بقلم: شريف رفعت
مساء الخير صديقي، أنت زبون جديد في هذه الحانة؟ هل تسمح لي بالجلوس معك؟ لا أود مضايقتك فمضايقة الناس لا أقبلها على نفسي اطلاقا، أعلم أن الكثير من رواد الحانة يفضلون الانفراد ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ ، لكن إذا قبلت صحبتي و يا ليتك تطلب لي كأسا فسأطلعك على حكمة الحياة التي اكتسبتها، شكرا صديقي على كرمك، “اعطني كأسا هنا يا صابر، سيحاسبك عليها صديقي هذا، لماذا تبتسم بمكر أيها الأحمق؟”.
أتدري صديقي ماذا يدعونني في هذه الحانة اللعينة؟ يدعونني “أبو سيف”، أتدري لماذا؟ لمعلوماتك قبل أن أبدأ أنا مثقف جدا، و مـُطـَلـِع و أقرأ كثيرا، حكيت مرة لرواد هذا المكان البائس عن “داموكليس” الأحمق و سيفه اللعين، و شبهت نفسي به، و من يومها و هم يدعونني “أبو سيف”، بالتأكيد اسم “داموكليس” صعب عليهم، لذلك يدعونني أبو سيف، تعلم بالتأكيد هذه الحكاية فأنت يبدو عليك أنك مثقف مثلي، إنه الحاكم الموتور في قديم الزمان الذي علق سيفا فوق رأسه بشعرة بحيث قد يسقط عليه في أي لحظة و يقتله، كانت فكرته أنه يجب أن يكون مهددا دائما خائفا دائما من السيف المعلق فوق رأسه حتى يكون حاكما عادلا، حكيت لهم ـ لرواد هذه الحانة ـ أني في مرحلة سابقة من حياتي كنت مثل هذا ال “داموكليس”، سيفي أنا كان كل ما كنت أرهبه في هذه الحياة، خيانة الزوجة، مرض الابنة، عقوق الابن، كوارث مالية، طرد من وظيفة، لم يكن فوق رأسي سيف واحد لكن العديد من السيوف، كنت بدوري غاية في الاستقامة و الفضيلة، كنت بسبب هذه السيوف و خوفي من سقوطها على رأسي إنسانا مثاليا.
مرت عدة سنوات و أنا على هذه الحالة، صدقني صديقي لم أكن سعيدا إطلاقا، المأساة هنا أن القدر اللعين قطع الشعرات التي تربط هذه السيوف فتهاوت على رأسي واحدا إثر الآخر، عندما حكيت لهم هنا عن هذه الاسطورة أطلقوا علي “أبو سيف”، أما أنا فقد قررت التحرر من الخوف، من هذه السيوف الوهمية، أعيش حياتي الآن كما أحب، بالتأكيد أنا لست في غاية الورع و التقوى، في الواقع أنا أبعد ما أكون عن الورع و التقوى، لكني سعيد، فلا سيوف الآن معلقة فوق رأسي، صدقني صديقي أنا في منتهى السعادة و الحرية الآن رغم ذقني الغير حليق و شعري المـُشَعـَث و ملابسي الرثة و عموما مظهري المزري.
شكرا على وقتك صديقي العزيز، دعني الآن أذهب لزبون آخر أحكي له عن قصتي و أشرب معه كأسا.