بقلم: د. خالد التوزاني
تقديراً للجهود الكبيرة التي بذلها معالي الدكتور مانع سعيد العتيبة في خدمة التواصل الثقافي بين الإمارات العربية المتحدة والمملكة المغربية، واعترافاً بفكره الموسوعي ورؤيته الثاقبة للقضايا العربية والإنسانية، وبُعد نظره وحِكمته، وتثميناً لرصيده الفكري والشعري والعلمي والإنساني، أشرف الأكاديمي المغربي الدكتور عبد الله بنصر العلوي على إعداد مشروع علمي وأكاديمي رفيع المستوى، تبنّته جامعة سيدي محمد بن عبد الله بمدينة فاس، العاصمة العلمية للمملكة المغربية، تحت عنوان: “كرسي معالي الأستاذ الدكتور مانع سعيد العتيبة للدراسات الأدبية والأكاديمية المغربية- الإماراتية”، والذي سوف يعمّق البحث في الفكر العتيبي وإبداعه ومساره الحافل بالتجديد والابتكار، ليكون مصدر إلهام للأجيال ومعول بناء للأوطان.
أكّدت هيئة التدريس في هذا الكرسي العلمي المتميّز عن اعتزازها بالعمل على دراسة جوانب من عبقرية العتيبة ونقلها إلى طلاب الدراسات العليا، فقد أصبح معالي الدكتور مانع سعيد العتيبة مدرسة قائمة بذاتها، وتجربة رائدة تستحق التقدير والاهتمام بنقلها إلى الأجيال وتخليدها في سجل مفاخر الأمة العربية والإسلامية المعاصرة، لما بذله من جهد في التأسيس لنهضة إنسانية وفكرية كان لها الأثر المحمود على مستوى الحياة الفكرية والثقافية والاقتصادية والسياسية، فقد كتب في أكثر من مجال؛ في الفلسفة والأدب والاقتصاد والحوار والتواصل والإبداع والفن والجماليات وضرب أروع الأمثلة في السلوك الإنساني المثالي بهمة عالية وشموخ يذكّر الأمة برجالها العظام، والناظر في منجزه ينهل من قيم ونظريات ورؤى فريدة وملهمة.
يعدّ الدكتور مانع سعيد العتيبة رجل فكر ودبلوماسية وشعر وأدب، راكم تجربة طويلة في التواصل والحوار والإنتاج الأدبي والفكري، وضمن مجالات واسعة من العمل في الميدان، أثمرت رؤىً متعددة وحصيلة مُشرّفةً من المنجزات، تنم عن شخصية موسوعية فذة، وإرادة صلبة لا تلين، ويأتي هذا الكرسي العلمي الذي يتخصّص في الفكر العتيبي وإبداعه، يركز على جهوده الفكرية وإسهاماته في مختلف المجالات، وكيف عمّقت رؤيته للأدبية المغربية والإماراتية في أبعادها الحضارية والإنسانية الصلات التي تربط البلدين الإمارات والمغرب.
لقد استوعب الدكتور مانع سعيد العتيبة ثقافة عصره بكل اللغات فكان شاهدا على العصر منفتحاً على الوسائط الجديدة في الفكر والعمل والإنتاج والتواصل، فهو فضلاً عن إتقانه فن التواصل ضمن مهامه الدبلوماسية الرسمية وإشعاعه الثقافي والإنساني، نجده باحثاً أكاديمياً نال أرفع الدرجات العلمية من مختلف الجامعات الدولية، وكتب في الحوار والتواصل أكثر من دراسة، ومنها كتابه: “حوار الحضارات: الأنا والآخر”، حيث يظهر في ثنايا هذا الكتاب عمق ثقافة العتيبة، وكيف استطاع أن يؤسس حواراً بين الحضارات، ينهل من رصيد الذات العربية وتراثها الغني بمؤشرات التواصل والانفتاح، محاولاً كشف معيقات الحوار في العصر الحالي، واقتراح مداخل لتجويده والارتقاء به، مع تقدير الجهود السابقة في هذا المجال، وذلك كلما تعلّق الأمر بالعقل العربي وبالنظام القيمي الإسلامي، حيث نجده دائماً يؤكد على أهمية بناء الشخصية المتفرّدة التي تأتي بالجديد والمفيد، وتحقّق ذاتها بعيداً عن التقليد، يقول العتيبة: “ولا يبني نماذج لشخصية واحدة مكرّرة، بل يفتح الباب لنمو الشخصية الفردية المتحرّرة من كل العقد المثبطة، نفسية كانت أم اجتماعية أو فكرية” .
