزائي، لكن السياسات الآمنة لهيئة المدارس إدارة سلوك الطلاب و حين حدوث العنف من قبل الطلبة و ثبوت مسؤوليتهم عنه ، تتبنى العقوبة التأديبية المناسبة للفعل و ما أحدثه من نتيجة و التي يمكن ان تصل الى عقوبة الطرد. . بالنسبة للعديد من الكنديين كان الأمر صادماً في بلدٍ يحترم حقوق من فيه ، أن يقع في حناياه هذا العنف على طالبٍ يعود بأصوله الى الأقليات المرئية Visible minorities. ،أو أن تقع أي صورة من صور العنف او التمييز بسبب العرق او الدين او الجنس فهذا مُدان بالمجمل لما فيه من انتهاك جسيم للكرامة الإنسانية و يجب ألا يتم تكراره. و هذا بالتحديد ما أشارت إليه عريضة أهالي الطلبة في أوتاوا التي تم التوقيع عليها من قبلهم داعية الى سلامة الطلاب و منع العنف ضدهم.
“We’d like to express our most heartfelt condemnation of the abusive behavior that occurred and voice out our deepest concerns for the safety of our children” لربما وقوع هذا العنف من طلبة ضد زميلٍ لهم لاجئ هو ما يجعل هذا الفعل أشد وقعاً وإيلاماً و قسوة، المدرسة مؤسسة تعليمية فيها تتشكل المعرفة ومن قواسمها عناصر المجتمع المتعددة والمتنوعة من الشرائح المهمشة إلى شرائح ذوي الامتياز والسلطة ، الى اختلاف العرق و الجنس والدين «. إن حرمة الحياة البشرية وحرية الفرد وسلامته هي أمثلة للقيم التي يتم تضمينها في إطار القيم الذي يجب أن يجسده نظام التعليم وينقله. وبهذه الطريقة ، يلعب نظام المدرسة دورًا مهمًا في تحفيز التدابير التي تمنع العنصرية والتطرف العنيف.
جاء هذا الفعل لُيشير الى الحاجة للتغيير ، الحاجة الى معرفة نوعية ، أكثر عمقاً و حوار لا ينقطع بل يستمر ما دامت أفعالٍ كهذه تأخذ حيزاً و تعكس نشوزاً عن القيم الإنسانية . قد يبدو الأمر صعباً في زمنٍ من التعقيدات المحيطة لكنه ليس بالمستحيل ما دامت الرغبة بالحوار موجودة و ما دام هناك من يود الاستماع و الفهم. و كذلك الحث على المزيد من المعرفة والبحث ، التنسيق بين المؤسسات التعليمية و الأسر و هيئات و منظمات المجتمع المدني، و تعزيز الإجراءات الوقائية على الانترنت والأهم نظام قانوني أكثر فعالية.
ليس مستحيلاً طالما أن المستقبل جامعاً لنا بأكملنا و بعيداً عن العنصرية و جرائم الكراهية في كندا التي نُحب ، البلد الديمقراطي، الوطن الجميل الثاني.