عندما نتحدث عن الدكتور مانع سعيد العتيبة، فنحن نتحدث عن الشاعر والسياسي والمثقف والاقتصادي ورجل البترول.. توليفة نادرة لشخصية عربية استثنائية قيل عنها إنها موسوعة متحركة ، فهو المستشار الخاص لصاحب السمو رئيس الدولة في الإمارات العربية المتحدة، أحد أهم الشخصيات العربية التي جمعت بين العمل الدبلوماسي والاهتمام الإبداعي والإنتاج الفكري والتكوين الذاتي العصامي، حيث إنَّ أعماله الأدبية تمثل إرثاً ثقافياً كبيراً من ذخائر الأدب العربي والإماراتي تنهل منه الأجيال وتسترشد به، لما يحمله من قيم إنسانية سامية، ترسّخ التعايش والحوار وتشجّع على التسامح والانفتاح والتواصل، فضلا عن نجاحاته في مجال الاقتصاد وريادة الأعمال ، الشيء الذي يجعل من أفكاره محط اهتمام العالم برمته، ومن سيرته نموذجاً للنجاح والتميّز والعطاء.
أما شخصيته فقد اتسمت بالتواضع ومحبة الناس، ورؤيته للعمل والإنتاج متفرّدة، كما أن نظرته للحياة مُلهِمة للكثيرين من أجل النجاح، فهو يعطي القدوة بسلوكه أولاً وبصبره وطموحه، وحكمته وتبصّره ثانياً، وهي صفات القادة والزعماء، ولذلك لا غرابة أن يؤكد على ضرورة الحوار وقبول الاختلاف، ولعل حديثه عن نفسه في أحد الحوارات التي أُجريتَ معه قبل خمس سنوات، تؤكد بعضاً من هذه المعاني عندما يقول: “من الصَّعب والمحرج أن يتحدث الإنسان عن نفسه، ولكن يمكنني القول باختصار إنَّ التوفيق من الله عز وجل. الله يأمرنا بالعمل “وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون”، وقد عملتُ وكنتُ جادًا ومُخلصًا للأمانة التي حملتها والمسئولية التي كلفت بها أمام الله والنفس والوطن. وضعتُ سقفًا عاليًا لطموحي وأهدافي، وحينما يحدد الانسان هدفه ويحسم أمره ويتوكل على الخالق ويكدّ ويجتهد فالله سيأخذ بيده ويوفقه، ولا شك أن العوامل المساعدة مهمة أيضًا، فاقتناص الفرص والتركيز والعمل والمثابرة تدعم النجاح وتساعد على تحقيق الهدف. ومن المهم أيضًا أن يحب الانسان عمله، فالحب يصنع المعجزات ويولد المتعة، وأنا أجد متعة في العمل، ومتعة في الشعر، ومتعة في السياسة ومتعة في الحوار الذي أؤمن به، سواء الحوار بين الحضارات أو الحوار بين الشعوب والحوار بين الاطياف المختلفة، فقضايانا العالقة لا حل لها إلا بالحوار وليس بآلية الحرب ولغة السلاح التي يجب تجنبها والتخلي عنها كليًا، منحنا الله نعمة العقل، وبالعقل والحكمة يمكننا معالجة أزماتنا ومشاكلنا وخلافاتنا، وما تمر به الأمة العربية اليوم هو شيء غريب علينا يعيدنا إلى عصر الجاهلية، الجاهلية التي خلصنا الاسلام منها وهذبنا عندما دعانا الى السلم واحترام الآخر من خلال محاورته واحترام اختلافه واعتماد الديمقراطية ومبدأ تداول السلطة..” .
لا شك أن هذه الروح العالية من المحبة الإنسانية والإخاء الصادق وتعزيز الحوار الفاعل، هي ما جعل الدكتور مانع سعيد العتيبة “حواراً يمشي على الأرض”، وأهّلَهُ لينال أرفع الأوسمة الملكية السامية والدرجات الأكاديمية الرفيعة، في مختلف المؤسسات العلمية الدولية، ومنها حصوله على جائزة المتوسط للسلام للعام 2018، وهي الجائزة التي لم تعط منذ 30 عاماً إلا لشخصين، نظراً لدور جهود الدكتور مانع سعيد العتيبة في تعميق الحوار والتعايش بين الشعوب والمجتمعات، كما تشهد بذلك مسيرته الغنية على المستوى الثقافي الأدبي والاقتصادي والمجتمعي ، ثم في سنة 2019، أقامت جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس حفل تسليم الدكتور مانع سعيد العتيبة دكتوراه فخرية بدرجة “أستاذ محاضر” سلّمتها له جامعة “تورفيرغاتا” TorVergata الإيطالية، وذلك لمواقفه وكتاباته الداعمة للسلام وحوار الحضارات والأديان وقبول الآخر والتعايش بين مختلف الشعوب، فضلا عن ما تكشف عنه دواوينه الشعرية وكتبه الفكرية والنقدية من نزعة إنسانية تتفاعل مع آلام وآمال الإنسان في كل زمان ومكان، وقد كشفت بعض الأحداث الأليمة في حياته عن شخصية إنسانية رقيقة جداً تتأثر بالعواطف ومشاعر الحنان، فيتدفّق الشعر شلالا منهمراً من الجمال والبهاء.
للدكتور مانع سعيد العتيبة اهتمامات فكرية تروم تأصيل التواصل وبناء حوار حقيقي ومثمر، ففي مارس من عام 2003، قدّم محاضرة علمية ضمن فعاليات المؤتمر الدولي السنوي لكلية العلوم الإنسانية بجامعة الإمارات، والذي أقيم تحت عنوان “العولمة التفاعل والتعامل”، داعياً في مداخلته الى إشاعة مبدأ ثقافة الحوار البنّاء المتبادل، وبما يخدم مصالح الأمة العربية والحفاظ على هويتها الثقافية ومكانتها الحضارية بين الأمم.
كما أصدر في نهاية عام 2003، كتاباً يحمل عنوان: “حوار الحضارات الأنا والذات”، وفي أواخر عام 2004، شارك في المؤتمر الثالث للفكر العربي الذي أقيم بمراكش في موضوع: ”العرب بين ثقافة التغيير وتغيير الثقافة”، وقدّم فيه الدكتور مانع سعيد العتيبة مداخلة تحمل عنوان: “حوار الحضارات: الدواعي والعوائق والآفاق” ، وغير ذلك من المناسبات العلمية التي دافع فيها مانع عن الحوار وقبول الاختلاف وترسيخ التعايش والتواصل، ووقف مرافعاً عن قيم إنسانية أصيلة في الإنسان بغض النظر عن انتمائه ولغته ودينه وعِرقه، ولا شك أن هذه الروح العالية من المحبة والتسامح والتواصل الفعال، لا تصدر من فراغ، وإنما وراءها رؤية ثاقبة وفكر سديد مؤيد بالحق وبالعقل والإيمان.
لكل هذه الأسباب الموضوعية، ويُضاف إليها محبة الدكتور مانع سعيد العتيبة للمملكة المغربية، ودفاعه عن القضايا الوطنية، وحرصه على التواصل مع المثقفين والمؤسسات الرسمية في المغرب، كل ذلك دفع نخبة من الباحثين والدكاترة بالجامعة المغربية تحت إشراف الأكاديمي الدكتور عبد الله بنصر العلوي إلى إعلان “كرسي معالي الأستاذ الدكتور مانع سعيد العتيبة للدراسات الأدبية والأكاديمية المغربية- الإماراتية”، بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بمدينة فاس، والذي سوف يشكل إضافة في غاية الأهمية لحقل الدراسات الجامعية العليا.